"نخدم عند روحي" هذا التعبير الشعبي أصبح ينتشر بسرعة في الجزائر، ويعني "أعمل عند نفسي" ويقصد به قائله إنه يمتلك عملاً حراً، دون أي قيود في الزمان والمكان، ودون أي تحديد لعدد ساعات الدوام، كما جرت عليه العادة في الوظائف التقليدية.
المتابع لمستجدات سوق العمل في الجزائر في السنوات الخمس الأخيرة يرى نزوحاً واضحاً خاصة من طرف الشباب إلى المهن الحرة، خارج إطار العمل الكلاسيكي، وإطلاق شركات صغيرة، سواء بأموالهم الشخصية أو بالاستفادة من القروض. كما تزايد عدد "الفريلانسرز" الذين يشتغلون بصفة مستقلة بدون عقود في مشاريع وقتية أو لدى مؤسسات بنظام القطعة في مختلف المجالات.
لمواكبة هذه الثقافة الجديدة على الجزائريين، بدأت في الظهور مساحات عمل مشتركة تمنح لهؤلاء إمكانية امتلاك مكتب ومساحة للعمل، دون اللجوء للكراء وما يتبعه من اجراءات إدارية وأتعاب مالية.
تعرف على دار نشر جزائرية تُدار من فوق طاولة صغيرة في مساحة عمل مشتركة
كيف أوجدت مساحات العمل المشتركة حلاً لمعضلة ارتفاع بدل الإيجار؟وأيضاً لتوفير فضاء لكل من هرب من سجن الوظيفة إلى آفاق العمل الحر، مع ارتفاع معدلات الساخطين على العمل في القطاع العام، إذ تكشف آخر الاستطلاعات يشير إلى أن 58% من الموظفين في الدول العربية يشعرون بالتوتر والإرهاق الشديدين، كما أن 9% فقط منهم راضون تماماً عن الراتب الذي يحصلون عليه في الوظيفة.
The address أول الغيث
نشأ نمط "مساحات العمل المشتركة" عام 2005 في الولايات المتحدة الأمريكية وحسب بعض الإحصاءات بلغ عدد تلك المساحات نحو 8000 في حوالي 90 بلداً حول العالم. بعد إحدى عشرة سنة من انطلاقتها العالمية، نشهد ميلاد أول مساحة عمل مشتركة في الجزائر، تحمل اسم "العنوان" هدفها منح الفرصة للمستقلين ورواد الأعمال وأصحاب المشاريع الصغيرة في أن يمتلكوا عنواناً أو مقراً لعملهم. صاحب الفكرة مروان أوديع، شاب يحمل الجنسيتين الجزائرية والأمريكية، بعد أن تتدرج في عدد من المدارس والجامعات الأمريكية وأطلق الكثير من المشاريع، قرر الاستثمار في ميدان لم يسبقه إليه أحد في الجزائر، فاختار أن يقوم بتأجير طابق على مستوى المركز التجاري "المحمدية مول" ليحوله إلى مساحة عمل مشتركة بمعايير دولية. يستطيع هذا الفضاء استقبال 50 حريفاً، ويوفر جميع المتطلبات من إنترنت وقاعات اجتماع، وهاتف ثابت وفاكس وعلبة بريد. الآن صار بالإمكان أن تدير شركتك من طاولة واحدة، وتستمتع بميزات الرفاهة.عصفوران بحجر واحد
في الجزائر يعاني الجميع من أزمة ارتفاع أسعار العقارات، وتحديداً إيجار المكاتب، خاصة في العاصمة، فالكثير من الشركات لم تعد تتحمل تكاليف إيجار مقراتها، وخاصة الناشئة منها. لكن مساحة العمل المشترك بدت حلاً منقذاً للكثير من رواد الأعمال والمستقلين. فقد أطلق أصحابها عدة أصناف من الاشتراك فيها وفقاً للاحتياجات المختلفة لأصحاب الأعمال، اشتراك يومي وأسبوعي وشهري، إذ تقدر قيمة الاشتراك اليومي بحوالي 8 دولارات فيما يقدر الاشتراك الشهري بـ 12000 دينار جزائري، أي ما يقارب الـ 90 دولاراً. أحمد شايب، رائد أعمال جزائري، يمتلك معهداً للتدريب والتكوين في مهن الإدارة والتسويق، جعل من هذه المساحة مقراً للقاء زبائنه المحتملين والقيام بكل أعماله المرتبطة بشركته. يقول أحمد إن تجربة العمل داخل مساحة للعمل المشترك كانت ناجحة جداً، فقد كانت فرصة للقاء الكثير من رواد الأعمال والمقاولين الشباب الذين يرتادون المكان، كما أن الظروف التي تتوفر هناك قد لا تجدها في أماكن أخرى. ولفت إلى أنها أكبر من مجرد مقر عمل، بل حاضنة للأفكار ومكان مفعم بالحياة تتدفعك للعمل بكل راحة بعيداً عن قيود الوظيفة. فقيمة الاشتراك الشهري الذي يدفعه لا تقارن بقيمة الخدمات والميزات التي استفاد منها من خلال تجربة العمل هناك. يضيف أحمد في حديثه عن ميزات العمل داخل مساحة عمل مشتركة "حين بدأت العمل هناك التقيت الكثير من الأشخاص الطموحين والراغبين في فتح شركات أو الذين يعملون بصفة انفرادية." كما أن الاحتكاك مع كفاءات شابة مكنه من إطلاق مشروع صغير يحمل اسم "360 درجة" بالشراكة مع شخصين يديران عملهما من المكان نفسه، أحدهما مختص في التسويق والأخر في الإعلان والتطبيقات التكنولوجية. يهدف مشروعهم إلى مرافقة أصحاب الأعمال الذين يعملون من داخل مساحة العمل المشتركة في التدريب والإعلان والتسويق. هناك يمكنك أن تطلق مشروعك بنجاح بمرورك من ثلاث طاولات داخل مساحة واحدة.دار نشر مقرها طاولة
غير بعيد عن البريد المركزي بالعاصمة، نشأت مساحة عمل مشتركة جديدة يديرها الشاب الجزائري عبد الله مالك أطلق عليها اسم "سيلابس". داخل تلك المساحة يشتغل قادة زاوي، أحد الوجوه المعروفة في الجزائر بإطلاقه مشروع "الجزائر تقرأ" التي بدأت صفحة على الفيسبوك، لتصبح مع مرور الوقت داراً للنشر. من فوق طاولة صغيرة في مساحة عمل مشتركة يدير قادة دار "الجزائر تقرأ" التي كسرت الفكرة النمطية للمشتغلين في سوق الكتاب في الجزائر. يقول قادة زاوي: "سمعت عن مساحة العمل المشتركة عبر موقع لريادة الأعمال. وحينما قررنا إطلاق دار للنشر ساورتني فكرة الانضمام وإطلاق المشروع من هناك لعدة أسباب ربما أهمها توفير مقر للعمل يسمح بإنجاز الهيكل القانوني للشركة. ولأنه من شبه المستحيل أن تحصل شركة ناشئة على مقر خاص بالعاصمة نظراً لغلاء أسعار الكراء، قررنا أن نستفيد من هذه الخدمة". ويتابع زاوي: "اكتشفنا لاحقاً أن مقر العمل ليس أهم ما توفره مساحات العمل المشتركة، هنالك خلف هذه المبادرات الحديثة الولادة في بلادنا مشروع متميز لخدمة المشاريع الريادية. بالنسبة للزبائن يوجد مكتب خاص للاجتماعات ومكان مجهز للضيوف". وعن مميزات المكان يضيف قادة: "حقاً لا يمكن حصرها، فزيادة على توفير مقر دائم للعمل وهي المشكلة التي يعاني منها غالبية رواد المشاريع الاقتصادية وتتعطل لأجلها الكثير من أفكار الشركات، هناك الاحتكاك بنخبة مميزة من رواد الأعمال الذين يتشاركون الأفكار الإبداعية فيما بينهم". يستفيد قادة ورفاقه المسؤولون عن دار للنشر كثيراً من القاعة المجهزة للندوات في عمل الندوات الخاصة بهم وإقامة اللقاءات الصحفية والندوات حول الكتب. كما يتوفر داخل هذه المساحات المشتركة للعمل حزمة من الاستشارات والتوجيهات في إدارة الأعمال من خبراء يحضرون خصيصاً لعمل ورشات تدريبية وندوات خاصة.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 21 ساعةمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع