تواجه الفتاة منذ بلوغها الكثير من التساؤلات والمشكلات، وتمرّ بأعراض وتغييرات هرومونية مختلفة، ومن الطبيعي أن تلجأ إلى أخصائي أو طبيب مختص بالنساء والتوليد، إلا أن ذلك ممنوع في مصر.
زيارات طبيب النساء والتوليد ما زالت حكراً على المتزوجات فقط، وقد تعاني الفتاة من ألم مزمن يصاحبها يومياً، لكن سطوة العادات والتقاليد لا تسمح لها بأن تبوح بذلك.
تروي أسماء جابر (30 عاماً) لرصيف22: "دفعت أمومتي ثمناً لخوفي من المجتمع، وانصياعاً لتعصب عائلتي حول أي مسألة تقترب من الشرف. كان عمري 13 عاماً، حين بدأت الدورة الشهرية تأتيني، وجاءت شهرين ثم انقطعت 6 أشهر ثم عادت ولكن بشكل غير منتظم، وكنت أشعر بانتفاخ في بطني ودوار وأحياناً صداع".
وأضافت: "عشت أياماً في خوف متواصل. كنت أعتصر ذاكرتي خوفاً من أن أكون قد ارتكبت خطأ من دون أن أدري تسبب بانقطاعها. كنت أشك في نفسي، أخاف من كل شيء حتى راودتني فكرة أن يكون أحد قد اعتدى عليَّ أثناء نومي أو شربني مخدراً، وأفكار كثيرة ومخاوف مررت بها بيني وبين نفسي، دون أن أخبر أحداً".
ومع استمرار عدم انتظام الدورة الشهرية بعد مرور ثلاث سنوات، قررت أسماء إخبار والدتها بما تتعرض له. تقول: "بدأت أشعر أنها قد تكون نقصاً في جسدي أو أنني أعاني من مرض ما، ثم قررت أن أتحدث مع أمي، وحينها قالت لي ليس هناك داعٍ للطبيب والفضائح بين الناس، فساءت حالتي النفسية فترة طويلة وأصبحت لا أبالي بما يحدث لي، حتى أقنعتني صديقتي وهي طالبة بالتمريض، بأنه لا بد من زيارة الطبيب".
أخبرت أسماء والدتها فنهرتها لأنها أخبرت صديقتها، وجعلتها تتصل بها للتأكد أنها لن تخبر أحداً. وبعد عدة أيام، أخذتها والدتها عند عمتها، فهي امرأة كبيرة السن معروفة بخبرتها في هذه الأمور، فقالت لها تلك الأخيرة إنه أمر عادي، ونصحتها بأن تتناول مشروبات دافئة في ميعاد الدورة الشهرية. اتبعت أسماء ذلك وخف ألم معدتها قليلاً لكنه استمر حتى تزوجت.
تضيف أسماء: "بعد الزواج بفترة قصيرة، قرر زوجي أن نذهب للطبيب لتأخر الحمل، فعلمت أن عدم انتظام الدورة الشهرية الذي كنت أعاني منه هو السبب في تأخر حملي، ودخلت في دوامات علاجية كثيرة، وحتى الآن لم أحمل مرة واحدة منذ زواجي، الذي تعدى تسعة أعوام".
تفضل الفتاة إخفاء الأعراض التي تمر بها رغم صعوبتها في بعض الأحيان، على اختبار عائلتها والمجتمع في رد فعلهما. وهناك مشاكل كثيرة تكون أسبابها بسيطة، وعلاجها سهل ولا يستغرق وقتاً، لكن الإهمال يفاقم من المشكلة.
