"ارحل"، كان يهتف المصريون خلال ثورة 25 يناير، ورقصت مجموعة منهم بحماسة شديدة على إيقاع أنغام أغنية "حلوة يا بلدي" لداليدا.
داليدا التي حضرت في 25 يناير لم تغب عن احتفالات المصريين الفرحين بإقصاء الإخوان المسلمين عن الحكم في 3 يوليو 2013، ومرّة جديدة عبر أغنية "حلوة يا بلدي". "حلوة يا بلدي" كانت الأنشودة المغلِّفة لمشاعر التعبير عن حب الوطن. لم تغنِّ داليدا، أو لولوندا كريستينا جيجليوتي، ذات الأصول الإيطالية، باللغة العربية أكثر من 10 أغانٍ، كانت كلها في حب مصر أو مرتبطة بها، باستثناء أغنية "لبنان". لكنها كانت قوية التأثير في الوجدان المصري، خاصة من خلال أيقونتها "حلوة يا بلدي" التي غناها آخرون بعدها، بحسب الروائي المصري خليل حنا تادرس، الذي ألّف كتاباً عن سيرة داليدا الذاتية، يحمل اسمها. أعلنت إدارة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة، مؤخراً، اختيار الفيلم الفرنسي - الإيطالي "داليدا"، الذي يجسد حياة الفنانة الراحلة لعرضه في حفل الختام يوم 26 فبراير المقبل. وقال السيناريست محمد عبد الخالق، رئيس المهرجان، في بيان إن هذا الخيار يرجع إلى "ارتباط الشعب المصري بداليدا وعشقه لأغانيها، خاصة تلك التي قدمتها باللغة العربية". المصريون الذين تغزلوا ببلدهم بأغاني داليدا ربما كانت مشاعرهم قد تغيّرت، لو علموا أن داليدا غنّت أيضاً للإسرائيليين على مسرح قصر ثقافة تل أبيب في أواخر عام 1965، بحسب ما ذكر موقع هاباما الإسرائيلي. يقول خليل حنا إن داليدا غنّت بتسع لغات. وبين أغانيها أكثر من 400 أغنية بالفرنسية، 200 أغنية بالإيطالية، و200 أغنية بلغات أخرى، هي العربية، العبرية، الألمانية، اليابانية، الإسبانية، اليونانية، والإنجليزية. من التراث العبري غنت "هافاناجيلا" Hava Naguila، إحدى أهم الأغاني الوطنية الإسرائيلية، والتي تدعو اليهود للسعادة لأن الحنطة في المخازن على أرضهم الخصبة التي ستحرث للمرة الثانية، بحسب كلمات الأغنية، وذلك عام 1959، وكررتها في حفلات مختلفة. وكذلك غنت الترنيمة العبرية "هي ني ماتوف" Hene Ma Tov التي تُغَنّى في أعياد الشابات، وذلك عام 1965. أحب الإسرائيليون داليدا ويعتبرها بعضهم واحدة من الأيقونات في مجتمعهم، حتى أن مطعماً سياحياً كبيراً في سوق لوينسكي، جنوب تل أبيب، يسمى باسمها ويحمل شعاره صورتها. وكتب موقع "إسرائيل كول" أن هذا المطعم يعتمد على فكرة التقريب بين الثقافات عن طريق وجباته المتنوعة، ولذلك اختار اسم داليدا، تيمناً بالفنانة التي عبّرت عن حبها لإسرائيل، وكانت بفنها بمثابة جسر للتواصل بين ثقافات مختلفة، على رأسها العربية والعبرية والأوروبية. لا نجد معنى لكلمة داليدا في العربية. ولكن موقع "رابي بارانا" Rabi Barana الخاص بالإيطالية رابي بارانا "أول امرأة تعمل حبراً يهودياً"، يزعم أن داليدا يهودية من أصل إيطالي، وأن جدها كان يهودياً جزائرياً، ويشير إلى أن كلمة داليدا بالعبرية تعني "فرحة" أو "بهجة". لكن الروايات المصرية المتواترة تقول إن داليدا كانت مسيحية، وكانت تذهب إلى الكنيسة بانتظام في شبرا.قصص حب فاشلة، نجاحات وجوائز كثيرة... حياة حافلة عاشتها داليدا قبل أن تقرر الانتحار
سيرة صاحبة أغنية "حلوة يا بلدي"، الأنشودة المغلفة لمشاعر التعبير عن حب الوطن في الكثير من الدول العربيةالحديث عن يهودية داليدا وتغيير اسمها ليس قوياً أيضاً في فرنسا. يقول الكاتب الفرنسي، براند باسكيتو Bernard Pascuito، في كتابه "داليدا، حياة محترقة" Dalida, une vie brûlée، إن ليلوند، اختارت لنفسها اسم "داليلا" (دليلة) للشبه الذي كان بينها وبين هيدي لامار Hidi Lamar، بطلة فيلم سامسون وداليلا Samson & Dalila، ولكنها غيّرت اسمها بعد الذهاب إلى فرنسا، إذ أقنعها المخرج الفرنسي، مارك دي جاستين، أن اسم داليلا ليس مستساغاً، وعليها تغييره، فقررت أن تسمي نفسها داليدا، الاسم الأكثر قبولاً في المجتمع الفرنسي. مارك دي جاستين، كان قد اكتشف داليدا في فيلم "يوسف وأخوه" Joseph and his Brother الذي كان يصوره في الأقصر، جنوب مصر، وعملت معه كدوبلير لبطلة الفيلم جوان كولينز Joan Henrietta Collins، وكانت "داليلا" في هذا التوقيت تعمل "موديل" في أحد بيوت الأزياء، فأعجب بشكلها، وكذلك جوان، فاشتركت في العمل، بحسب باسكيتو.
