على موقع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، المؤسسة الرسمية للفتوى في السعودية، يسأل مدرس لمادة الجغرافيا عن موضوع دوران الأرض حول نفسها وحول الشمس.
كان رد اللجنة "يجب على مدرس الجغرافيا إذا عرض على الطلاب نظرية الجغرافيين حول ثبوت الشمس ودوران الأرض حولها أن يبين أن هذه النظرية تتعارض مـع الآيـات القرآنية والأحاديث النبوية، والواجب الأخذ بما دل عليه القرآن والسنة، ورفض ما خـالف ذلك".
وأضافت الفتوى: "ولا بأس بعرض نظرية الجغرافيين من أجل معرفتها والرد عليها كسائر المذاهب المخالفة، لا من أجل تصديقها والأخذ بها".
تخطط السعودية لنمو في قطاع ريادة الأعمال ليشكل نحو ثلث الناتج المحلي السعودي بحلول 2030 مرتفعاً من 20%، حالياً، إلى 35% خلال العقدين المقبلين. وتراهن الرؤية السعودية 2030 على أن دعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة سيسهم في خفض نسبة البطالة من نحو 11,6%، حالياً، إلى 7%، بنهاية الجدول الزمني للرؤية.
وتلتزم الرؤية، أيضاً، بتوفير مصادر التمويل، وتطوير الأنظمة، وتسريع عمليات الخصخصة، كما ترى أن التعليم، وخاصة في مراحله المبكرة، حجر أساس في إعداد رواد الأعمال، وتحفيزهم. لكن جميع ما سبق يمثل الغلاف الجذاب، ولا يكشف مدى جودة المحتوى.
فعادة ما تكون المشاريع الريادية الأصيلة نتاج أفكار صادرة عن أشخاص عاشوا في بيئات ثقافية تتقبل الاختلاف وتتعايش معه وتدعم حرية التفكير. يتضح ذلك جلياً في التصنيفات الدولية لريادة الأعمال؛ فالولايات المتحدة، على سبيل المثال، تحتل المركز الأول على مؤشر معهد ريادة الأعمال والتنمية العالمي، في حين تحتل الصين المركز 48، وتتصدر الإمارات العربية المتحدة الدول العربية، وفق المؤشر نفسه، بالمركز 19.
كما أن دولاً مثل ألمانيا وبريطانيا وكندا، عادة ما تكون ضمن العشرة الأوائل في جميع تصنيفات ومؤشرات نجاح ريادة الأعمال، حيث يكون لبيئتها الثقافية المنفتحة دور حاسم في تقدمها، إلى جانب معايير أخرى مثل؛ التمويل، وجودة الحياة، والتعليم، والإنفاق على البحث العلمي.
وأنفقت السعودية خلال السنوات العشر الماضية أكثر من 480 مليار دولار أمريكي على التعليمين؛ العام، والعالي، في البلاد، ومع ذلك لم تتمكن جامعة واحدة من دخول قائمة أفضل 100 جامعة في أي تصنيف، كما لم تفز أي جامعة سعودية بأي جائزة علمية مرموقة في أي تخصص.
ومن أهداف رؤية 2030 أن تصبح خمس جامعات سعودية على الأقل ضمن أفضل 200 جامعة في العالم. لكن لا يمكن للجامعات أن تتطور دون بحث علمي، ولا يمكن للبحث العلمي أن يتقدم إذا كانت النتائج محسومة مسبقاً؛ ومن غير المعقول أن يساعد تحريم العلوم في تحسين التعليم وتطوير الأفكار.
تسمى الفلسفة أم العلوم، فمن شأنها تشجيع التفكير، وتطوير مهارات التحليل النقدي. وفي السعودية أكثر من 30 جامعة لا يدرِّس أيٌّ منها هذا التخصص لأي درجة علمية، إذ تحرم مجموعة فتاوى رسمية، منها فتاوى منشورة على موقع هيئة الإفتاء، تدريس الفلسفة، والموسيقى، ورسم الكائنات الحية أو تصويرها، إلى جانب تحريم دراسة القوانين الوضعية.
يقول ستيف جوبز، مؤسس شركة أبل، والمبدع الذي غير العالم اقتصادياً وتكنولوجياً وثقافياً: "أنا مستعد لأقايض كل ممتلكاتي التكنولوجية بجلسة ظهيرة مع سقراط". ويقول جوبز أيضاً إن دروساً في تعليم الخط شارك فيها بالجامعة، أنتجت نظام ماك للخطوط الجميلة بعد عشر سنوات.
صناعة رواد أعمال بحاجة لمناخ عام يشجع على التفكير، ويؤمن بالتعايش والتنوع، وستكون مضيعة للوقت أن ننتظر إبداعا في ظل السيطرة على الأفكار، أو رفضها، فالأفكار لا تتطور إلا بالتنوع الثقافي، ولن يتحقق التنوع دون دعم التعايش، الأمر الذي يحتاج إلى قوانين تحمي الجميع وتكفل حرية الفكر والتعبير.
تصور هذا السناريو: يذهب الطالب للمدرسة.. يشارك في صف الجغرافيا.. يقول له المدرس إن الأرض علمياً تدور حول نفسها، وحول الشمس، لكنّ تصديق ذلك يتعارض مع الإسلام. هذا من شأنه أن يقدم لنا عقلاً متناقضاً، بعيداً كل البعد عن عقول قادرة على التفكير الإبداعي الذي يخلق رواد الأعمال.
نقل النظريات والحقائق العلمية إلى كتب الفقة والتوحيد لمحاكمتها شرعياً والحكم عليها بالبطلان، والتعامل مع العلوم على أنها مذاهب دينية، يشكك الطالب في العلم، لكنه قد يشككه في دينه أو مذهبه أيضاً، وقد يجعل منه شخصاً مشوشاً ضبابي الأفكار. في حين أن الاقتصاد المبني على المعرفة يتطلب الثقة بالعلم، لا رفضه، كما يتطلب التسامح مع المختلف، وقبول جميع الثقافات.
الدولة هي التي تعين جميع رجال الإفتاء في السعودية، وجميع رؤساء الجامعات، وهذا يعني أننا بحاجة إلى قرار حكومي يضمن لنا وجود أشخاص مؤمنين بقيم التنوع الفكري، والتسامح، والتعايش، في هذه المؤسسات.
في كتاب نشر قبل نحو 20 عاماً لجورج طرابيشي قال: "لن يوجد فولتير عربي قبل لوثر مسلم"، لكن في زمن العولمة والطفرة المعلوماتية وسهولة الوصول للمعلومة وتداولها، قد يكون لوثر المسلم عملاً جماعياً يضم مسلمين من جميع قارات العالم، وربما أفكاراً لمجموعة باحثين في جامعة مثل أوكسفورد وسوربون وهارفرد.
الفلسفة والموسيقى بالتأكيد لن تحلا أزمات كالبطالة والإسكان، لكنَّ تشجيع التفكير وقيم التسامح والتعايش يهيئ البيئة المناسبة للإبداع، ويحفز إنتاج الأفكار التي من شأنها تقديم حلول ومشاريع تغير العالم بأسره للأفضل.
وأخيرا جميع الشواهد والتجارب والمؤشرات العالمية تقول: "لن يوجد ستيف جوبز في المملكة، دون أفكار لفولتير سعودي".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...