هنالك نكتة في ليبيا كثيرة الرواج هذه الأيام، تروي قصة امرأة ذهبت لخطبة فتاة لابنها الشاب، وحين سُئلت عن طبيعة عمله، قالت إنه يشتغل مقاتلاً في ميليشيا وينوي قريباً تأسيس ميليشيا لحسابه الخاص. هذه الدعابة السوداء تعبّر عن مجال جديد بات يُشغل عدداً كبيراً من الشباب العرب، في الدول التي تشقها الحروب الأهلية الطاحنة. هذه الحروب أفرزت عشرات الميلشيات والجماعات المسلحة ذات الخلفيات المختلفة، الإجرامية والجهادية والسياسية، لكنها تستثمر في مجال واحد هو الموت والترهيب. فقد تحولت هذه الميلشيات إلى بيئة يعيش فيها الكثير من الشباب في سوريا وليبيا والعراق، منها يكسب قوته ويستمد قوّته ويحمي نفسه من نظام الفوضى السائد. وتتشكل هذه الميليشيات على أسس دينية وطائفية أو على أسس سياسية، وكذلك يمكن أن تكون حرة الحركة والتوجه فتعمل لمن يمكن أن يدفع لها أكثر.
في المقابل، ليس سهلاً تأسيس مجموعة مسلحة. يستدعى الأمر كثيراً من المغامرات ومالاً وفيراً لتأمين رواتب المقاتلين ومصاريف تفرغهم للقيام بأبشع المهمات من قتل وخطف، ويحتاج أمراء الحرب سلاحاً ومعسكرات وقواعد، كي يمارسوا أعمال الموت على أكمل وجه. فما هي مصادر تمويل الميليشيا؟
1. الخطف والفدية
تعتبر عمليات الخطف المتبعة بالمطالبة بفدية مالية، من المصادر التقليدية والشائعة في تمويل أي ميليشيا، قديماً وحديثاً. فكلما ضاقت الحالة المادية لمجموعة مسلحة تعمد إلى الخطف ومقايضة حياة المخطوف بالمال من طرف عائلته أو تنظيمه أو بلده. ويتم اختيار شخصية الضحية بدقة، إذ يجب أن يكون ذا وزن سياسي أو من عائلة غنية, ويتم تفضيل الضحايا من جنس النساء والأطفال لسهولة اختطافهم أولاً وثانياً لأن وقع مثل هذه الحوادث عليهم وعلى عائلتهم أشد وأقسى. وقد اعتمدت الميليشيات في المنطقة العربية كثيراً على هذا النوع من التمويل. فخلال الحرب الأهلية اللبنانية انتشرت ظاهرة عمليات الخطف على الحواجز، والتي انته بعضها بدفع مبالغ مالية طائلة مقابل حرية الضحايا. كذلك اليوم في ليبيا تزدهر هذه الحرفة الإجرامية إذ تعيش الكثير من المجموعات المسلحة على الخطف والفدية من أجل تدبير أمورها المالية. والمؤسف أن بعض حالات الاختطاف تنتهي بقتل الضحايا، ومن بينهم أطفال، عندما يعجز الأهل عن دفع المال. والحال ليس أقل سواءً بالنسبة للمجموعات المسلحة ذات الخلفية الجهادية، والتي احترفت منذ وقت طويل هذه الطريقة في تمويل نشاطها. فقد حقق تنظيم الدولة الإسلامية مداخيل تقدر بنحو 45 مليون دولار خلال العام 2014، من الفديات التي يحصل عليها جراء عمليات الخطف.2. السطو المسلح
السطو المسلح على البنوك ومحال بيع الذهب من الأساليب الشائعة لتمويل أي مجموعة مسلحة. وهو من الطرق القديمة التي اعتمدت عليها حركات التحرر الوطني خلال النصف الأول من القرن الماضي في تمويل نشاطها من خلال استهداف مراكز مالية لقوات الاحتلال. ولعل أشهر العمليات، عملية "مكتب بريد وهران" التي نفذتها المنظمة السرية لحزب الشعب الجزائري لتمويل نشاطها، ضد مكتب بريد تابع لقوات الاستعمار الفرنسي في مدينة وهران ونفذها الرئيس الأسبق، أحمد بن بلة.جمع داعش 45 مليون$ خلال عام من الخطف فقط، وأكثر من 400 مليون من “الاحتطاب” أو السرقة.. أبرز مصادر تمويل الملشيات
نكتة اليوم: ذهبت امرأة لخطبة فتاة لابنها، وحين سئلت عن عمله قالت إنه يعمل مقاتلا في ميليشيا وينوي تأسيس ميليشيا خاصةوحاضراً، تزدهر هذه العمليات في ليبيا على نطاق واسع. إذ لا يكاد يمر أسبوع دون أن تنفذ إحدى الميليشيات عملية سطو مسلح ضد فرع بنكي أو عربة لنقل الأموال وكذلك محالّ بيع الذهب والمجوهرات. وتطلق الجماعات الجهادية على هذا النوع من التمويل اسم "الاحتطاب" وهو مصطلح فقهي يحاول تلطيف كلمة "سرقة". ففي العراق مثلاً تمكن تنظيم الدولة الإسلامية من "احتطاب" أكثر من 400 مليون دولار من خزائن فرع البنك المركزي العراقي بمدينة الموصل في حزيران 2014.
3. تجارة المخدرات
في أوقات الحروب والفوضى، تزدهر تجارة الممنوعات بأنواعها، وأكثرها شيوعاً المخدرات. لم تكن تجارة المخدرات أسلوباً شائعاً في تمويل نشاط الميلشيات في المنطقة العربية، وعلى العكس، فقد كانت أسلوباً يميز المجموعات المسلحة في أمريكا اللاتينية وأشهر القوات المسلحة الثورية الكولومبية. لكن منذ تسعينات القرن الماضي بدأت الجماعات الجهادية في شمال إفريقيا وجنوب الصحراء بالاهتمام بهذا القطاع ودخلت القاعدة في بلاد المغرب في مسالك تهريب وتوزيع السجائر والمخدرات لتمويل نشاطها المحلي، وفي أوروبا، وبرع في هذا القيادي الجهادي مختار بلمختار، المعروف بــ"السيد مالبورو". وتقدر الأمم المتحدة أن تجارة المخدرات الدولية تدر عائدات قدرها 322 مليار دولار سنوياً، مما يجعل تجارة المخدرات النشاط الأكثر ربحاً من بين جميع النشاطات غير المشروعة. وفي ليبيا أيضاً، تنشط الميليشيات في تجارة المخدرات والخمور، كون هذه الأخيرة ممنوعة بحكم القانون المحلي، ويوفر لها ذلك عائدات مالية طائلة.4. الارتزاق
يمكن أن تتحول الميليشيا إلى شركة مقاولات كلما ضاقت بها الحالة المادية، فتنتقل من العمل للحساب الخاص إلى العمل لحساب الغير كبندقية للإيجار مقابل المال، والميليشيات العربية ليست استثناءً. في لبنان وخلال سنوات الحرب الأهلية نفذت تنظيمات مسلحة لبنانية وفلسطينية مهمات قتل وخطف لصالح أنظمة عربية ولفائدة أجهزة استخبارات عربية وأجنبية وحتى إسرائيلية. إذ تشير الاتهامات مثلاً إلى أن مجموعة فلسطينية قامت في العام 1979 باختطاف المعارض السعودي المختفي، ناصر السعيد، لفائدة المخابرات السعودية. وكذلك الشأن بالنسبة لـ"مصطفى بن حليم"، رئيس الوزراء الليبي في العهد الملكي، الذي حاولت المخابرات الليبية اختطافه وترحيله من بيروت إلى طرابلس الغرب عبر مجموعة مسلحة تنتمي لتنظيم الجبهة الشعبية القيادة العامة في العام 1972، وفقاً لمذكراته المنشورة. وهذا الأسلوب من التمويل يحاط بالكثير من السرية لأنه يرتبط بأنظمة وبأجهزة رسمية. وقد نجح الصحافي البريطاني "باتريك سيل" في رسم ملامح أبرز شخصية لعبت دور "الميليشيوي المقاول" في كتابه "أبو نضال بندقية للإيجار" الذي يسرد حياة الفلسطيني "صبري البنا"، زعيم جماعة المجلس الثوري، التي كانت مختصة في مثل هذا النوع من الأعمال.5. بيع الأثار
تنام المنطقة العربية على ثروات أثرية عظيمة، لجهة عراقة الوجود البشري والحضاري فيها. لكن المؤسف أن الحروب التي تشق كثيراً من دولها باتت تلتهم البشر والحجر. فهذه الأثار أصبحت عرضةً للتدمير تحت طائلة الفتاوى الفقهية المتطرفة وفي متناول عصابات دولية. في سورية وليبيا والعراق، أصبحت مداخيل بيع الأثار من أهم مصادر تمويل الجماعات الجهادية. ففي العام الماضي كشفت "ايرينا بوكوفا"، مديرة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، اليونسكو، عن أن المواقع الأثرية في سوريا تنهب "على نطاق مذهل"، وإن عائدات بيع هذه الآثار المنهوبة تمول متطرفي تنظيم الدولة الاسلامية. وفي سبتمبر 2015، نشرت صحيفة لوموند الفرنسية Le Monde تحقيقاً استقصائياً حول الآثار الليبية ومصائرها في ظل الحرب الدائرة. وفيه، كشفت الصحافية "فلورنس إفين" عن "عدد من الحالات التي جرى فيها العثور على قطع أثرية ليبية في لندن وباريس وجنيف وإسرائيل". وفي السياق نفسه، تمكّنت السلطات الجزائرية في نيسان 2015، من إحباط عملية تهريب كبرى لآثار ليبية نحو المغرب. ومن بين الآثار المحجوزة، قناع بلغت قيمته المالية، حسب التحاليل المخبرية، نحو مليون دولار، بينما بلغت القيمة المالية لتمثال إله الشمس، الذي يعود إلى الحضارة الآسيوية القديمة، وآنية أثرية تحمل نقوشاً ذات دلالات مسيحية، نحو 4 مليارات دولار".6. تجارة البشر والأعضاء
تحقق تجارة البشر وبيع الأعضاء عائدات كبيرة للمجموعات المسلحة وبعضها يعتمد كلياً على هذا النوع من العمل في تمويل نشاطه. في العام الماضي، كشف تقرير لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة عن الأوضاع في ليبيا: " أنَّ الشبكات العابرة للحدود الوطنية التي تنظّم الاتجار بالبشر لها عناصر داخل الجماعات المسلّحة التي تسيطر على الأراضي على طول طرق التهريب. وتؤمّن الجماعات المسلّحة طرق الوصول وتأمين تلك العمليات لقاء مبلغ من المال، مشيراً إلى أن العمل في مجال الاتجار بالبشر يدرّ إيرادات كبيرة، ويُفرض على المهاجرين، ومعظمهم من غرب أفريقيا والقرن الأفريقي، دفع مبالغ من المال للمتاجرين في مراحل مختلفة من رحلتهم. ولفت إلى أن "مهاجرين استجوبوا في إيطاليا، قالوا إن الثمن الذي دفعوه في المرحلة الأخيرة من الرحلة وحدها، أي "العبور" بالقوارب، تراوح بين 800 و2000 دولار، حسب حال البحر ونوع السفينة وميناء المغادرة و"درجة السفر". وإذا كان كل مهاجر يدفع ما متوسطه 1200 دولار، فهذا يعني أن الجزء الأخير من سلسلة التهريب قد درّ زهاء 170 مليون دولار في عام 2014".7. الضرائب
لا تستطيع في ليبيا التمتع بالمصيف على شاطئ البحر إلا بعد أن تدفع 500 دينار (300 دولار) بسبب الضرائب العالية التي تفرضها الميليشيات المسلحة على المستثمرين في المصائف، مقابل ما تسميه حماية وتأمين. كما يخصص أصحاب محالّ سوق الذهب في طرابلس رواتب شهرية لأمراء الميليشيات مقابل أن يكفوا عنهم أذاهم وبنادقهم. أما في المناطق التي يسيطر عليها داعش في سورية والعراق فالأمر يبدو أكثر صعوبة. فالسياسة الضريبية التي تعتمدها داعش قاسية إلى أبعد الحدود. وفقاً لتقرير أعده معهد IHS المتخصص في النزاعات الدولية، نشر في أيار الماضي، فإن التنظيم "يفرض على المزارعين 46 دولاراً على كل هكتار يملكونه من الأراضي الزراعية سنوياً، و10% من إجمالي محصول القمح الذي يزرعونه أو أي محاصيل أخرى يتم بيعها في السوق المحلية. أما السائقون فيواجهون غرامة مالية قدرها 43 دولاراً إن لم تحمل مركباتهم رخصة من التنظيم. وإذا فشل السائق في اجتياز اختبار الثقافة الدينية عند كل حاجز أمني، فيجبر على دفع 20 دولاراً. وفي الرقة يفرض على المدخن دفع 25 دولاراً، وضعفها على من وُجد في بيته صحن لاقط. وإن رغب الشخص في مغادرة المدينة التي يقيم فيها، عليه دفع رسوم تصل إلى 800 دولار. كما فرض التنظيم ضريبة قدرها 25 ألف ليرة سورية على كل منزل بابه مفتوح أثناء مرور دورياتها في شوارع المدينة. وكذلك قام التنظيم بفرض ضريبة استثنائية على المسيحيين تسمى فقهياً بـ"الجزية" تساوي 13 غراماً من الذهب الخالص.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...