"لولا ذلك الجهد والعشق، لما كان لتلك المسيرة المتعثرة أن تبني صناعة حقيقية، وتستمر في تقدمها الحثيث والخارق أيضاً، رغم ضعف الإمكانيات. في ظل تقاليد مجتمعية تمنع بنات الأسر من الظهور على خشبة المسرح أو شاشة السينما". هكذا وصفت الباحثة منى غندور في كتابها "سلطانات الشاشة" الدور الكبير الذي قامت به فنانات جعلن الصورة الفنية تكتمل، كي تصبح تعبيراً حقيقياً عن الحياة.
عزيزة أمير، بهيجة حافظ، آسيا داغر، فاطمة رشدي، أمينة محمد، ماري كويني، هن رائدات السينما المصرية والعربية، فلم تكن واحدة منهن مجرد فنانة، بل كن صانعات لشكل السينما العربية في مهدها، بحسب الناقد كمال رمزي.
فبما أن مصر هي رائدة السينما في الشرق، فإن رائدات السينما المصرية هن رائدات السينما العربية، ولا تنافسهن في ذلك إلا لبنانيتان، ولكن هاتين اللبنانيتين كانتا تعملان في مصر أيضاً، من خلال أفلام مصرية.
عزيزة أمير
على مدخل سينما رمسيس، وقفت سيارة، ترجل منها سائق بيده رسالة تحمل صورة لسيدة، وسلمها إلى رجل المسرح الصاعد يوسف وهبي. السيدة ترغب في التمثيل وهي من أسرة محافظة. هذه الرسالة، سجلت ولادة عزيزة أمير. تتنقل عزيزة بين المسارح إلى أن تعلن تأسيس شركة سينمائية "إيزيس" فتنتج أول أفلامها "نداء الله"، من إخراج وداد عرفي، المخرج التركي الذي لا يتقن العربية، فيسقط سقوطاً ذريعاً. وضعت أمير قصة جديدة "ليلى"، ضمت إليها فصلين من الرواية السابقة، لتصبح أحد أوائل الأفلام الروائية الطويلة في السينما المصرية، من إخراج ستيفان روستي، فينجح الفيلم نجاحاً باهراً، ويهنئها الاقتصادي المعروف طلعت حرب بقوله: "لقد صنعت يا سيدتي ما يعجز عن صنعه الرجال"... هكذا حكت منى غندور عن رائدة السينما العربية عزيزة أمير، منتجة وبطلة أول فيلم مصري عربي روائي طويل، عرض لأول مرة في فبراير 1927، وحضر عرضه أمير الشعراء أحمد شوقي، بدار سينما متروبول في القاهرة، وما يعرف بأبي الاقتصاد المصري طلعت حرب باشا. عزيزة أمير، هو الاسم الفني لمفيدة محمود غنيمي، المولودة في 17 ديسمبر من عام 1901، وقيل 1907، وقيل 1908، وتوفيت في 28 فبراير 1952. ولدت مفيدة بمدينة طنطا، في دلتا مصر، وتوفي والدها بعد ولادتها بـ15 يوماً، فعادت أسرتها إلى الإسكندرية لتقضي طفولتها بها، ثم انتقلت إلى القاهرة وتحديداً بالقرب من حي السيدة زينب والتحقت بالمدرسة، لكنها لم تكمل تعليمها المدرسي، واتجهت لتعلم مبادئ الموسيقى، لأنها تمنّت أن تصبح موسيقية، ثم تعلمت اللغة الفرنسية. أخرجت عزيزة فيلمين، وأجرت مونتاج فيلم "ليلى"، كما ألفت حوالى 16 فيلماً، ومثلت في غالبية الأفلام التي كتبتها وأخرجتها، والتي بلغت حوالى 25 فيلماً، بالإضافة إلى أدوارها المسرحية، بحسب منى غندور.آسيا داغر
في فيلم "ليلى" الذي أنتجته عزيزة أمير، كانت هناك فتاة لم تتجاوز الـ12 عاماً، تلعب دوراً صغيراً، باسم "مرب". وكأن القدر كان قد قرر أن تولد من رحم أم السينما العربية أمّا جديدة، تصغرها سناً، لكنها لا تقل عنها فناً... هذه الفتاة استمرت لما يقرب من النصف قرن واحدة من أهم منتجات ومنتجي السينما في مصر، إن لم تكن هي الأهم. هي آسيا داغر، اللبنانية، المولودة عام 1912، بقرية تنورين، في أسرة ميسورة. جاءت إلى القاهرة وهي في الثانية عشرة من عمرها، بعد أن نالت قسطاً من التعليم في بلدها، لتبدأ بدأب في متابعة ومشاهدة كل ما كان يعرض في دور السينما، الصامتة وقتها، حتى قدمت دوراً في فيلم "ليلى"، وبعدها أسست شركة "لوتس فيلم" للإنتاج السينمائي، التي قدمت عشرات الروائع السنيمائية، بحسب كتاب "دليل الممثل العربي في القرن العشرين" لمحمود قاسم ويعقوب وهبي.