شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
التشيّع في تونس: بين حرية العقيدة ورفض المخالفين

التشيّع في تونس: بين حرية العقيدة ورفض المخالفين

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 12 يناير 201707:49 م
كانت "الثورة الإيرانية" في آخر سبعينيات القرن الماضي حدثاً فارقاً في التاريخ الإسلامي الحديث. وكان لها أثرها السياسي والديني في مختلف الدول الإسلامية، وساهمت بشكل كبير في انتشار التشيع في العالم. وكانت تونس من الدول التي لفحتها رياح الثورة، فانبهر العديد من التونسيين بها، وزار بعضهم إيران ودرس فيها، وغيّر كثيرون مذهبهم نحو التشيع. لا يُعرف عدد رسمي للمواطنين الشيعة في تونس، وهم موزعون على غالبية محافظات البلاد. فيهم من تشيع عبر الهجرات إلى الشرق منذ الثمانينات، خصوصاً سوريا والعراق وإيران ولبنان، أو عبر الهجرات إلى الغرب، حيث تنتشر جاليات إيرانية وعراقية كبرى، في ألمانيا وإنكلترا وغيرهما، وفيهم من توارث تشيعه عن أقربائه أو تأثر بأصدقائه. قبل ثورة 2011، لم يكن هناك حديث عن التشيع في تونس. كانت قلة من الشيعة تقطن بعض المدن، مثل قابس وصفاقس وسوسة والعاصمة، دون أن يكون ذلك مثار جدل بالنسبة إلى التونسيين. ربما لأن النظام وقتها كان صاحب الرأي والسيطرة في كل شيء، ولا يسمح بالحديث عن مثل هذه الأمور. كما أن الإسلاميين كانوا يقدّرون الثورة الإيرانية، وسمّوها الصحوة الإسلامية. لكن بعد الثورة، ومع ظهور تيارات متطرفة، تغيّرت المصطلحات في البلاد، فأصبحنا نسمع شعارات من قبيل العلمانيين الكفار، واليسار المعادي للدين، والشيعة الروافض. كان الشيعة على رأس المنتَقَدين، فوضع بعض التونسيين في أول اهتماماتهم "محاربة المد الشيعي"، متهمين الدولة بالتقصير في مواجهته، والندّ بأنه خطر يهدد وحدة البلاد وأمنها. وقد بدا الانقسام واضحاً لدى جزء كبير من التونسيين بعد الثورة، ووقعت بعض الصدامات بين متشيعين وسلفيين متطرفين، يرفضون أي وجود للشيعة في البلاد.

تجارب شباب متشيّعين

قيس (25 عاماً)، تشيّع قبل 3 سنوات، ويعيش في حي شعبي على أطراف العاصمة. اختار بعد الثورة أن ينشط في حزب التحرير السلفي، وحضر العديد من الاجتماعات التي رفعت فيها الكثير من الشعارات المعادية للشيعة الذين تعتبرهم خارجين عن الدين، ما جعله يطرح عدة أسئلة كانت تراوده حول حقيقة ما يقولون. روى لرصيف22 أنه وجد في كتب الشيعة ما يرضي قناعاته، والتقى بالمفكر "محمد صالح الهنشير"، الذي ساعده في الإجابة عن بعض التساؤلات التي كانت تدور في رأسه. لكن قيس يؤكّد أنه لم يتعرض لأي تهديد أو مضايقات، باستثناء محاولات دائمة لـ"النصح القريب من الهرسلة" (الذي يتضمّن تهديداً)، من بعض معارفه السلفيين الذين علموا بتشيعه. أحمد يحيى (24 عاماً)، طالب علوم قانونية، يعيش منذ 5 سنوات في العاصمة، قادماً من الجنوب التونسي، وقد تشيع قبل سنتين بعد تعرفه إلى صديقين سعوديين يقيمان في ألمانيا، عندما ذهب إلى هناك صيف 2014، وأقام معهما نحو أسبوعين. قال لرصيف22 إنه فهم منهما أشياء لم يكن يعرفها في السابق، ووجد بعض الكتب التي أعجب بها، وعاد بالبعض منها إلى تونس، وبقي يتصل ببعض الشيعة ويسألهم، إلى أن أخذ قراره الذي لا تعرفه حتى عائلته في الجنوب. لكنه يوضح أنه يقيم في العاصمة مع صديقين، أحدهما ذو ميول سلفية، وعرف بتشيعه فأصبح يعامله معاملة سيئة، وأشاع خبر تشيّعه، فوصل إلى بعض معارفه الذين فيهم من أصبح يتهمه بالخروج عن ثوابت الإسلام، وعليه العودة إلى دينه.
انبهر العديد من التونسيين بالثورة الإسلامية الإيرانية وغيّروا مذهبهم نحو التشيّع... كيف يعيشون تشيّعهم اليوم؟
ووصل الأمر برفاقه في السكن إلى أن منعوه من الصلاة معهم في البيت، واتهموه بالنفاق والردة، وأنه موالٍ لـ"روافض" يشوهون الإسلام ويسبون الصحابة.

