يختلف عالم المخدرات في قطاع غزة عن أي منطقة أخرى في العالم، من ناحية طريقة تهريب وإدخال المخدرات بأنواعها المختلفة، بدءاً من نبات القنب (الحشيش)، وانتهاء بالأمفيتامينات (العقاقير المخدرة)، أو من ناحية الإحصائيات التي تشير إلى تزايد أعداد المدمنين ومتعاطي المخدرات في القطاع بشكل غير مسبوق.
حالة من الارتباك تسود الأوساط الفلسطينية، منذ أن كشفت منظمة الصحة العالمية عن وجود أكثر من 100 ألف مدمن في القطاع، في حين يبلغ إجمالي عدد السكان، حسب آخر إحصائية أجريت عام 2016، المليونين. ما يعني أن عدد المدمنين كبير جداً.
ففي ظل الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الصعبة التي يعانيها السكان في غزة بسبب الانقسام الداخلي والحصار والممارسات الإسرائيلية، أصبح إدمان العقاقير المخدرة ظاهرة تتغلغل في جسد القطاع.
وباتت هذه الظاهرة تهدد بحرمان المجتمع من ركيزته الأساسية، أي الشباب، في ظل تقارير الأمم المتحدة، التي صنّفت القطاع منطقة منكوبة. كما أنه من أكثر المناطق التي تشهد ارتفاعاً ملحوظاً في معدلات البطالة.
وبحسب تقرير أصدرته المنظمة في الربع الأول من عام 2016، يعتمد 80% من السكان في القطاع على المساعدات الإنسانية لتلبية احتياجاتهم الأساسية، مثل التعليم والرعاية الصحية والغذاء والإيواء، وحتى البطانيات ومواقد الطبخ.
مسؤولية وتنصل
وعلى الرغم من إغلاق السلطات المصرية وتدميرها نحو 90% من أنفاق التهريب المنتشرة على طول الحدود الجنوبية للقطاع، من خلال ضخ كميات كبيرة من المياه على الشريط الحدودي مع غزة، فما زالت المخدرات تتدفق بكثرة إلى القطاع. هذه الأنفاق كانت المصدر الرئيسي لإدخال المخدرات، خصوصاً عقار الترامادول، الذي يلاقي رواجاً كبيراً بسبب سهولة تعاطيه، وقلة ثمنه مقارنة بأنواع المخدرات الأخرى. يقول الدكتور يوسف عوض الله، أخصائي علاج الإدمان، إن انتشار المخدرات وتوفرها، خصوصاً الترامادول، أدى إلى زيادة كبيرة في أعداد المدمنين. لكن لا توجد دراسة حقيقية توضح الأعداد التقريبية للمدمنين ومتعاطي المخدرات داخل الأراضي الفلسطينية، وتحديداً في القطاع. ويضيف عوض الله: "انسداد الأفق على جميع الأصعدة خلال السنوات الماضية، وتفشي البطالة في صفوف الشباب، والحروب الإسرائيلية التي دمرت البنية التحتية للقطاع، وإغلاق المعابر بشكل شبه دائم، هذه الظروف وغيرها، أدت إلى اتجاه كثير من الشباب إلى المخدرات، في محاولة لخلق حياة أخرى وهمية، من دون تحقيق أي إنجازات. فالمخدرات تؤثر على القدرات العقلية والبدنية للإنسان، وتحد بشكل ملحوظ من قدرته على الإنجاز، إلى جانب زيادة نسبة الجرائم وارتفاع معدلات الانتحار أيضاً". شهدت الأراضي الفلسطينية أخيراً ارتفاعاً ملحوظاً في عدد حالات ومحاولات الانتحار، مقارنة بالأعوام السابقة، خصوصاً في غزة. وأفاد تقرير نشره المركز الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أن معدلات الانتحار في القطاع ارتفعت من 30% إلى 40% خلال عام 2016، مقارنة بالفترة نفسها من الأعوام 2013-2014-2015. وأشار متخصصون في مجال الطب النفسي إلى أن تركيبة المجتمع الغزي أصيبت أخيراً بتعقيدات نفسية، بناءً على تقارير المؤسسات الحقوقية، التي أكدت أن الحصار والانقسام وارتفاع معدلات البطالة والفقر، وانعدام أدنى مقومات الحياة، هي أكثر الأسباب المساهمة في تزايد الجريمة والظواهر السلبية المنتشرة من جرائم قتل وانتحار. تقول الأمم المتحدة إن وضع المخدرات بأنواعها المختلفة تفاقم بشكل مزعج في العالم، والمروجين تحالفوا مع الجماعات المسلحة في مناطق الصراع. في الوقت الذي ترفض فيه حركة "حماس"، التي تسيطر على القطاع، تحمل المسؤولية عن تفشي هذه الظاهرة، على الرغم من أن أنفاق التهريب المنتشرة على الحدود الجنوبية للقطاع تقع بأكملها تحت سيطرة الحركة. 10 أعوام مرّت على تقرير الإدارة العامة لمكافحة المخدرات في قطاع غزة، وجاء فيه: "ليس بالضرورة تحديد الجهة المسؤولة بشكل مباشر عن انتشار المخدرات في القطاع، باسمها وبيان قصورها، الجميع مسؤولون والكل يتفاوت في مسؤولياته، والكل في قرارة نفسه يعرف أين أصاب وأين قصر، لكن الشيء المؤكد هو عدم إمكانية إعفاء أي جهة من المسؤولية"، دون أن يحاول فعلياً أي طرف إيجاد حلول للإدمان المنتشر في غزة. ودائماً تقوم حركة "حماس" وغيرها من الفصائل، بتحميل إسرائيل المسؤولية عن تفاقم هذه الظاهرة. فقد قالت الحركة في بيان سابق إن هناك شبكة من العملاء الذين يحاولون إغراق القطاع بكميات وأنواع مختلفة من المخدرات، بعدة طرق، أبرزها المعابر التجارية التي تربط القطاع بإسرائيل. ويعتبرون ذلك "ضمن خطة صهيونية تهدف إلى ضرب المجتمع الفلسطيني في قيمه واقتصاده من خلال نشر الرذيلة والانحطاط والفساد في المجتمع، ما يجعله سهلاً أمام مخططات الاحتلال التي تهدف لتدمير النسيج الفلسطيني من الداخل".المعالجة القانونية
في إطار المعالجة القانونية لأزمة المخدرات، أقر أعضاء حركة "حماس" في المجلس التشريعي الفلسطيني في يناير 2013، قانوناً جديداً تحت مسمى "قانون المخدرات والمؤثرات العقلية". ورأى النواب الذين أعدوا نصوص القانون، برغم غياب النصاب القانوني اللازم لانعقاد المجلس التشريعي بسبب الانقسام الداخلي، أن هذا القانون يشكل رادعاً يكفي للقضاء على آفة المخدرات في القطاع. بينما رأى كثيرون أن هذا القانون مجحف، خصوصاً أنه حوّل تعاطي المخدرات وخصوصاً الترامادول، من جنحة إلى جناية. أي أن عقوبة التعاطي في هذا القانون تراوح بين السجن ثلاث سنوات وأحكام المؤبد والإعدام. لكن ذلك القانون ترك باباً وحيداً لخلاص المدمن من العقوبة، فنص على أن الدعوى الجزائية لا تقام على من ثبت إدمانه أو تعاطيه المواد المخدرة، إذا طلب أحد أصوله أو فروعه من الأقارب، علاجه في أحد مصحات أو دور العلاج. علماً أنه لا يوجد في غزة أي مصحات لعلاج وتأهيل المدمنين والمتعاطين. وحتى الأجسام الحكومية التي كان يجب أن تُشَكّل بموجب هذا القانون، لم تفعل حتى الآن، أي أنه لم يطبق من هذا القانون سوى العقوبة التي تعامل متعاطي المخدرات كمجرم يوضع في السجن، وليس كمريض يجب أن يعالج ويتم تأهيله لإعادة دمجه في المجتمع مجدداً.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...