زيارات طبيب النساء والتوليد ما زالت حكراً على المتزوجات في مصر... مهما كانت المشاكل التي تعاني منها الفتاة
زيارة فتاة لطبيب نسائي قد يعني أنها بلا شرف.. وتفقد بعض الفتيات القدرة على الإنجاب بسبب مشاكل لم تعالج في حينهابحسب الدكتورة ناهد جمعة، الاختصاصية في النساء والتوليد، فإن العادات والتقاليد تحرم الفتاة من حق العلاج، وبالرغم من أن بعض الأمهات بدأن ينتبهن لهذا الشيء، وضرورة الرجوع للطبيب في مثل هذه الحالات، إلا أنهن يحرصن على حجز المعاينة بأسمائهن، وإخفاء أن الزيارة لبناتهن. وتقول: "حاولت كثيراً أن أتحدث مع بعض الأمهات عن عدم وجود مشكلة في أن تأتي الفتاة وتشتكي من تأخر الدورة الشهرية، أو وجود التهابات، أو أي عرض تمر به، لكنني لم أجد قبولاً من طرفهن لحديثي، ويرددن دائماً جملة: عندنا عيب لما تروح البنت لدكتور نسا قبل ما تتجوز". وأشارت جمعة إلى أن بعض فتيات الجامعيات يأتين إلى عيادتها متخفيات باسم آخر، خوفاً على سمعتهن وشرفهن، كما أن نظرات المرضى داخل العيادة إن وجدت فتاة بينهم تنتظر دورها، كفيلة بأن تجعل الفتاة تتردد مئة مرة قبل أن تتخذ هذه الخطوة.
"قتلوها مريضة وهماً بالشرف"
الكثير من الفتيات دفعن ثمن انصياعهن وراء العادات والتقاليد، كل منهن حاسبوها بشكل مختلف. تذكر انتصار السعيد رئيس مركز القاهرة للتنمية والقانون إحداهن، وتقول: "منذ فترة قتل أب ابنته بسبب انتفاخ بطنها لاعتقاده أنها حامل بدون زواج، وبعد تشريح الجثة اتضح أن الفتاة كانت تعاني من تجمع دموي على الرحم بسبب تأخر الدورة الشهرية، ولديها العديد من المشاكل الصحية، فدفعت هذه الفتاة حياتها ثمناً لاعتقادات متخلفة". وأوضحت السعيد أن المجتمع المصري لا يزال بحاجة مستمرة للتوعية، لاحترام النساء واعتبارهن فاعلات وليس مفعولاً بهن. ممارسات عديدة خاطئة، تدفع الأمهات بناتهن للقيام بها، والاستغناء عن الذهاب إلى الطبيب، كالجلوس في طبق ماء ومطهر للتخلص من الالتهابات وآلام الحوض والرحم، وذلك قد يصيب الفتاة بأورام، إذ تنتقل البكتريا إلى داخل المهبل. أو الاستهانة بالإفرازات الكثيرة والتعامل مع كثرتها على أنها أمر صحي، دون مراعاة تغير اللون أو الرائحة، الذي قد يكون دليلاً على وجود عدوى أو ميكروب. يضاف إلى ذلك تعاملهن مع ظهور بعض الأعراض كالزيغان في العين والصداع المزمن وتساقط الشعر، والآلام في الركبة والقولون العصبي، وظهور شعيرات في الثدي والبطن، على أنها أعراض عادية. يحدث جزء من ذلك مع هبة (20 عاماً)، التي تكتم آلامها خشية من بطش والدها وأشقائها. تقول: "منذ عامين لاحظت كثرة بعض الإفرازات بشكل غريب، تصدر منها رائحة كريهة، وبعض الأحيان أشعر بألم شديد أسفل ظهري، يوماً كاملاً، ويتكرر، رغم أن موعد الدورة الشهرية بعيد. لم أعد أستطيع أن أرتدي ملابس معينة كالبنطلون، وأعاني دائماً من تضرر الجلد من هذه الإفرازات". لا يمكن لهبة إخبار أفراد عائلتها لأنهم لن يسمحوا لها بالذهاب إلى الطبيب، وإن وافقت والدتها على الذهاب دون إخبار والدها وأشقائها، وذهبت معها، تخشى هبة أن يقول لها الطبيب شيئاً يجعلها تشك في سلوكها. فالنتيجة بحسب هبة ستكون حرمانها من الجامعة. وتضيف: "لا أستطيع الذهاب بمفردي، فمدينتنا صغيرة وقد أواجه أحداً من أقاربي أو جيراني أو معارفي عند الطبيب، ووقتها سيتكلمون عني بشكل سيىء، وإن وصل هذا الحديث لمسامع والدي وأشقائي فلن تكفيهم رقبتي". ختمت هبة حديثها قائلة: "شيء واحد يسيطر على تفكيري هو أنني ربما أعاني من ورم ما بالرحم دون أن أدري".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون