شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
لماذا لم يعد العالم العربي يكترث بالفلسطينيين؟

لماذا لم يعد العالم العربي يكترث بالفلسطينيين؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الجمعة 30 يونيو 201701:32 ص

في حين انصبت تحليلات ودراسات إسرائيلية كثيرة حول انشغال الدول العربية بأزماتها الداخلية، وتركيز الأنظمة على محاربة "الإرهاب" الذي يهدد وجودها، كأسباب لتراجع الاهتمام بقضية فلسطين، يقدم المستشرق والأكاديمي الإسرائيلي "مردخاي كيدار" المحاضر بالقسم العربي بجامعة "بار إيلان" الإسرائيلية، طرحاً غريباً.

التحليلات والدراسات كثيرة حول تراجع مكانة فلسطين لدى الأنظمة العربية بل لدى الشعوب العربية، ومنها دراسة نشرها معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي في أغسطس 2015، خلصت إلى أن هذا التوجه لا يقتصر فقط على مصر، وذكرت أن استطلاعاً أجري مطلع العام نفسه بين شباب في مختلف الدول العربية، أظهر أن الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين يحتل المركز الرابع من حيث الأهمية، في فجوة أرقام واسعة بالمقارنة مع تهديدات الإرهاب والبطالة.

ولكن كيدار يزعم أن هناك أسباباً سيكولوجية تدفع العرب إلى "الامتعاض" من الفلسطينيين، وتحميلهم مسؤولية احتلال إسرائيل لأراضيهم، بل تساهم هذه الأسباب في معاملة العرب للفلسطينيين بقسوة شديدة واعتبارهم "مبتزين" على حد قوله في مقال منشور على موقع "ميدا" العبري بتاريخ 2 فبراير 2017 تحت عنوان "لماذا لم يعد العالم العربي يكترث بالفلسطينيين؟".

ويتضمن المقال المذكور مغالطات مقصودة واصطياداً في الماء العكر، ويلعب على بث التفرقة بين العرب. وهنا نص المقال:

خارجياً يُبدون تضامناً مصطنعاً، لكن عملياً تتأجج الدول العربية بالسخط تجاه الفلسطينيين، وتحملهم مسؤولية مشاكلهم وتعتبرهم "مبتزي مساعدات".

إليكم سلسلة من التساؤلات:

لماذا لم يتحمس العالم العربي لتحرير فلسطين من أيدي اليهود وإعادتها للفلسطينيين؟

كيف حدث أن تكيف العالم العربي الذي لم تعترف معظم دوله بإسرائيل مع توقيع دولتين مهمتين هما مصر والأردن اتفاقات سلام مع إسرائيل، دون أن يقاطعوهما (باستثناء فترة قصيرة كانت فيها مصر خارج جامعة الدول العربية)؟

لماذا خلال الـ44 عاماً الماضية منذ 1973 لم يشن العالم العربي حرباً شاملة على إسرائيل؟

لماذا طرد العراقيون "الفلسطينيين" من بلادهم بعد سقوط صدام حسين عام 2003؟

لماذا يتعامل النظام المصري بقسوة مع الفلسطينيين في غزة، وهل هذا صراع سياسي ضد حماس فحسب، أم يدور الحديث عن شيء أعمق؟

لماذا كل الأطراف المتحاربة في سوريا - الأسد، حزب الله، المتمردين، داعش - تعاملوا بقسوة مع الفلسطينيين الذين يعيشون في مخيمات اللاجئين بسوريا؟

لماذا ما زال العرب يحتفظون بالفلسطينيين في مخيمات لجوء؟ لماذا لا تمنح الدول العربية باستثناء الأردن الجنسية للاجئين الفلسطينيين الموجودين على أراضيها منذ 86 عاماً؟.

هذه هي فقط بعض من الأسئلة التي يمكن طرحها حول الموقف السلبي للدول والشعوب العربية تجاه الفلسطينيين، رغم الشعارات الرنانة التي يرددونها صباحاً ومساءً عن "الوحدة العربية" و"التضامن العربي". والإجابة الكبيرة أن نظرة العالم العربي للفلسطينيين هي نتيجة لبعض المشاعر العميقة تجاههم، وغالباً ليس هناك من هو مستعد للحديث عنها أو كشفها.

بداية، يعتقد الكثيرون في العالم العربي أن الفلسطينيين مسؤولون عن كل المشاكل التي سببتها لهم إسرائيل، فقد فشلوا في المعارك التي كان من المفترض أن تقضي على الصهاينة قبل مايو 1948، وحدث ذلك لأنهم لم يكونوا متحدين أو منظمين، ولأن بعضهم لم يشارك في المعارك، بل كان هناك من تعاونوا مع الصهاينة.

يستند الشعور الثاني على حقيقة يعرفها الكثيرون، وهي أن الكثير من الفلسطينيين باعوا الأرض لليهود قبل 1948 وبعدها أيضاً، بما في ذلك في الضفة الغربية، بعد أن احتلتها إسرائيل في حرب الأيام الستة.

باع فلسطينيون لليهود أراضي بالمليارات وأخذوا الأموال للخارج - بعضهم أودعها في حسابات مرقمة في سويسرا - والآن ينتحبون للعالم العربي كي يحرر لهم "الأراضي المسلوبة". هذا واضح بشكل خاص في القدس، التي باع فيها السكان العرب لليهود الأراضي والبيوت والشقق، والآن يشتكون من "تهويد القدس".

كذلك أثار عرفات الغضب العربي على الفلسطينيين. تأييده الاجتياح العسكري العراقي للكويت في عهد صدام حسين عام 1990 تسبب بعد ذلك في طرد آلاف العمال من صناعة النفط الكويتي. كلهم عرفوا جيداً سبب طردهم. يعلم الكثير من العرب لماذا كان عرفات يتجول بشكل دائم مرتدياً بدلة عسكرية، لأنه كانت يحتفظ داخل جيوب البدلة بالكثير من الأوراق التي كتب فيها أسماء من أودع لديهم الملايين من أموال الدعم. يوم وفاة عرفات أصبح كل واحد من أولئك الأشخاص مليونيراً، لأن أحداً لا يعرف كم من الأموال حصلوا عليها من عرفات.

السبب الثالث للامتعاض هو حقيقة أن الفلسطينيين ربحوا أموالاً طائلة عندما عملوا في بناء المنازل في البلدات التي شيدها الإسرائيليون منذ 1948 سواء داخل الخط الأخضر أو في "الأراضي المحتلة" منذ 1967. الفلسطينيون هم من شيدوا منازل دولة إسرائيل. الفلسطينيون يعملون في المصانع التي أقامها اليهود في تلك المناطق ويشترون المنتجات التي تصنعها، وبذلك يساهمون في الاقتصاد الإسرائيلي النامي "في الأراضي المحتلة".

سلسلة من الأسئلة الوجيهة يطرحها هذا المستشرق الإسرائيلي، ولكن الأجوبة لن تعجب أحداً...

سبب آخر في الشعور السيئ تجاه الفلسطينيين هو معرفة العالم العربي أن الأمم المتحدة تساعد اللاجئين الفلسطينيين منذ 1948، وتحديداً من خلال منظمة الغوث والتشغيل (أونروا) ببذخ شديد، وبشكل يفوق كثيراً المساعدات التي تقدمها للاجئين من أنحاء مختلفة في العالم العربي، في سوريا، وفي السودان، وفي الأردن، وفي العراق وتركيا.

يشعر الكثير من العرب أن الفلسطينيين يبتزون ضمير العالم وخزينته المستنزفة، فلا يبقى ما يكفي للاجئين الحقيقيين - كاللاجئين السوريين أو العراقيين - الذين هم في أمس الحاجة للمساعدة.

السبب الخامس وراء انعدام التعاطف تجاه الفلسطينيين ناجم عن "الربيع العربي" الذي أسقط نظام بن علي في تونس ومبارك في مصر والقذافي في ليبيا وصالح في اليمن، ويهدد الأسد في سوريا.

توقع الكثيرون في العالم العربي أن يستغل الفلسطينيون زخم تلك الأحداث ويبدأون في ثورة حقيقية للتخلص من "الاحتلال الإسرائيلي". لم يحدث ذلك. شاهد الفلسطينيون عبر التلفاز إخوانهم العرب يتدفقون على الشوارع، ويغرقون الميادين، يتظاهرون في المجال العام ويقلبون الطاولة على رأس النظام، شاهدوا لكنهم لم يحركوا ساكناً. العربي في الشارع يتساءل: لماذا ينتظر الفلسطينيون؟ لتصبح إسرائيل أكثر قوة؟ ليصبح العالم العربي أكثر ضعفاً وتناحراً؟

الأخطر من كل هذا، هناك شعور في العالم العربي أن الفلسطينيين يفضلون "الاحتلال الإسرائيلي" لأنهم يحققون من خلاله الكثير من الفوائد، الاقتصادية وغيرها.

خلاصة القول: صورة الفلسطينيين في الإعلام العربي متدهورة بشكل لا يصدق. ليس هناك حالياً أحد في العالم العربي على استعداد لتعريض نفسه للخطر والقتال من أجلهم، ولن أتعجب أبدا إذاً ما اعترفت دول عربية كالمغرب وتونس والإمارات بإسرائيل في المستقبل غير البعيد حتى دون التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل والفلسطينيين.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image