شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
أنا وصاحبات الاسم

أنا وصاحبات الاسم "ورد"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الخميس 15 ديسمبر 201609:08 م
يراودني خيال عن صاحبات هذا الاسم أن كل واحدة منهن تحمل صفات اسمها كاملة؛ الأريج العَطِر واللون الخاطف والشوك الرفيع الموجع، وبالأخص هؤلاء الوردات الثلاث اللاتي جسدتهن أعمال أدبية وفنية صحبتني في مراحل مختلفة من حياتي، تعاطفتُ معهن ولا أفتأ أذكرهن كلما مرت عليّ فتاة تحمل الاسم "وردة" أو "ورد".

ورد - أنا عشقت

انصَهَرَتْ في حبها تماماً، انصهرت حتى تجمَّدتْ... أحبَّت ورد "حسن" حتى تخلل الحب عروقها وأنسجتها وخلاياها العصبية، تلك الفتاة الهادئة الساكنة كمياه بحيرة أو عين مياه جوفية، يمكنك أن تستشف ما وراء فستانها المنقوش بكل ألوان الطيف والشال القطني الخفيف الملفوف حول رقبتها، تستشف ما وراءه من روح، لا من جسد... كانت تودِّع حسن إلى محطة القطار كلما أجبرته ظروف عمله "المجهول" على الرحيل، يأتيها أياماً معدودات ويتركها أشهر كُثُر لا تعرف له عنواناً ولا وجهة... قصة حب "ورد وحسن" تكاد تكون معروفة لدى كل رواد المقهى المجاور لمحطة القطار وعمال شباك التذاكر في المحطة وماسحي الأحذية على الرصيف، وربما لدى المسافرين الدائمين أيضاً. كان صباحاً ككل صباحات الوداع، غائم، بارد إلى حد ما، يحمل لسعة خفيفة أخيرة متبقية من برد الليلة الفائتة، يخلو الشارع إلا من قليل... رآها معظمهم تسير إلى جواره أحياناً وخلفه أحياناً حتى وصلا إلى المحطة، غادر هو وتجمَّدت هي... تجمَّدت لا بلاغة ولا مجازاً ولا كناية، تجمَّدت أي انصلب عودها الأخضر على المحطة منذ الصباح الباكر وحتى الليل المتأخر. تجمَّد الدم في عروق ورد وتحجَّرت الدمعة بين جفنيها، توقف سريان كل شيء في جسدها إلا النبض، عينان مفتوحتان... جسد واقف منتصب كأن الحياة تدب فيه أبداً، عينان شاخصتان تجاه القطر الذي انصرف كأنهما ما زالتا تريانه عبر مئات الكيلومترات، ونفس يصعد ويهبط... ليس هناك حياة، ولا موت! هناك فقط فتاة غائبة عن الوعي تماماً كأنما أغمي عليها وهي واقفة، لا ترى لا تسمع... بينما تتألم! ظلت ورد - بطلة رواية "أنا عشقت" لـ"محمد المنسي قنديل" على حالها متيبسة، نصف حية نصف ميتة، حتى بحث الناس عن حسن وأتوا به إليها، فكان بمثابة قبلة الحياة، أفاقت من سباتها وجمادها وسارت إلى جواره كأنما لم تتجمد على الرصيف أياماً، تشابكت أيديهما وتركا تساؤلات الناس خلفهما غير مكترثين بأحد.

