سوق الكتب في مصر اجتاحتها التزوير. تعيد مطابع مجهولة تعرف بـ"تحت السُلّم" طباعة الكتب الأكثر مبيعاً، متجاهلةً قوانين النشر وحقوق الملكية الفكرية، لتبيعها للقارئ بأسعار أقل من أسعارها الأصلية.
الكتب "المضروبة" تثير الكثير من الجدل في الوسط الثقافي. فبينما تحاربها دور النشر باعتبارها تقتطع جزءاً ليس قليلاً من أرباحها، يراها القارئ منفذاً للمعرفة والاطلاع في ظل الأسعار المرتفعة التي تطرح بها دور النشر إصداراتها، وينقسم المؤلفون حول ما إذا كان ضررها أكبر أم نفعها، خاصة أنها تحقق لهم الانتشار العريض، الذي يعد الهدف الأصلي لأي مبدع.
الكاتب يربح الانتشار؟
الكاتب سامح فايز، باعتباره أحد ضحايا الكتب المزورة، وذلك بعد تزوير كتابه "الخروج من جنة الإخوان"، يعترف بأنه يجد نفسه مستفيداً كقارئ من هذه "التخفيضات" الهائلة على أسعار الكتب. لكنه يشدّد على أن الكتب الأصلية لها قيمتها في النهاية، وتخلو من عيوب الكتب المزورة التي تستخدم في الغالب ورق طباعة رديئاً ولا تخلو من الأخطاء المطبعية.
ككاتب، يرى فايز أن جهة النشر هي المتضرّر الوحيد من الكتب المزورة، أما الكاتب فيعتبر رابحاً إذ يتحقق له الانتشار، مضيفاً: "أكثر ما يهم الكاتب هو أن يقرأ له الجمهور، خاصة أن الحقوق المادية الناتجة عن الملكية الفكرية للكاتب في مصر والوطن العربي ليست مرتفعة كما في الخارج". أما كقارئ فيرى فايز أن الكتب المزورة تتناسب مع دخله وتسمح له بشراء 10 أو 15 كتاباً دفعة واحدة، لافتاً الى أن تزوير الكتب تحول إلى تجارة كبرى وأن المزورين يختارون الكتب الأعلى مبيعاً لإعادة تقديم نسخ مزورة منها للقراء ضماناً لرواج بضاعتهم.الحل عند دور النشر
رئيس تحرير مجلة "عالم الكتاب" الصحافي محمد شعير، يؤيد ظاهرة الكتب المزورة، ويرى نفعها أكبر من الضرر لأنها تمنح فرصة القراءة للجميع. ويقول لرصيف22: "من الجيد أن يقرأ الناس كثيراً وهذا ما تضمنه سوق الكتب المزورة"، لافتاً إلى أن هذه الظاهرة ستختفي بشكل تلقائي مع ارتفاع المستوى الثقافي للمجتمع".
ويتابع: "ما يدفع القراء إلى الكتب المزورة هو ارتفاع سعر الكتب الأصلية ودور النشر تستطيع وقف سوق التزوير من خلال تقديم طبعات متفاوتة، تناسب مستويات القراء كافة، فالطبعة الفاخرة تناسب المستويات الاجتماعية العليا، وطبعة ورق الجرائد ستجذب جمهور الكتب المزورة".لكن، هل هدف الكتب المزورة دائماً خدمة القارئ؟
المؤلف محمد صادق، صاحب رواية "هيبتا" التي طبعت أكثر من عشرين طبعة، له رأي مختلف، إذ يرى أن منظومة النشر بأكملها تتضرر من الكتب المزورة، لافتاً إلى أن هذا لا يختلف عن قرصنة الأفلام والأغاني ما يضر بالمنتجين والممثلين وشبكة المرتبطين بالعمل الفني.