عزيزة أمير، بهيجة حافظ، آسيا داغر، فاطمة رشدي، أمينة محمد، ماري كويني، رائدات صناعة السينما العربية المنسياتآسيا اللبنانية التي حصلت على الجنسية المصرية، كانت تهتم بالتاريخ العربي، ولذلك فهي منتجة الروائع التاريخية بلا منافس، بل هي رائدة هذا النوع من الإنتاج، فهي التي صنعت "شجرة الدر" عام 1935، وبعدها أنتجت سلسلة هامة من تلك الأفلام، منها: أمير الانتقام، رد قلبي، والناصر صلاح الدين. لم يكن يعنيها المكسب والخسارة بقدر القيمة، فقد أنفقت 200 ألف جنيه مصري على فيلم "الناصر صلاح الدين"، وهو رقم ضخم جداً بمقاييس فترة إنتاجه، في بداية ستينيات القرن العشرين، وبسببه رهنت أملاكها، وتم الحجز على أثاث بيتها، لأن الفيلم لم يربح تجارياً ليغطي نفقات إنتاجه. وصفتها منى غندور في كتابها بالمرأة ذات الإرادة الحديدية، ولا يضارعها أحد في عشقها للسينما. بدأت مشوارها الإنتاجي بـ1000 جنيه وآخر انتاج لها وصل إلى 190,000 جنيه، وقدمت خلال مسيرتها 49 فيلماً وعملت مع 18 مخرجاً. توفيت في 12 يناير من عام 1986، بعد أن حصلت على عدد كبير من الجوائز اللبنانية والمصرية والعربية.
ماري كويني
كانت تصغر خالتها آسيا داغر بعام واحد، فهي من مواليد عام 1913، وجاءت معها من لبنان إلى مصر في بداية عشرينيات القرن العشرين. تقول عنها منى غندور في كتابها "سلطانات الشاشة": لفتت الفتاة ماري كويني أنظار المخرج وداد عرفي فأشركها فى فيلم "غادة الصحراء" عام 1929، بعده شاركت آسيا والمخرج أحمد جلال في شركة الإنتاج، إلى أن انهار التحالف الثلاثي، فشكلت مع جلال زوجها شركة سينمائية، ثم أسسا "ستديو جلال"، لكن المرض أتى على زوجها فتعاونت من بعده مع عباس كامل في فيلم "كنت ملاكاً"، ثم اتجهت للإنتاج بمفردها. بعد ذلك هجرت التمثيل وتفرغت للإنتاج فقط، وفي عام 1958 أنشأت أول معمل أفلام سكوب في مصر. وفي عام 1963 تقوقعت السينما بإجراءات التأميم التي قامت بها ثورة 23 يوليو، فأممت الاستديوهات، ومن بينها "ستديو جلال" الذي تملكه، ومع ذلك أكملت ماري رحلتها، فتعاونت مع الحكومة في إنتاج أفلام، ثم عادت تعمل بمفردها عام 1972 في أول فيلم لابنها المخرج نادر جلال، وهو "غداً يعود الحب"، لتتلوه بسبعة أفلام أخرى، ثم ابتعدت عن الأضواء لترحل عن عالمنا في نوفمبر عام 2003.فاطمة رشدي
يقول الناقد الفني عزت السعدني، إنها قابلته في آواخر أيامها وقالت له: "والنبي يا بني ابقى خلي التلفزيون يعرض أفلامي... عشان الناس ماتنسانيش... دا أنا فاطمة رشدي اللي كان شارع عماد الدين يتزلزل لما أمشي عليه"، بحسب ما كتب في الأهرام. فاطمة رشدي، من مواليد 15 نوفمبر 1908، وهي من رائدات المسرح والسينما في مصر، وذاعت شهرتها حتى لقبت بـ"سارة برنار الشرق". الشهرة الأكبر لفاطمة رشدي كانت في المسرح، فقد كونت فرقة مسرحية باسمها قدمت أكثر من 200 مسرحية. إلا أنها كانت من أمهات السينما أيضاً، فقد شاركت في 16 فيلماً، بدأتها ببطولة فيلم "فاجعة فوق الهرم" عام 1928، في عهد السينما الصامتة، وكذلك كانت بطلة فيلم "العزيمة" عام 1939، الذي صنف ضمن أفضل 100 فيلم مصري خلال القرن العشرين، بحسب استفتاء لرابطة