هل هناك علاقة بين الظروف السياسية والاقتصادية الصعبة التي يعيشها بلد ما، وبين رغبة شبابها في الهروب والانطلاق؟ سؤال سيجول بخاطركم إذا توجهتم لإحدى المكتبات المصرية، وألقيتم نظرة على الرفوف التي تحوي أحدث الكتب، أو تلك التي تحمل الكتب الأكثر مبيعاً. إذ ستجدون أمامكم عناوين عدة، كلها تدور في فلك أدب الرحلات، يجمع بينها أن مؤلفيها شباب، يروجون لثقافة السفر القليل التكاليف، ويرفعون شعار "أن تسافر بمفردك ذلك أفضل جداً".
مسافر الكنبة
لم يسمع غالبية المصريين عن مصطلح Couch Surfing، الذي يمثله الموقع العالمي الذي يحمل الاسم نفسه، والذي بات منصة يجتمع فيه عشاق السفر. وهو يستخدم لإيجاد شخص في بلد آخر يقبل باستضافته في منزله، وتوفير حتى ولو كنبة صغيرة يستطيع النوم عليها أثناء سفره، ليعيش مع عائلة محلية في البلد التي سيسافر إليها، ويوفّر المال الذي سيصرفه في الفندق. اختار الرحالة المصري عمرو بدوي (35 سنة) أن يترجم المصطلح إلى "مسافر الكنبة"، ليعني به أمرين، الأول أن تجد شخصاً يوفر لك كنبة أثناء سفرك، والثاني أنك أثناء قراءة الكتاب، تشعر أنك سافرت إلى بلد آخر، حتى وأنت جالس على كنبة في بيتك. يختصر كتاب عمرو بدوي مسافر الكنبة إلى إيران، الذي صدر مؤخراً ويحقق مبيعات معقولة في معظم المكتبات المصرية، رحلة قام بها بدوي إلى إيران واستمرت ثلاثة أسابيع. سار خلالها في غالبية شوارع أصفهان، والتقط الصور لمساجد طهران، وتوقف أمام تفاصيل عدة. دوّن الشاب المصري كل تفاصيل رحلته، في محاولة لنقل صورة مختلفة عن إيران، غير التي تروجها القنوات الإخبارية العربية. اهتم أكثر بالجانب الإنساني للبلد. ويتميز الكتاب بأن صاحبه عاش بين إيرانيين في بيوتهم، وشاهد بنفسه كيف يعيشون. وثق تناقضاً كبيراً في المجتمع الإيراني، منها مثلاً أن السلطات تحرم أن يرسم طلبة الفنون اشكالاً حية، ومع ذلك حضر الكاتب درساً خصوصياً، يعلم فيه مدرس الرسم طالباته تفاصيل رسم موديلات شبه عارية في مكان مغلق، بعيداً عن أعين شرطة الأخلاق الإيرانية. يوثق الكاتب كل خطوة خطاها في إيران، سعر كل وجبة تناولها، كل تذكرة لوسيلة مواصلات. وحين تقرأ الكتاب تصبح مجهزاً وبشكل حقيقي للسفر إلى إيران بمفردك. يتكون الكتاب من عشرين فصلاً، قسمها الكاتب إلى أيام، وجعل عناوينها أشبه بعناوين القصص القصيرة، مثل "عجباً.. لم يشيعني أحد"، و"ملحد.. لكن يأكل السكر حلالاً". ويبدو أن الشاب المصري العنيد، الذي اختار أن يسافر إلى إيران، وهي بلد تحتاج لموافقة من الجهات الأمنية في مصر قبل السفر إليها، مصمم على التغريد خارج السرب، إذ يجهز لجزء ثانٍ بعنوان مسافر الكنبة في أفغانستان.الإقامة في هوستيل
لظروف مجتمعية كان مفهوماً أن لا تختار شيرين عادل مؤلفة كتاب "هوستيل" طريقة الـCouch Surfing التي يفضلها عمرو بدوي. فالفتاة التي أصدرت كتابها مؤخراً، اختارت الهوستيل (نزل صغير بتكاليف قليلة)، لتنام فيه، بمفردها بعيداً عن الغرباء نهاية كل يوم، أثناء تجولها في ثلاث دول أوروبية هي سويسرا والسويد وإيطاليا. حكت عادل في كتابها عن كل ما قابلها في رحلتها، وقد ساعدها أسلوبها الأدبي القوي على إعطاء كتابها بعداً إنسانياً. وتضمن الكتاب أيضاً كمية كبيرة من المعلومات التاريخية، لكن تم صياغتها بأسلوب ممتع. غلاف الكتاب كان مباشراً جداً، خالياً من أي إبداع، صورة لفتاة تنظر للافتة مكتوب عليها هوستيل! غلاف مباشر جداً لا يعبر عن كتاب جيد به مجهود كبير. وكان الهوستيل موجوداً بقوة في خلفية الكتاب، مثل موسيقى تصويرية في فيلم. كتبت شيرين مبررة سبب اختيار هذا الاسم لكتابها: "في الهوستيل الكل غريب وقريب في الوقت نفسه. أنتَ تشارك غرفة نومك، وربما فراشك، مع شخص ليس فقط غريباً عنك، بل غريب عن بلدك ولغتك وعاداتك وعقيدتك. الشيء الوحيد المشترك بينكما أنكما بشر". حكت شيرين كل تفاصيل سفرها، واصفةً المدن التي تجولت فيها أثناء رحلتها، وأعطت للقراء نصائح مهمة حول كيفية التوفير أثناء السفر. في سويسرا زارت جنيف، مونترو، لوزان، ثم انتقلت إلى مدينة ستوكهولم في السويد. وفي إيطاليا تجولت في ميلانو، وفينيسيا، وروما، والفاتيكان، وكل مكان حطت فيه رحالها حكت عن تاريخه.استكشفوا العالم بأقل التكاليف عبر عيون 4 مصريين
"أوروبا بتوقيت إمبابة" و"مسافر الكنبة في إيران".. بدائل ممتعة بالعربية عن الدلائل السياحية الأجنبيةتخرجت شيرين عادل من كلية الحسابات والمعلومات، وسافرت إلى أكثر من 15 دولة فى أوروبا وآسيا والشرق الأوسط. صدر لها في مجال أدب الرحلات كتابان قبل هوستيل، واحد عن رحلتها إلى باريس بعنوان الأولة باريس، والآخر عن رحلة إلى الشام بعنوان الفيروزية.