ويرى صادق أن ليس هدف الكتب المزورة دائماً خدمة القارئ، ولكنها تستخدم كوسيلة لخداعه أحياناً، خاصة لمن لا يعرف الأسعار الحقيقية، كما حدث مع روايته "هيبتا"، التي طرحت نسختها الأصلية بسعر 20 جنيهاً وبيعت النسخ المزورة منها بـ30. وحول عيوب النسخات الزائفة، يؤكد صادق أنها في الغالب حافلة بالأخطاء وصفحاتها ليست في موضعها، والكلام ليس واضحاً لأنها نسخة مصورة من الأصل، لذا يعتبرها في النهاية لا تحترم القارئ. ويلفت إلى أن معظم المكتبات تقدم تخفيضاً على الكتب، لافتاً إلى أنه لا يوجد كتاب يزيد سعره عن 40 جنيهاً إلا الكتب غير العربية".دار العين: خسارة 50% من الأرباح البيع
مصطفي سالم مدير التوزيع والنشر في دار العين يؤكد لرصيف22 أن حجم خسائر دور النشر من الكتب المضروبة يعادل 50% من أرباح البيع، عازياً عدم التهام الكتب المزورة لكل أرباح دور النشر إلى أن جمهور الكتب المزورة محدّد، وأن كثيرين من القراء يحبذون الكتب الأصلية. ويؤكد أن انتشار سوق "المضروب" بشكل كبير له تأثير سلبي على صناعة النشر، وبالتالي على الثقافة في مصر، إذ يؤثر على الجانب الربحي لتلك الدور. وهذا ما يدفعها إلى تقليل إصداراتها وإنتاجها من الكتب، ومن ثم تقليل عدد المؤلفين الذين ستتعاقد معهم الدار، لافتاً إلى أن المزور يختار الروايات أو الكتب الناجحة.
وينتقد سالم غياب رقابة الدولة على أسواق الكتب السوداء، مرجعاً ذلك إلى الانشغال بظروف البلاد خلال الأعوام الأخيرة، ولافتاً إلى امتداد هذه السوق داخل معرض القاهرة الدولي نفسه. رواية "شوق الدرويش" الصادرة عن دار العين والفائزة أخيراً بجائزة "نجيب محفوظ" تعرضت للقرصنة، حسب سالم، إذ تعرضها الدار بـ50 جنيهاً، وتباع على الأرصفة بـ20 جنيهاً فقط.رئيس هيئة الكتاب: لتعديل قانون "الملكية الفكرية"
"الدور الذي تلعبه هيئة الكتاب في ضبط الكتب المزورة محصور في معرض القاهرة الدولي للكتاب، حيث تتم الاستعانة بشرطة المصنفات لرصد أي كتب من هذا النوع وتجري في الحال مصادرة الكتب الزائفة وغلق الجناح الذي تضبط فيه تماماً، كما حدث في معرض الكتاب هذا العام إذ تم اغلاق جناحين، بعدما تقدمت دار الكرمة بشكوى للمصنفات تفيد أنهما يبيعان الكتب المزورة"، يقول أحمد مجاهد رئيس الهيئة العامة للكتاب لرصيف22.
ويلفت مجاهد إلى أن لا سلطة للهيئة على بائعي الكتب المضروبة في الشارع، مشيراً إلى أن إصدارات هيئة الكتاب نفسها تعاني من القرصنة، لكن بشكل مختلف إذ تباع الطبعات الأصلية بأسعار زهيدة كونها مدعومة من الدولة، فيما تباع المزورة بسعر أعلى! ويلمّح مجاهد إلى وجود خطوات حقيقية لمواجهة "قرصنة الكتب" تتمثل في اتجاه الهيئة بالتنسيق مع اتحاد الناشرين، إلى التحرّك لتعديل قانون الملكية الفكرية، بحيث يصبح لهذا النوع من القضايا دوائر خاصة، مطالباً بضرورة رفع مبلغ الغرامة على الجرائم المماثلة، البالغ 50 جنيهاً حالياً، بالإضافة إلى منح حقوق الضبطية القضائية في هذا الشأن للجهات المختصة، وايضاً تضمين القانون حق مصادرة آلات الطباعة التي تضبط في قضايا مماثلة.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...