النقاد، وتقاضت عنه فاطمة رشدي 160 جنيهاً، وهو أكبر رقم تحصل عليه فنانة في ذاك الوقت. ووجهت بنكران للجميل من قبل الرأي العام المصري. ويعلق عزت السعدني على ذلك قائلا: "كما هي العادة... فإن كل مبدع وكل فنان في بلدنا يلقى في أواخر أيامه جحوداً ونكراناً حتى من أقرب الناس إليه... لا يهم ماذا قدم وماذا أضاف... ولكن لو أصابته يد العوز والحاجة لا أحد يسأل عنه... هكذا عاشت فاطمة رشدي أواخر أيامها، وقد قابلتُها في مدينة السويس عندما لم تجد مكاناً تقيم فيه خلال رحلة مرضها، فقررت الحكومة إعطاءها شقة متواضعة جداً في المساكن الشعبية بمدينة السويس، وظلت بها حتى توفيت عام 1996، عن عمر يناهز 87 عاماً".بهيجة حافظ
هي الأخرى من مواليد 1908، وتنتمي إلى مدرسة الفن المتعدد المواهب، أو الشامل إن جاز التعبير؛ فهي ممثلة ومنتجة ومؤلفة موسيقى، وكاتبة ومخرجة. تقول عنها منى غندور في كتابها، إنها من مواليد الإسكندرية لعائلة أرستقراطية. والدها هو إسماعيل باشا حافظ، ناظر الخاصة السلطانية في عهد السلطان حسين كامل بهاء الدين، وابن خالتها هو إسماعيل صدقي الذي تولى منصب رئيس وزراء مصر. تزوجت من أمير إيراني عام 1925 ثم انفصلا وعادت للإسكندرية، ثم توفي والدها فانتقلت للعيش في القاهرة. وفي عام 1930 حصلت على دبلوم في التأليف الموسيقي من معهد كونسرفتوار باريس، وألفت الموسيقى التصويرية لعدد من الأفلام التي شاركت بها، منها: الضحايا، الاتهام، ليلى بنت الصحراء، ليلى البدوية، سلوى، زهرة السوق، والسيد البدوي. كما أسست أول نقابة للمهن الموسيقية في عام 1937. تعتبر من الرائدات المصريات في عالم التمثيل والإنتاج في السينما، وهي من طليعة الوجوه النسائية التي ظهرت على شاشة السينما المصرية. أول فيلم مثلته كان "زينب". بعد نجاحها فيه أسست شركة "منار فيلم" مع زوجها، وأنتجت عدة أفلام، منها "الضحايا" الذي شاركت في إخراجه، كما أخرجت "ليلى بنت الصحراء" الذي شاركت كذلك في كتابة السيناريو له. يقول عزت السعدني عنها: "رغم صلابة بهيجة حافظ وجمالها ودأبها ورهافتها الفنية وشهرتها المدوية، لم يصبها الحظ، واضطرت في سنواتها الأخيرة إلى الانزواء، وماتت وحيدة بطريقة لا تليق بها ولا بجهدها وما قدمته للسينما"، وكان ذلك في سبتمبر 1983.أمينة محمد
هي أحد عطاءات عام 1908 للفن العربي، ممثلة وراقصة ومخرجة ومؤلفة، وصحافية عملت بمجلات روز اليوسف، والصباح، ومجلتي. ولدت أمينة محمد بمدينة طنطا لأسرة فقيرة، وانتقلت إلى القاهرة هرباً من أسرتها لأجل السينما. أتت فرصتها السينمائية الحقيقية مع فيلم "شبح الماضي"، وفي عام 1937 أسست شركة "أمينة فيلم"، لتنتقل بفيلمها الأول "تيتا وونج" الذي ألفته وأخرجته، من مصاف ممثلات المسرح الثانويات إلى مصاف البطلات الخالدات. ورغم نجاحها أغرقها الفيلم بالديون. سافرت إلى أوروبا، تجولت فيها وعملت في ملاهيها، ومع قرع طبول الحرب العالمية الثانية عادت إلى مصر، وشاركت في أدوار سينمائية صغيرة هي عبارة عن مشاهد راقصة، ثم عملت مساعدة مخرج وخاضت في أعمال كثيرة لم تكن أكثر من مغامرات خاسرة. لكنها أخرجت 3 أفلام هي سيجارة وكاس، ضحايا المدينة، وتيتا وونج، بحسب كتاب منى غندور. اعتزلت أمينة الفن، وظلت لسنوات منعزلة حتى توفيت في 16 مارس 1985.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 23 ساعةمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع