قد يكون مركز النجمة الزهراء أو قصر البارون ديرلونجي في ضاحية سيدي بوسعيد التونسية هو أشهر المعالم الثقافية والتاريخية بهذه القرية السياحية والبلاد عموماً.
[caption id="attachment_91564" align="alignnone" width="700"]الموسيقى العربية"، ويعتبر مرجعاً أساسياً في دراسة هذه الموسيقى في التاريخ الحديث، سواء عبر اطلاعه على كتابات لأعلام قدامى، أو عبر ضبط القواعد الموسيقية وأوزانها وآلاتها، إضافة إلى بنائه قصراً كبيراً في تونس مخصصاً للعروض الفنية السنوية يأتيه الموسيقيون من كل مكان في العالم إما لإحياء حفلات أو للاكتشاف باعتباره معلماً سياحياً وثقافياً مهماً.
ولد البارون رودولف ديرلونجي سنة 1872 في فرنسا من أسرة ألمانية تشتغل في تجارة العملة بعدما أسس جده بنكاً خاصاً للعائلة يسمى بنك ديرلونجي. لم يتبع رودولف خطى عائلته في دخول عالم المال بل انصب اهتمامه على الفنون، وكان رساماً وموسيقياً كبيراً، غادر فرنسا في شبابه نحو وجهات مختلفة لكن حبه للعرب وللموسيقى العربية جعله يختار منذ سنة 1910 تونس للإقامة فيها وتأسيس مركز ثقافي يسمى إلى اليوم قصر البارون ديرلونجي وتقام فيه الحفلات والمناسبات الموسيقية.
[caption id="attachment_91559" align="alignnone" width="700"] من رسومات البارون[/caption]
ورغم أن تونس بالنسبة إليه هي بلد الإقامة، فقد زار أكثر من دولة عربية، منها مصر التي أسس فيها بطلب من الملك فاروق أول مؤتمر للموسيقى العربية بالقاهرة سنة 1932 (لم يحضر في آخر لحظة بسبب وضعه الصحي الذي أدى إلى وفاته بعد ذلك بفترة قصيرة).
يعتبر الناقد الفني علي اللواتي في كتابه "البارون ديرلونجي وقصره النجمة الزهراء" أنه رغم التكوين الموسيقي لديرولونجي والذي عرف من خلاله في تونس والمنطقة العربية، لكن "الفترة الفنية التشكيلية هي الأكثر أهمية من حيث نضج وسائل الإنجاز وبلورة رؤية خاصة به، إذ تطورت المدونة اللونية لهذا الرسام من خلال تأثره بالضوء التونسي المتميز بالألوان الدافئة والمتدرجة".
وتميّز البارون أيضاً بقدرته على رسم البورتريه عبر تصوير العديد من الشخصيات التي عاصرها في منطقة سيدي بوسعيد.
بنى ديرلونجي القصر، الذي يسمى اليوم قصر النجمة الزهراء بعدما باعته الوارثة (زوجة ابنه) إلى الدولة التونسية سنة 1989، بطابع مغاربي وأندلسي على هضبة مرتفعة في منطقة سيدي بوسعيد، هذه القرية الساحلية الجميلة التي يختارها كل محبي الفنون لإنجاز أعمالهم، وهي القبلة الأشهر للسياح إلى اليوم.
وامتد البناء الذي أشرف عليه بنفسه قرابة العشر سنوات بين سنتي 1912 و1922 واستدعى له أمهر الحرفيين من تونس والمغرب ومصر. والقصر عبارة عن ساحة كبيرة في الخارج محاطة بحدائق تطل على البحر وتقام فيها الحفلات الصيفية حيث يُستدعى إليها أشهر الفنانين في تونس وفرنسا، وفي داخلها مجموعة من الغرف والقاعات، كل واحدة مخصصة لمهمة، قاعة تتضمن محتويات موسيقية قديمة وترية وإيقاعية وغيرها، وقاعة مخصصة للعروض الصغيرة للطلبة وللحفلات الخاصة. ونظراً إلى قيمة القصر التاريخية فقد تم تسجيله سنة 1989 رسمياً ضمن المعالم التراثية الوطنية.
كما جُمعت له عدة مقتنيات شرقية متنوعة الأصول تتكون من آثار وتحف ثمينة ما زالت محفوظة إلى اليوم وشاهدة على جهود الرجل في جعل المركز متحفاً ثقافياً فريداً في تونس وفي البلاد العربية.
تقول السيدة فاطمة الجباري محافظة قصر البارون ديرولونجي، لرصيف22، إن الشكل المعماري للقصر يحافظ على هويته، وهو التزام من المشرفين المتعاقبين عليه كي يبقى لكل الأجيال. وحتى عمليات الترميم والتحسينات بين فترة وأخرى تخضع لشروط خاصة ويشرف عليها خبراء لديهم الكفاءة التي تحافظ على شكله الأول.
وتضيف الجباري أن أي تطوير يتم يجب أن لا يمس من صورة القصر على اعتبار أنه مصنف ضمن الكنوز الأثرية للبلاد. وحتى عند اقتنائه من طرف الدولة التونسية بقي على الهندسة نفسها التي بناها به البارون في مطلع القرن العشرين.
انصبت جهود البارون ديرلونجي منذ قدومه إلى تونس على دراسة الموسيقى العربية، إذ حاول حمايتها من الاندثار عبر تبويبها في مجلد كبير من ستة أجزاء خصصها لترجمة كل الكتابات القديمة التي اهتمت بالفنون مثل كتاب الموسيقى الكبير للفارابي والشفاء لابن سينا إلى جانب كتابات أخرى اعتنت بعلم الأصوات.
كذلك اهتم بالتواشيح الشرقية وبالمالوف التونسي وركّز على السلالم الموسيقية والأوزان والإيقاعات العربية في اللحن الموسيقي.
تقول فاطمة الجباري إن ديرلونجي مثقف كبير له مكانة خاصة عند التونسيين، وعندما غيّبه الموت قبل طبع جميع أجزاء كتابه، إذ توفي بعد طباعة الجزء الأول فقط، قام مساعده ومرافقه المنوبي السنوسي بطباعة بقية الأجزاء بالاشتراك مع الشيخ أحمد الوافي.
لم يكن رودولف ديرولونجي مجرد شاب من عائلة برجوازية استقرت في تونس أيام الاستعمار الفرنسي فقط، بل كان مثقفاً وفناناً محباً للموسيقى التونسية والعربية وسخّر حياته لدراستها والعمل على التعريف بها بلغة غير لغتها، وكسب لنفسه قيمة كبرى لدى كل من عاصره من الفنانين، وعند وفاته تم دفنه وتأبينه في تونس من قِبل عائلة الموسيقى التونسية بقصيدة منحوتة في لوحة رخامية اعترافاً بالجميل الذي قدمه للثقافة والمثقفين، وبقي قبره في القصر إلى أن قررت وارثته سنة 1989 نقله إلى سويسرا حيث تقيم.
مركز النجمة الزهراء[/caption]
شهرته لا تكمن في حسن معماره وكثرة أنشطته فقط، بل تكمن أيضاً في أن بانيه موسيقي ورسام فرنسي محب للموسيقى العربية، هو البارون ديرلونجي Baron d'Erlanger البرجوازي الفرنسي ذو الأصول الألمانية، الذي قضى جزءاً من حياته في تونس حيث توفي سنة 1932.
حتى الربع الأول من القرن الماضي، لم يوجد كتاب واحد يتحدث عن الموسيقى العربية. كانت كل المؤلفات تتحدث عن موسيقى شرقية أو موسيقى مشرقية بما تضمه من فنون الفرس والأتراك والعرب لتشابه النغمات وقوانينها عندهم.
وعدم تحديد مفهوم ثابت لموسيقى عربية يعود ربما إلى قصور أهلها في تدوينها أو إلى حساسية الاقتراب منها بسبب النفوذ القوي للمؤسسات الدينية في المجتمع الإسلامي، وميلها دائماً إلى تحريم الموسيقى والفنون أو لأن أغلب مَن كتبوا في الفنون ليسوا من أصول عربية كالفارابي وابن سينا.
أول ظهور رسمي لكلمة الموسيقى العربية كان عن طريق فنان فرنسي أحب العرب وفنونهم واهتم بها وكتب عنها مجلداً باللغة الفرنسية بستة أجزاء سماه "رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...