أوروبا بتوقيت امبابة
إمبابة منطقة من أكثر المناطق الشعبية ازدحاماً في القاهرة الكبرى، ينتشر فيها الفقر والمرض والصخب. اختارها الكاتب الشاب محمود زكي نموذجاً مصغراً لمصر، في كتاب يحمل عنوان أوروبا بتوقيت إمبابة. يوثق فيه بأسلوب ساخر رحلته لبلاد عديدة فى أوروبا، مثل فرنسا وإسبانيا والفاتيكان وإيطاليا وموناكو وهولندا وسويسرا واليونان. مقدمة الكتاب أرادت أن تبين لماذا اختار الكاتب الأسلوب الساخر لكتابه، فيقول إن الإنترنت وفر للناس كل المعلومات التي يحتاجون إليها حين يتعلق الأمر بالسفر والسياحة، لذلك أراد أن يقدم شكلاً مختلفاً لأدب الرحلات، يجعل كتابه مختلفاً عن كل المنشور على الإنترنت. غلاف الكتاب ساخر أيضاً، يبين ماذا لو كانت أهم مزارات العالم السياحية موجودة في مصر، بين الحواري الشعبية الضيقة والباعة الجائلين، وتم وضع اسم الكاتب في إطار يشبه طابع البريد. نجح الكتاب في المقارنة بين أوضاع مصر وتعاملها مع السياحة والسياح، وبين تعامل دول متقدمة أخرى مع الأمر نفسه. ومثل الكتب السابقة، قدم زكي دليلاً بالخطوات للسفر الاقتصادي، وأوضح للناس كيف يسافرون إلى عدة دول بأقل التكاليف. حاول زكي في كتابه أن يجمع بين العامية والفصحى، في محاولة للوصول لجيل جديد من الشباب، ويبدو من التعليقات على صفحة الكتاب على موقع غودريدز أنه نجح في ذلك.يا مسافر وحدك.. وفايتني
في كتابها الذي صدر مؤخراً بعنوان "يا مسافر وحدك"، تحاول الكاتبة إيمان الأمير أن تصنع لنفسها اسماً في عالم أدب الرحلات الشبابي الجديد. لم يختلف الكتاب في الشكل والمضمون عن الكتب السابقة. أسلوب بسيط ومميز، ترسيخ لثقافة السفر القليل التكاليف، ولكن بفارق بسيط، أن الكاتبة كان لديها في الماضي أفكار مسبقة عن حرمان الفتاة من السفر بمفردها إلى بلاد غريبة، لكن اعتبرت الأمير في ما بعد أن قناعاتها لم تكن سليمة، وأن السفر متعة حقيقية تستحق أن يخوضها كل إنسان بشكل عام، وكل فتاة بشكل خاص، لتعيد ترتيب أفكارها، وتتصالح مع أفكار جديدة. يحكي الكتاب عن مكان واحد، باريس. جمعت الكاتبة في "يا مسافر وحدك" حكايات أناس قابلتهم أثناء سفرها إلى عاصمة النور. وظهرت نفحة صوفية في صفحات الكتاب، من خلال اقتباس فقرات من كتاب "قواعد العشق الأربعون" لإليف شافاق، الذي كانت تقرأه الكاتبة أثناء رحلتها. تؤكد الأمير في كتابها أكثر من مرة، أن السفر فرصة لإعادة اكتشاف الذات، وأن معرفة أناس جدد متعة حقيقية تستحق منك أن تحزم حقائبك وتهرب إليها. تقول الكاتبة في مقدمة الكتاب: "كثيراً ما فكرت في السفر وحدي، تملكني الخوف كلما جالت الفكرة بخاطري. خوف لم أعهده من قبل، يختال أمام عيني ثم ينزوي. تيسرت أمور السفر فجأة لتبدأ الرحلة دون أي مقدمات. أدركت أنه حان وقت خوض التجربة، أعيد اكتشاف علاقتي بنفسي، أتصالح معها، وأتعلم أن أسافر برفقتها".رابطة "الرحالة المصريون"!
ما سبق كان مجرد نماذج من أسلوب كتابة جديد انتشر في مصر، والانتشار الكبير لهذا النوع من الكتب، جعل مؤلفيها يقررون جمع أنفسهم في كيان واحد لتبادل الخبرات. فخرجت رابطتهم "الرحالة المصريون"، والتي يقيمون من خلالها ندوات في مكتبات ومراكز ثقافية، بهدف نشر ثقافة السفر القليل التكاليف بين الشباب المصريين. ويحلمون بأن تصبح رابطتهم "أكبر تجمع لخبراء السفر والترحال وكتّاب أدب الرحلات".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 4 أيامرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ 5 أياممقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ اسبوعينخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين