مع احتدام الصراع بين الحوثيين وخصومهم، انتشرت اللجان الشعبية الجنوبية بشكل واسع في محافظات جنوب اليمن، بحجة تأمين سير المرافق والمؤسسات الرسمية ونشر الأمن. إلى مدينة عدن، عاصمة جنوب اليمن، قدمت أخيراً مئات العربات المحملة بعناصر من هذه اللجان كانوا يقاتلون تنظيم القاعدة في محافظتي أبين وشبوه.
وبحسب الصحافي وائل القباطي، من مدينة عدن عاصمة جنوب اليمن، فإن اللواء ناصر منصور هادي، شقيق الرئيس اليمني عبد ربّه منصور هادي والذي يعمل مديراً للمخابرات في محافظة عدن، استقدم هذه اللجان إلى المدينة لحمايتها من أي هجوم محتمل للحوثيين، وتعبيراً عن رفض تمدّدهم في شمال اليمن و"انقلابهم" على الشرعية.
إزاحة الجيش والأمن
رويداً رويداً، بدأت اللجان الشعبية الجنوبية بإزاحة قوات الأمن والجيش والحلول مكانها في محافظتي عدن وشبوة الجنوبيتين. غير أن كثيرين لم يطمئنوا لانتشار هذه اللجان التي دخلت مرات عدة في قتال مع قوات الجيش والأمن.
وفي 12 فبراير الماضي، سيطرت اللجان على معسكرات ونقاط أمنية عدّة ومبنى التلفزيون في عدن. كما قامت بأسر أكثر من عشرين جندياً بعد استيلائها على مراكز تابعة لقوات الأمن الخاصة المتهمة بـ"العمالة" للحوثيين.
وقال أحمد علي، نائب رئيس اللجان الشعبية في محافظة شبوة لرصيف22: "انطلقت اللجان الشعبية لأول مرة من قلب محافظة شبوة، مطلع مارس 2011، بالتزامن مع بداية الأزمة عقب الثورة الشبابية، وذلك للحفاظ على أمن واستقرار محافظة شبوة من النهب والسلب اللذين طرآ على المحافظة ولحمايتها من العناصر التكفيرية". وأضاف: "مهمة اللجان الشعبية هي الحفاظ على الأمن والاستقرار بعد انسحاب قوات الأمن والجيش من المحافظة وعودتها إلى المعسكرات".وفي مطلع الشهر الماضي، شُكّلت لجان تسمى "لجان الدفاع الشعبية" مهمتها إزالة النقاط الأمنية العشوائية التي ظهرت أخيراً وقد تؤدي إلى الانفلات الأمني ونشر الذعر في أوساط المجتمع. وأوضح العميد ناصر النوبه، مؤسس الحراك الجنوبي، لرصيف22 "أن اللجان الشعبية الجنوبية هدفها حماية المنشآت والحفاظ على أمنها دون التدخل في سياسة هذه المنشآت أو إدارتها أو القيام بتغيير طاقمها، كما تفعل اللجان الثورية الحوثية في الشمال"، وأضاف: "لذا ليس ثمة صلة بين اللجان الشعبية في الجنوب واللجان الثورية الحوثية التي تقوم بالاستيلاء والنهب والسلب لغرض تغيير التوجه السياسي لهذه المنشآت".
وأكد النوبه أن "شغل اللجان الشعبية الشاغل في الوقت الحاضر هو حماية المؤسسات الحكومية من بعض القوى غير الشرعية كجماعة الحوثي"، لافتاً إلى أنها "تقف إلى جانب قوات الأمن والجيش اليمني لتساندهما في أداء واجبهما وهو الحفاظ على أمن وسلامة المحافظات الجنوبية".
وعن الاشتبكات بين اللجان الشعبية وبعض قوات الجيش وسيطرة اللجان على بعض المواقع والمعسكرات، يقول النوبه أن السبب هو "وقوع هذه المعسكرات والمواقع في دائرة الاشتباه بانتمائها إلى جماعة الحوثيين الساعية إلى الإخلال بأمن وسلامة المحافظات الجنوبية وهو ما لن نسمح به على الإطلاق".
شماليون في الجنوب
ويخشى الكثير من اليمنيين وتحديداً الشماليين المقيمين في جنوب اليمن من نشاط هذه اللجان التي ينتمي بعض عناصرها إلى الحراك الجنوبي المطالب بالانفصال. وقد أكّد بعضهم لرصيف22 أن عناصر اللجان الشعبية تضيّق عليهم، وبالأخص على العاملين في التجارة، وأجبرتهم مرات كثيرة على إغلاق متاجرهم ووصل الأمر إلى ابتزازهم وفرض خوات عليهم مستغلين حالة التفلت الأمني.
أخيراً، راحت اللجان تعزز حضورها ودورها. وقال أنيس منصور، الباحث في شؤون الحراك الجنوبي، لرصيف22: "إن تأسيس اللجان الشعبية الجنوبية في جنوب اليمن، كان قبل ظهور الحوثي على الساحة السياسية. أنشئت لمساندة قوات الجيش اليمني في التصدي لتنظيم القاعدة.وفي المدة الأخيرة، استدعت التطورات توسعها في جميع المحافظات والمدن الجنوبية نظراً للانفلات الأمني الذي تعيشه البلاد والتدهور الاقتصادي المتزايد بسبب الجماعات التي تحاول فرض سيطرتها، وبالأخص أنصار الشريعة، أحد فروع تنظيم القاعدة في جزيرة العرب. وهكذا سيطرت اللجان الشعبية الجنوبية على المنشآت الحكومية لإحلال الأمن المفقود وللتصدي لجماعات قد تهدد سلامة وأمن جنوب اليمن كجماعة الحوثي أو تنظيم القاعدة".
ترحيب جنوبي
الكثير من الجنوبيين وتحديداً الباحثين عن دولتهم المستقلة والتائقين للعودة إلى ما قبل 22 مايو 1990، حين تمت الوحدة بين شمال اليمن وجنوبه، يرحبون بهذه اللجان ويعتبرونها الطريق الوحيد لنيل استقلالهم، خصوصاً بعد انتشار هذه اللجان على طول الحدود مع شمال اليمن، واستعراض قبائل عدّة قوتها" ولا سيما "قبيلة العوالق" في محافظة شبوه، بنشرها أكثر من ثلاثة آلاف مقاتل لتأمين الحدود مع محافظة البيضاء، وسط اليمن، التي سقطت بيد الحوثيين. وأكدت قبيلة العوالق أن لجانها الشعبية مستعدة للتصدي لأيّة ميليشيات مسلحة قد تحاول الدخول إلى محافظة شبوة.
وقال ردفان الدبيس، الناطق الإعلامي باسم ساحة الاعتصام الجنوبي المفتوح بخور مكسر في عدن للمطالبة باستقلال الجنوب، لرصيف22: "الشارع الجنوبي متفائل باللجان الشعبية ومرحب بجهودها الهادفة إلى حفظ أمن واستقرار المحافظات الجنوبية"، وأضاف: "رغم أن مهمتها كانت القضاء على تنظيم القاعدة ولا سيما في محافظة أبين جنوب اليمن وقد استطاعت استئصال التنظيم من محافظة أبين ومعظم المحافظات الجنوبية، فقد حملت الآن على عاتقها حماية محافظات الجنوب من الانزلاق إلى مربع الانفلات الأمني كما حدث في محافظات الشمال حيث أصبحت جميع مفاصل ما كان يسمى بالدولة في أيدي جماعة الحوثي".
واعتبر الدبيس "أن الاشتباكات التي حدثت بين اللجان الشعبية الجنوبية وما يسمى بالوحدات العسكرية ليست إلا نتيجة عدم التنسيق مع هذه اللجان"، لافتاً إلى أن هذه المعسكرات تتبع لمراكز قوى في العاصمة صنعاء وتخضع لنفوذ الرئيس السابق علي عبد الله صالح وحليفه جماعة الحوثي.ورأى مساعد مدير أمن شبوه العقيد ناصر علي في حديث لرصيف22: "أن الكثير من الجنود تركوا نقاط التفتيش للجان الشعبية وعادوا إلى معسكراتهم، فيما غادر بعضهم معسكره إلى منزله بحجة تردي الأوضاع وسيطرة اللجان الشعبية على كل ما كان يخص الجيش والأمن".
وأشار علي إلى أن معنويات الجنود والضباط تدنّت بسبب الحال الذي وصل إليه الجيش اليمني، وقال: "عدنا إلى المعسكرات وحاولت اللجان الشعبية السيطرة على معسكراتنا، لكننا رفضنا ذلك، وأبدينا استعدادنا للقتال دفاعاً عنها، غير أن المسيطر على الوضع بشكل عام هو اللجان الشعبية".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...