آخر التحقيقات مع صدام حسين تُكشف لأول مرة
السبت 24 ديسمبر 201612:13 م
كان العميل في المخابرات المركزية الأميركية جون نيكسون John Nixon يجلس في مكتبه في العراق منهكاً، فقد مضى على وجوده هناك أكثر من ثمانية أسابيع بعدما استدعاه المدير التنفيذي للاستخبارات بازي كرونغارد. وكان قد مضى على محاولات إسقاط النظام ما يقارب التسعة أشهر. كان ذلك في الثالث عشر من ديسمبر العام 2003، عندما وصله الخبر الذي ملأ جسده بالأدرينالين خلال لحظات: لقد قبض الجنود على صدام حسين، الرجل الأول على لائحة المطلوبين في العالم.
في كتابه الذي يصدر نهاية العام الحالي بعنوان "التحقيق مع صدام"، يُذكّر نيكسون بـ"الأسطورة" العراقية بشأن وجود أشباه كثر للرئيس، يلعبون دوراً في حمايته.
العلامات الفارقة
كان الجنود يسائلون نيكسون عن "العلامات الفارقة" التي تجعلهم يتأكدون أن المعتقل صدام بنفسه، لا شبيه له. استحضر المحقق ما كان قد سجّله من خلال متابعته لفيديوهات الرئيس العراقي "وشوم قبلية على يد ورسغ صدام اليمين، ندبة رصاصة على ساقه اليسرى، والتواء طفيف في شفته السفلى". بعد ذلك، قرّر نيكسون التزام الصمت، والبدء بتحضير مجموعة من الأسئلة لا يعرف الإجابة عليها سوى الرئيس الحقيقي. في تلك الليلة، حملته الطائرة إلى بغداد، ليتحقق من هوية المعتقل، ويبدأ التحقيق مع "الصيد الثمين" إذا ثبتت صحة اعتقاله. في منتصف الليل، وبعد طول انتظار، بدأ "الكونفوي" رحلته إلى مقر الاعتقال. في الداخل كان على نيكسون الانتظار أيضاً حتى تجهز الأمور، ليجد نفسه وجهاً لوجه مع صدام الذي كان جالساً على كرسي حديدي يرتدي عباءة بيضاء وسترة مبطنة زرقاء. يقول في مذكراته "لا شك أن هذا الرجل يمتلك كاريزما عالية، لقد كان ضخماً وشديد البنية، حتى وهو سجين ينتظر الإعدام، لم تفارقه تلك الهيبة التي تعطيه هيئة رجل مهم". في الكتاب حقائق تُكشف للمرة الأولى وأخرى تداولها الإعلام سابقاً، لكن أهميته تنبع من تلك التفاصيل التي يختزنها الحوار الذي دار بين صدام والمحقق الأمريكي، وتلك الخلاصات اللانمطية التي خرج بها الأخير. لا يُغيّر الكتاب في واقع ما فعله الأمريكيون في العراق، لكنه يكشف تلك الازدواجية التي حكمت حربهم هناك وفي عدد من دول المنطقة.همج وجهلة
نعود إلى غرفة التحقيق مع نيكسون الذي بادر صدام بالقول "لديّ بعض الأسئلة التي ستجيب عليها بصدق، أتفهم ذلك؟"، ليأتي جواب الأخير على غير المتوقع "متى كانت آخر مرة رأيت فيها أبناءك أحياء؟". يكتب المحقق أنه توقع من صدام أن يكون قوياً، لكن ليس بهذه الحدة والعنف، لا سيما عندما بدأ بالسؤال "من أنتم؟ هل أنتم المخابرات العسكرية؟ المخابرات؟ أجيبوني. اكشفوا هويتكم". بينما كانت عيون نيكسون تلاحق "العلامات الفارقة" في جسم صدام، كان ثمة الكثير من الأسئلة التي يريد الحصول على إجابات عليها بشأن هروبه من بغداد، ومن ساعده… لكن صدام كان يختار الإجابة على أسئلة معينة دون غيرها. وفي بعض المرات كان يتوجه للمحقق قائلاً "لماذا لا تسألني عن السياسة هنا؟ يمكن أن تتعلموا الكثير مني"، بينما ترتفع حدة طباعه اعتراضاً على المعاملة القاسية والعنيفة التي تلقاها من الجنود حين جلبوه إلى المعتقل. مع تقدم الدقائق، كان نيكسون يزداد قناعة أن المعتقل هو صدام فعلاً، لا سيما بعدما أزاح "الدشداشة"، كاشفاً عن ندبة ساقه. حسناً، "لقد قمنا بالإنجاز وقبضنا عليه، الآن قد حان وقت الإجابات الدسمة بشأن نظامه، والأهم بخصوص أسلحة الدمار الشامل التي أتينا إلى العراق من أجلها". لكن جواب صدام كان "السخرية منا" بكل بساطة: "لقد وجدتم خائناً دلّكم على صدام حسين، ألا يوجد خائن آخر يمكن أن يدلكم على مكان أسلحة الدمار الشامل؟". ثم يرفع وتيرة كلامه قائلاً "الأمريكيون كانوا مجموعة من الهمج الجهلة الذين لم يفهموا العراق وأصروا على تدميره"، مضيفاً "العراق ليس بلداً إرهابياً، ليس له علاقات مع أسامة بن لادن، ولا يمتلك أسلحة دمار شامل… ونحن لا نشكل خطراً على الدول المجاورة. ولكن الرئيس الأميركي (جورج بوش) اعتقد أن العراق يريد مهاجمة والده، واتهمنا بامتلاك السلاح". يصر صدام على هذا الرأي عند سؤاله عما إذا كان يخطط لمهاجمة الجنود الأميركيين في السعودية بأسلحة الدمار الشامل قائلاً "لم نفكر باستخدامها مطلقاً. كان ذلك خارج النقاش. استخدام الأسلحة الكيميائية ضدّ العالم؟ هل هناك أي شخص بقدرات كاملة يمكن أن يفكر بالقيام بذلك؟ ولماذا نستخدمها إذا لم يجر استخدامها ضدنا؟".خبير CIA ينشر مجريات التحقيق الأخير مع صدام حسين، حقائق لا نعرفها عن الرجل تكشف لأول مرة
مذكرات تعرض التحقيقات الأخيرة مع صدام حسين: كان رجلاً حاداً وسادياً.. ولكن صادقاً، على عكس كل ما روجه الأمريكان عنهلم يكن ذلك ما توقع نيسكون سماعه، يقول في كتابه، واصفاً الاعتراف الذي جرى في تلك القاعة "لم يكن ثمة رغبة للاستماع والفهم، ولا أستثني نفسي من ذلك أيضاً".