لماذا أحبها المصريون؟
الحكم على الفنان من خلال دينه أمر لم يكن معتاداً حتى الأربعينيات من القرن الماضي، ولكن ظهور إسرائيل وقتها جعل اليهود المصريين من الفنانين في وضع حرج، فمنهم من ترك مصر مهاجراً كتوجو مزراحي الذي رحل إلى إيطاليا بعد قيام إسرائيل، ومنهم من غيّر ديانته إلى الإسلام، مثل ليلى مراد أو عمر الشريف، رغم أن من غيّروا دينهم لم يعلنوا أنهم فعلوا ذلك خوفاً من أحد، بحسب الناقدة ماجدة خير الله. وفي ما يخص داليدا، قالت خير الله إن المعروف أنها كانت مسيحية وليست يهودية، وهاجرت إلى فرنسا في نهاية 1954 ولم تكن وقتها قد مثلت إلا أدواراً صغيرة، أقل من أن تُعرّف الجمهور بها، وذلك في أفلام "سيجارة وكاس"، "غزل البنات" و"يوسف وابنه"، وبالتالي لم يكن المصريون "إلا القليل منهم" يعلمون عنها شيئاً حتى عادت إلى القاهرة في الثمانينيات، وهي نجمة عالمية، في زمن كان الإعلام ضعيفاً ولا يوصل كل الحقائق إلى الجمهور.المصريون أعجبوا بالأغاني التي شدت بها داليدا في حب بلدهم وبلدها، بسبب الشكل الجديد للأغنية الوطنية الذي قدمته، من حيث الكلمات التي تتغزل في مدن مصر كـ"أحسن ناس"، وتربط حب الوطن بالحبيب كـ"حلوة يا بلدي". هذا بالإضافة إلى اللون اللحني الحديث الذي تمتعت به تلك الأغنيات وقتها، وأخيراً، لَكْنَة داليدا الأجنبية في نطق الكلمات المصرية ما جعل الآذان تنجذب إليها قبل العيون، وفوق كل ذلك موهبتها، بحسب خير الله.
رحلة النجاح
ولدت ليلوندا في شارع شيكولاني بحي شبرا الشهير بالقاهرة، في 17 يناير 1933. والدها هو بيترو جيجليوتي الذي هاجر أبوه من جزيرة كالابريا الإيطالية في بدايات القرن العشرين، ليولد في مصر، ويعمل عازفاً للكمان في أوركسترا أوبرا القاهرة، وتوفي عام 1945.
وفي عام 1951 اشتركت داليدا في مسابقة ملكة جمال مصر، وفازت بها وحصلت على حذاء ذهبي، ونُشرت صورتها على أغلفة المجلات وهي بملابس السباحة، ما أغضب والدتها منها. ولكن الفوز شجعها على الحلم باحتراف التمثيل.
لم تحقق داليدا النجومية التي تمنتها في مصر، فسافرت إلى فرنسا في نهاية عام 1954، وهناك التقت بمدرب الأصوات، رولاند برجيه، الذي أقنعها بالاهتمام بالغناء، حين رأى أنها مغنية أكثر منها ممثلة. وفي عام 1956، شدت بالفرنسية "بامبينو" Bambino، أول أغانيها التي حققت لها شهرة واسعة، ووضعتها في مصاف النجوم.
يقول خليل حنا إن بامبينو استمرت لمدة 45 أسبوعاً في صدارة الأغنيات الفرنسية، كما كانت واحدة من أعلى الأغاني مبيعاً في تاريخ فرنسا، لتنفتح بعدها الآفاق أمام داليدا وتصبح واحدة من أهم فناني العالم، وتعوض سنوات الكفاح التي عملت خلالها موظفة تكتب على الآلة الكاتبة في شركة أدوية بالقاهرة، لتساعد والدتها التي كانت تعمل في الحياكة (خيّاطة)، بعد أن مات أبوها، وكذلك أثبتت لنفسها أن تحدي والدتها المتشددة التي كانت تعارض سفرها إلى باريس، كان مثمراً.
حصلت داليدا على عدد ضخم من الجوائز، منها 14 جائزة من فرنسا، وتسع من إيطاليا، وواحدة من البرازيل، واثنتان من إسبانيا، وواحدة من بلجيكا، وواحدة من ألمانيا، واثنتان من تركيا.
ووضعت فرنسا صورتها على طابع بريدي بعد وفاتها، وصممت الحكومة الفرنسية تمثالاً لها بالحجم الطبيعي ووضعته على ضريحها، بحسب خليل حنّا.
داليدا والرجال
شهرة داليدا وأنوثتها جعلتا كبار الساسة والمشاهير يتقرّبون منها، وعلى رأسهم الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران الذي أشيع أنه على علاقة عاطفية بها، بعد أن كانت إحدى نصيراته، أثناء حملته الانتخابية.
وفي هذا الفيديو حكاية مثيرة عن إعجاب عمر الشريف بها، وقبلة جمعتهما، قبل الشهرة: داليدا التي غازلت شعوباً وأعراقاً مختلفة بأغانيها، كانت تعاني من أزمات عاطفية متلاحقة، وكان يداهمها كثيراً إحساس بالوحدة، ولعل هذا ضمن أسباب عودتها إلى مصر في الثمانينيات، قبل أن تموت بسنوات قليلة، بحسب الناقد كمال رمزي الذي يرى أن التجديد والعودة إلى الوطن الذي نشأت وترعرعت فيه عوّضا داليدا لبعض الوقت عن تجارب حب فاشلة. وأنعشها النجاح الذي حققته أغانيها، ما دفعها إلى التفكير في خوض تجربة سينمائية مع المخرج يوسف شاهين، فكان فيلم "اليوم السادس" عام 1986.كذلك يرى رمزي أن حالة اكتئاب داليدا بدت واضحة في الأغنية التي شدت بها عام 1979، بعنوان "أنا مريضة" Je suis malade.
العلاقات العاطفية في حياة داليدا كانت كلها فاشلة على تعددها. أول حب في حياة ملكة جمال مصر كانت مع شاب إيطالي الأصل يسكن في شبرا بالقاهرة، اسمه أرماندو.يقول خليل حنا إن هذا الحب كان مراهقة في حياة داليدا ولكنه لا ينسى. ويبدو أن مقطع "أول حب كان في بلدي، مش ممكن أنساه يا بلدي" في أغنية "حلوة يا بلدي" كان أرماندو هو المقصود به.
ويسرد حنا في كتابه عدداً من قصص الحب الفاشلة في حياة داليدا، والتي بدأت بلوسيان موريس الذي تزوّجته ثم انفصلا بعد أقل من عام، وقيل إنها تركته من أجل غرامها بالرسام جين سوبسكي، والد الممثلة الأميركية ليلي سوبسكي، والذي تركها بعد عامين من الصداقة وتزوّج أخرى، ثم انتحر بإطلاق النار على نفسه عام 1961.
ولكن أعنف قصة حب في حياة داليدا كانت مع المغني الإيطالي الشاب لويجي تكنو، الذي دعمته كي يصبح مغنياً معروفاً، وشاركته في مهرجان سان ريمو خلال يناير 1967، ولكنه انتحر بعد أن فشلت الأغنية التي قدمها في المهرجان.
وحاولت داليدا الانتحار هي الأخرى في فندق ويلز الأميري بباريس "The Prince of Wales Hotel"، لكن محاولتها باءت بالفشل، بعد أن أسعفها الأطباء من تناول جرعة مهدئات عالية.
يبدو أن داليدا حاولت نسيان تجربتها الفاشلة مع تكنو فتصادقت مع شاب إيطالي يدعى لوسيو. كان لا يزال طالباً، يبلغ من العمر 22 عاماً، فحملت منه ولكنها أجهضت، لعدم رضاها عن علاقتهما. ولكن الأمر أدى بها إلى أن تكون عقيمة بعد ذلك، ما زاد من اكتئابها في أواخر أيامها.
لم تكف داليدا عن البحث عن الحب. وفي بداية السبعينيات، ارتبطت بالشاب مايك برانت، ودعمته، حتى صار مغنياً معروفاً، ولكنه هو أيضاً انتحر في أبريل 1975.
في 4 إبريل 1983 مات آخر حبيب لداليدا، حين انتحر صديقها الفنان ريتشارد شانفري الذي كثيرا ما شاركها حفلاتها وأغنياتها. خلال هذه الفترة كانت داليدا تتردد على مصر، بعد أن كانت قد بدأت في ترداد أغنيات مصرية منذ عام 1976، بدأتها بـ"سالمة يا سلامة". وفي عام 1986، قدمت مع يوسف شاهين فيلم "اليوم السادس" الذي تعتبره ماجدة خيرالله ضعيفاً، ولم يمثل أيّة إضافة للفنانة العالمية التي كانت حزينة جداً.وبعد عرض الفيلم بعام تقريباً، في 3 مايو 1987، انتحرت داليدا بجرعة عالية من المهدئات، تاركة رسالة تقول: "الحياة أصبحت لا تُحتمل... سامحوني".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
HA NA -
منذ يومينمع الأسف
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ أسبوعحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ أسبوععظيم