ورد - صراع في النيل

هامشية الحضور إلى مدى بعيد، ظهرت على الشاشة في مشاهد معدودة لكنها لم تفارق خيالي طوال الأحداث، الفتاة الصعيدية التي يسافر حبيبها "محسب" ليشترى الوابور وتودعه هي واهبة إياه طاقية وسلسلة، مقتنيات صغيرة تذكره بها كلما نسيها، ما أن يضع يده على رأسه فيلمس الطاقية أو ينظر إلى صدره فيرى السلسلة، هكذا كانت خيالات ورد، لكن الحب خذلها حتى وإن لم تعلم هي بذلك الخذلان... بينما تتطور العلاقة بين محسب والراقصة (المرأة الثانية في الحكاية) أفكر أنا في ورد، ماذا عن ورد يا محسب، أهكذا ببساطة تضع يدك على رأسك ولا تتذكر، وتلمس صدرك بأصابعك ولا تنتفض من حضن تلك الأخرى! لم أدرك في خضم انفعالي أن ورد هي الأصل والبقاء وغضبتُ لأجلها وكرهتُ محسب... ثم تكشفت لي "ورد الأصلية" شيئاً فشيئاً... رأيتها تتلبسه كالعفريت، تتراجع وتختفي تماماً حين يظن الجميع أنها موجودة وأنها ستردعه، وحين لا تظهر وييأس الجميع من بقائها في قلبه تعود من جديد كأنها ما غابت عنه أبدًا... لم يستطع محسب نفسه حين أراد التخلص من ورد أن يفعل ذلك، كانت هي الأصل، ومتى كان الأصل في الأشياء بحاجة إلى إثبات وجود! الأصل هو الأصل، والذي تعرف به كل الصور المتكررة والخيالات، هو المرجع والمردّ، اللون اللبني صورة للأزرق الفاتح والكحلي صورة للأزرق الغامق، بينما الأزرق واضحٌ كنفسِه ليس كمثله شيء... هل سمعت أصلاً يدافع عن أصوليته! حتى الله، الإله الأكبر الذي خلقنا على صورته، أتى بالمعجزات ليس دليلاً على الوجود من عدمه لكنه دليل القدرة والفعل... الأصل فقط يوجد، وتلتف حوله كل الصور وتنسب نفسها إليه في محاولة بائسة مزرية لاكتساب الصفات. دافعت ورد عن وجودها دون أن تبذل لذلك عناءً ولا مجهود، هي كانت كما كانت، وحين تُرك محسب لنفسه لم يجد له نفساً غيرها، وحين عاد بـ"الوابور" لم يُقبِّل غير يديها ولم يلمس إلا حضنها...

وردة - ذئاب الجبل

هذه الوردة تحديداً مثلت فترة مراهقتي بقوة، ولخصت هواجسي تجاه حياتي العاطفية... مثلتني تلك الابنة الوحيدة لأسرة صعيدية، نصف المدللة نصف المُضطهدة بنظرات أقاربها في قلب الصعيد... أنا لم أطأ أرض الشمس ولم أعِش تحت سمائها لكن لهيب نارها وصلني إلى عقر داري في قلب القاهرة... طالما سمعت ذكورًا ذوي "شنبة" تقف عليها الصقور يقولون لأبي "كفاياها تعليم لحد كده هو فيه بت ف بلدنا غيرها واخدة الإعدادية!"، ثم سمعتهم بعد الثانوية العامة "هتدخلها الجامعة ياك؟ وتجيلك بعد سنة ولا اتنين تقولك الدكتور بتاعي بيحبني ورايدني وعايز يتجوزني؟ مش فاضل إلا كده"... لم تكن وردة شخصية انهزامية تتراجع أمام موجات غضب وتحفز الآخر، وكذلك لم أكن أنا... ولم يكن هروبها من بلدتها الصغيرة قرار فتاة ضعيفة لا حول لها ولا قوة، بل هو لم يكن هروبها هي من الأساس، كان هروب والدها الحاج بدار الذي وإن اعترفنا بفضله في رعاية قصة الحب، إلا أننا يجب أن نعترف أيضاً أنه لم يستطع مواجهة قبيلة، ولم يقو على الخروج على تقاليدهم، ولم يستطع حماية ابنته وهي بين يديه، فقرر الهرب... هروبها! كان إصرار ورد على النجاح هو إصراري أنا على النجاح، وحب ورد لزوجها هو حبي لحبيب منتظر أقاسمه قصة بدأتها في خيالي، حتى لحظات الحنين والضعف عشتها معها وإن لم يكن لي آنذاك ما اغتربتُ عنه حتى يتولد الحنين. أتذكر صاحبات "ورد" كلما مرت بي مُلمَّة من ملمات الأيام، أتذكر القوة المتنكرة في الضعف، والحسم المختزن للحظات الأخيرة حتى يستنفد الظلم أوجهه كاملة... أتذكر القدرة التي تتجلى في أوضح صورها حين يظن الآخرون أن لا مكان لها.
إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard