على خطى مصر والمغرب، تتجه الأردن اليوم نحو إلغاء بند قانوني يعفي الجاني من العقوبة في حال زواجه ضحية الاغتصاب، فالتشريع الذي أقرته الحكومة الأردنية لا يزال يتطلب إقراره من مجلس النواب ليصبح نافذاً.
منتصف نيسان 2016 أقر مجلس الوزراء قانون العقوبات الجديد الذي شمل تعديلاً على المادة 308 منه بحيث ألغي إعفاء الجاني من العقوبة في حالات الاغتصاب وهتك العرض، لكن المادة بقيت سارية على حالات مواقعة قاصر بالرضا.
في حال إقرار القانون من مجلس النواب، ستكون الأردن ثالث بلد عربي يلغي تشريعاً يحمي الجناة من الملاحقة القانونية في جرائم الاغتصاب، بعد مصر التي تعد أول دولة عربية تلغي هذا البند في العام 1999. وعلى الرغم من إلغاء مصر للقانون، فإن تزويج المغتصبات من الجناة لا يزال يطبق كعرف اجتماعي على نطاق واسع.
أما المغرب، فقد ألغى بنداً مشابهاً في العام 2014 إثر حادثة انتحار أمينة الفيلالي على خلفية تزويجها لمغتصبها. وقد أطلقت هذه الحادثة تحركات واسعة وتظاهرات عدة قادتها جمعيات طالبت بحماية ضحايا الاغتصاب.
علماً أن التعديل التشريعي في الأردن جاء نتيجة لمطالبات منظمات نسوية وحقوقية. لكن تلك المؤسسات عبرت عن عدم رضاها بالتعديل واصفة إياه "بغير الكافي"، ومطالبة بضرورة إلغاء المادة بشكل كامل حتى في حالات المواقعة بالرضا للقاصرات، باعتبار أن "المادة المعدلة تشكل انتهاكاً لحق الطفولة بشرعنة تعريض القاصرات للاستغلال والابتزاز، فضلاً عن أن المادة تخالف التوجه الأردني بالحد من زواج القاصرات".في مقابل "الترحيب المحدود" لمؤسسات المجتمع المدني بالتعديلات، فإن اتجاهاً معاكساً قوياً يسعى إلى الغاء التعديلات الحكومية وإبقاء البند السابق؛ هذا الاتجاه الذي يمثله عدد لا بأس به في مجلس النواب يرى أن "إلغاء بند اعفاء المغتصب من العقوبة سيكون له ضرر أكبر على الضحية وليس على الجاني".
يعد عضو مجلس النواب محمود الخرابشة أحد أكثر النواب الرافضين للتعديل القانوني، وقد أعلن صراحة أنه سيقف ضد هذا التعديل خلال مناقشات وتصويت مجلس النواب على القانون. ويقول النائب الخرابشة وهو محامٍ وعضو في المجلس منذ العام 1997 إن "القانون وليد البيئة والظروف الاجتماعية. وبالتالي لا يجوز أن يتعارض القانون مع مضامين المجتمع ورغبات أبنائه".
ويضيف "الاغتصاب جريمة بشعة وغير مبررة لكننا مجتمع محافظ وتبقى هناك نظرة مجتمعية. هذا الزواج يحمي الضحية ويراعي ظروف أسرتها في اتقاء العار". ويتابع "شهدت على العديد من الحالات التي انتهت بالزواج وكان زواجاً مستقراً، وزال بالزواج حالة الضرر والأذى على الضحية وأسرتها". ويقول "نحن مجتمع لا يحب الفضائح، فلماذا نرفض السترة خصوصاً إذا كان هناك حمل نتيجة لهذا الاغتصاب". وأخيراً يحذر الخرابشة من أن "إلغاء هذا المخرج بتزويج الضحية من الجاني قد يؤدي الى زيادة جرائم الشرف، بالتالي ضرر ابقاء المادة يبقى اقل من ضرر الغائها".
