مشاركة فاعلة للمرأة في جميع مجالات الحياة العامة = مشاركة فاعلة للرجل في جميع مجالات الحياة الخاصة.
قبل كل شيء، كلا. هذه ليست إعادة للنقاش حول حقوق المرأة إلى نقطة البداية: المنزل، ولا فكرة تنطلق من التنميط الذي لطالما لاحق المرأة وحصر دورها بالأعمال المنزلية.
تشارك المرأة اليوم بنسب تختلف من دولة إلى أخرى، في السياسة وفي الاقتصاد والقضاء والتعليم… ولكنها أيضاً واقعة في مأزق، أبعد من غياب المساواة الشاملة في الحياة العامة.
ففي الوقت الذي يسير فيه قدماً تحقيقُ مشاركة عادلة وشاملة للمرأة في المجال العام، بات من الملح، أكثر من أي وقت مضى، الحديث عن مشاركة عادلة وشاملة للرجل في المجال الخاص.
50% من النساء في سن العمل هن في سوق العمل مقابل 77% من الرجال (إحصاءات الأمم المتحدة لعام 2015). ولكن رغم حجم المشاركة المتزايد للمرأة في سوق العمل، ومشاركتها الفاعلة في تحمل الأعباء المعيشية للأسرة، لا تزال أعمال الرعاية غير المدفوعة الأجر ومنها الطهو والتنظيف ورعاية الأطفال، مسؤولية ملقاة على عاتقها بشكل رئيسي، وهذا ما يجعل المرأة تعيش عبئاً مزدوجاً.
تنفق النساء في المتوسط بين 3 و6 ساعات على "أنشطة الرعاية غير المدفوعة الأجر" حول العالم، بينما ينفق الرجال بين نصف ساعة وساعتين (دراسة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، 2014).
وتزداد حدة هذه الفجوة في البلدان النامية، منها بلدان العالم العربي. فالمرأة في مصر، على سبيل المثال، تقوم بـ79% من العمل غير المدفوع الأجر، مقابل 21% للذكور (الجهـاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، 2016).
العمل غير مدفوع الأجر هو الحلقة المفقودة في معالجة الفجوة بين الجنسين، بحسب مؤسسات عدة، منها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ومنظمة الأمم المتحدة. وهذه القضية لا تخص البلدان النامية وحدها، بل تؤثر على النساء في جميع أنحاء العالم، بغض النظر عن المستوى التعليمي، ومستوى الدخل، أو مستوى التنمية في بلد الإقامة.
وفي حين تشهد مجتمعات عدة تطوراً نسبياً في هذا المجال، مع زيادة تحمل بعض الرجال لمسؤوليات إضافية في النطاق الخاص، لا تزال الحصة الأكبر من العبء ملقاة على عاتق النساء.
لهذه الفجوة في المشاركة في "أنشطة الرعاية غير مدفوعة الأجر"، وأبرزها "الأعمال المنزلية"، انعكاسات كبيرة على قدرة المرأة على المشاركة بفعالية في النطاق العام، وعلى نوع وجودة فرص العمل المتاحة لها.
مشاركة الرجل في أعمال المنزل لا يجب أن تتوقف على مساعدة يقدمها عن طيب خاطر.. بل هي مسؤولية يومية يتحملها
المعادلة: مشاركة فاعلة للمرأة في كل مجالات الحياة العامة = مشاركة فاعلة للرجل في كل مجالات الحياة الخاصة
يشير تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى أن الوقت مورد محدود، وكل دقيقة إضافية ينفقها الشخص على الأعمال غير المدفوعة الأجر (ولا شك في أنها ضرورية)، تمثل دقيقة كان يمكن استثمارها في التطور المهني والشخصي.
وبما أن الاستعانة بطرف خارجي للمساعدة في تولي المسؤوليات المنزلية ورعاية الأطفال ليست خياراً في متناول جميع الأسر، تقع المرأة العاملة غالباً بين خيارين:
- إما تساوم على نوعية مشاركتها في النطاق العام، وتحد من الدور الذي يمكنها أن تلعبه، فيأتي غير متناسب مع ما تملكه من قدرات، أو ما يمكن أن تنمّيه من قدرات.
- إما تصر على الازدهار في النطاق العام، ولكن تستنزفها المسؤوليات المنزلية، وتمتص طاقتها، وتدخلها في نهاية المطاف في دائرة من الشعور بالذنب، لشعورها بالتقصير في أداء مسؤولياتها في النطاق الخاص. في هذه الحال، قد تختار المرأة تأجيل إنجاب الأطفال، أو التخلي عن الفكرة (ونحن هنا لسنا بصدد الحكم على هذا الخيار).
بلا مواربة، يشكل التوزيع غير المتساوي للمسؤوليات المنزلية بين المرأة والرجل اليوم تعدياً صارخاً على حقوق المرأة، ويقف عائقاً أمام تمكينها الاقتصادي، وأمام ازدهارها الشخصي.
اضطرت المرأة مطولاً إلى قبول هذا الواقع، بشكل واع أو غير واع، للحصول على حقها في العمل والمشاركة في الحياة العامة. وكرست المنظومة القائمة، وحتى خطاب بعض النساء، في الكثير من الأحيان، هذا الواقع، بالإصرار الدائم على تأكيد إمكانية توفيق المرأة بين دورين: دورها في الحياة العامة، ومسؤولياتها المنزلية والعائلية.
غالبية النساء اللواتي برزن في المجال العام على مر العقود الماضية، سُئلن مرة على الأقل، في إطار حوار إعلامي، عن مدى نجاحهن في التوفيق بين هذين الدورين. وكثيراً ما حاولن التأكيد على إمكانية أدائهما معاً بدون تقصير في أي منهما.
إلا أننا نعلم جميعاً، وتعلم النساء العاملات بشكل خاص نحو ثماني ساعات يومياً، أن التوفيق بين هذين الدورين ليس فقط أمراً صعباً، بل هو مستحيل، وأن التقصير لا مفر منه، في أحد الدورين على الأقل.
لا يبدو أننا نعي كثيراً المأزق الذي نحن فيه. فرغم أهميتها البالغة، لا تحظى هذه القضية بالاهتمام اللازم من صانعي السياسات حول العالم، ومن المنظمات العاملة في مجال حقوق المرأة.
مسؤوليات الحياة المشتركة لا يجب أن تكون عبئاً على أي طرف من الطرفين، بل يجب أن توزع بشكل متساوٍ وعادل، يضمن لكل من الشريكين إمكانية التطور في النطاقين العام والخاص على السواء.
وهذا يتطلب إدراك الرجل أن مشاركته في الأعمال غير المدفوعة الأجر، أو الأعمال المنزلية، لا تتوقف على مساعدة يقدمها (كما يفعل الكثيرون اليوم)، بل على مسؤولية يومية يتقاسمها مع شريكته، مسؤولية لا تنتقص من قيمته ولا ترفعها.
اختارت الأمم المتحدة للاحتفال باليوم العالمي لهذا العام موضوع "المرأة في عالم العمل المتغير: تناصف الكوكب (50/50) بحلول عام 2030". في هذه المناسبة، قررنا في رصيف22 أن نتبنى قضية نؤمن بأهميتها ومحوريتها للوصول بشكل سليم إلى هذه المناصفة.
سيلفان نصار، مدير إبداعي في رصيف22، وميشيل أبي راشد، مسؤول في صفحات التواصل الاجتماعي، يبيّنان لنا كيف يكون ذلك.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...