المشكلة ليست مع الدولة

يُعتبر المفكر "محمد صالح الهنشير"، الذي كان من قيادات حركة النهضة حتى منتصف تسعينيات القرن الماضي، صاحب صوت واضح ومعلن حول تشيعه. فظهر في العديد من وسائل الإعلام معبراً عن مواقفه دون حرج أو خوف، وقاد العديد من الاجتماعات الخاصة بالشيعة التونسيين. وقال الهنشير لرصيف22 إنه أعلن تشيعه سنة 2000، بعد بحث عميق وتساؤلات كبيرة دامت سنوات. وأضاف أنه لم يغير قناعاته تحت تأثير أي كان، بقدر ما كان قراراً شخصياً فكر فيه طويلاً، وقد عاش قبله سنوات من القلق والتساؤل، صاحبهما احتراز مما ورد في كتب الموروث السني الإسلامي. وروى أنه حتى قيام الثورة، كانت الأمور طبيعية ولم يكن أحد يزعج الشيعة، وحتى بعد الثورة حافظ المجتمع التونسي على تسامحه وتقبله للآخر، ولكن الأمور تغيّرت بظهور مجموعات متطرفة، انطلقت في تشويهها للحقائق وتهديدها للشيعة، واعتبارهم غرباء عن المجتمع التونسي. ويوضح: "تجندت شخصيات متطرفة وصفحات اجتماعية كبرى لشن الحرب عليهم". وتابع أن الشيعة تعرضوا للعديد من المضايقات، وهو شخصياً منع من الصلاة في أحد المساجد التونسية، واتهم بالكفر من قبل المتطرفين الذين يسيطرون على بعض المساجد، وينشرون صوره على مواقعهم الإلكترونية للتضييق عليه. ونفى الهنشير أي ارتباطات له أو لشيعة تونس بأي أجندات خارجية، وقال: "مَن لديه دلائل على أي ارتباط بأجندة معينة، فليثبتها أو يتوقف عن التشويه". واعتبر الهنشير أن مشكلة المتشيعين ليست مع السلطة الرسمية التي لم يشهدوا منها ما يضيّق عليهم أو يحدّ من حريتهم، فالتضييقات عليهم تمارسها جماعات خارج قانون الدولة، ويضيف: "أصبح دورها يضعف تدريجياً خصوصاً بعد خروج حركة النهضة منهزمة في انتخابات 2014، باعتبارها كانت تحميهم وتغطي على تجاوزاتهم".

مناهضة المد الشيعي

في المقابل، أعلن المحامي أحمد بن حسانة، الذي أسس جمعية تحت اسم "الرابطة التونسية لمناهضة المد الشيعي"، أن التشيع تهديد لهوية المجتمع المالكية الأشعرية. وصرّح لرصيف22 أنهم في الجمعية لا يحاربون الأشخاص في ذواتهم، لكنهم يحاربون التشيّع السياسي، ويعتبرونه مخططاً خارجياً، لبث الفتنة بين المواطنين. ونفى بن حسانة قيام جمعيته بتهديد الشيعة، وقال إنها ترفض العنف بكل أشكاله وليس فيها سلفيون بل هم نشطاء يخافون على أمن واستقرار البلاد وهدفهم مواجهة "الأجندات الإيرانية". معتبراً أن لإيران دوراً في ذلك، من خلال تشييع أشخاص لخدمة أجنداتها الخاصة. واعتبر أن هناك صحفاً وجمعيات تتلقى تمويلاً من الخارج لنشر التشيّع، ما جعلهم يدقون ناقوس الخطر، وينبهون السلطات لذلك. في المقابل، رأى الناشط السياسي ضو الصغيّر أن "الرابطة التونسية لمحاربة المد الشيعي"، تحمل من عنوانها هوى طائفياً رافضاً للآخر، وإن ادعى مؤسسوها غير ذلك. فخطاب رئيسها يحيل إلى ذلك، وهو لا يستبعد أن تكون لها ارتباطات بأطراف داخلية أو خارجية، ذات مصلحة في خلق مثل هذه الإشكالات غير الموجودة في المجتمع التونسي. وأضاف الصغير: "الجمعيات التي تنشط تحت مسميات عرقية أو طائفية، لا يمكن الحديث عن استقلاليتها أو خدمتها فعلاً للصالح العام".

تراث الفاطميين

بيّن الباحث في علم الاجتماع طارق بلحاج محمد أن الإشكال مفتعل، وقال: "المجتمع التونسي في مستوى رسمي هو سنيّ مالكي، لكن المعتقدات الشعبية لا تزال شيعية، ولم يكن ذلك يتسبب بأي مشاكل في السابق". وقد عاشت تونس نحو قرن تحت الحكم الفاطمي، وأثّر ذلك كثيراً في المجتمع الذي لا تزال تنتشر فيه أسماء مثل علي وفاطمة والحسن والحسين، وجعفر والصادق. كما أن بعض الأمثال الشعبية تكشف استمرار تأثير الموروث الشيعي، فحين يسقط طفل صغير على الأرض، تقول الأمهات: "يا علي يا روح من النبي"، اعتقاداً منهن بقيمة تلك الكلمة على سلامة الطفل. وأوضح بلحاج محمد أن التونسيين يحتفلون بعاشوراء، وما زال الأطفال الصغار في داخل البلاد ينتظرون الذكرى للاجتماع ليلاً وغناء العديد من الأهازيج، التي تتغنى بآل البيت، ويشعلون الشموع إحياءً للمناسبة. وأضاف: "كما يعدد التونسيون مآثر سيدنا علي ولم يؤثر ذلك في قناعاتهم السنية". ويرى أن التدخل في قناعات الناس، وإجبارهم على اعتناق مذاهب معينة، أقرب إلى شغل الناس عن معاركهم اليومية الأساسية، وإدخالهم في مشاغل أبعد ما تكون عن اهتماماتهم.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image