ترفض المستشارة القانونية لاتحاد المرأة الأردنية المحامية هالة عاهد تبريرات الخرابشة لإبقاء المادة انطلاقاً من طبيعة المجتمع، وتقول "على القانون أن يرتقي بقيم المجتمع لا أن يعزز القيم السلبية ويدعمها". وتضيف "ليس دور قانون العقوبات إيجاد حلول اجتماعية"، وتتساءل "عند الحديث عن السترة، أي سترة تلك عندما تتزوج الضحية من مغتصب سيستمر في تعنيفها وإهانتها؟".
توثق منظمات المجتمع مدني، ومن ضمنها مجموعة القانون لحقوق الإنسان "ميزان"، حالات كثيرة لضحايا تم تزويجهن من الجناة والنتيجة الوحيدة إفلات الجاني من العقاب وآلام مضاعفة للضحية.
بحسب المديرة التنفيذية لميزان المحامية إيفا أبو حلاوة، فإن "تزويج الضحية من الجاني ليس سوى اغتصاب مستمر. يفتقر هذا الزواج لأدنى أسس الاستدامة وهي المحبة والاحترام".
ميار، اسم مستعار لفتاة حصلت على دعم من مجموعة "ميزان"، تروي معاناتها في زواجها من المعتدي، قائلة "تزوجت وفق اتفاق بين عائلتي وعائلة الجاني. اعتقدت أن الزواج السبيل للخلاص من الوصمة المحيطة بي وبعائلتي". وتضيف "بعد شهرين من الزواج، بدأ يضربني. لم تكن الإساءة من قبله فقط بل من عائلته كذلك. كان يتم نعتي بأسوأ الألفاظ من قبل والدته وإخوته، لم يعاملوني بالحسنى". وتتابع "حاول توريطي بأعمال غير أخلاقية، بعد أن اعتدى علي، أراد جعلي أداة متعة يجني منها مالاً إضافياً. أخيراً حصلت على الطلاق، وأندم كثيراً على زواجي منه".
أما في ما يخص مبررات الزواج باعتباره حماية للطفل الناجم عن الاغتصاب وحقه بالنسب، تلفت أبو حلاوة إلى أن "القانون لا يجبر الجاني على الاعتراف بنسب الطفل. في كثير من الحالات، يبقى الطفل في دور الرعاية بدون نسب. وحتى في الحالات التي يتم بها إثبات النسب، كثيراً ما يتنصل المعتدي من مسؤولياته تجاه طفله كالنفقة والرعاية".
ترى عاهد أن المطلوب حالياً معاقبة المغتصب وإجباره على تسجيل الطفل ثمرة الاغتصاب باسمه. تقول "غالبية الدول العربية لديها بنود قانونية تضمن إفلات الجاني من العقوبة في جرائم الاغتصاب. حل مشكلة الاغتصاب بالزواج ليس حلاً منطقياً، فما الرادع في هذه الحالات من أن لا يكرر الجاني فعلته مع فتيات أخريات".
وتلفت أيضاً إلى أن "هذه المادة تم استغلالها كذلك لتصبح الضحية صفقة بين الأهل والجاني وفقاً لاعتبارات أو مكاسب مادية". وتشير في هذا السياق إلى حالات تكون الضحية تعرضت لاعتداء من قبل أكثر من شخص ليتم تزويجها في كل فترة من أحد الجناة فتطلق لاحقاً وتتزوج بآخر.
وفي رأي عاهد "حتى لو اختلف النطاق الجغرافي، لكن النساء في غالبية الدول العربية يعانين من هذا البند القانوني المجحف تحت مبرر خصوصية المجتمع الشرقي وطبيعته المحافظة، هناك حراك لتغيير الواقع لكنه يواجه بتيار معاكس".
إلى جانب الأردن، هناك حراك لمنظمات نسوية في كل من فلسطين وتونس ولبنان والعراق لإلغاء هذا البند القانوني. ولكن يبدو أن الطريق لا يزال طويلاً. بحسب ناشطات نسويات، ليست المشكلة في إعفاء الجاني من العقوبة بحال الزواج، لا بل تمتد كذلك إلى التشريعات الأخرى التي تتساهل مع مرتكبي جرائم الاغتصاب وهتك العرض على نحو غير مقبول.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...