شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
أيّها الشعب السوري العظيم: هذا خطاب الهزيمة

أيّها الشعب السوري العظيم: هذا خطاب الهزيمة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الاثنين 12 ديسمبر 201606:22 م
أيها الشعب السوري العظيم، أخاطبك اليوم ونحن على مشارف أكبر هزيمة في تاريخنا، وأقول لك ما يجب قوله لا ما نحب أن نسمع، هزيمة بات من اللازم الاعتراف بها الآن، كي نعرف جميعاً ماذا نحن فاعلون. شعبي العظيم، من لم يدرك الهزيمة حتى اليوم، لن يدركها أبداً، ولن يتعلم منها أبداً. أخاطبك وأنا منك، أعيش ما تعيش وأشعر بما تشعر، وأموت مثلما تموت، يائس ومحطم وربما غير قابل للتعافي مجدداً. أيها الشعب السوري العظيم، إنني اعتذر لك، وقع الكلمة مهول، نعم لقد هزمنا، ومن الشجاعة والرجولة الاعتراف بذلك الآن، قبل أن يضيع القليل الذي لا يزال بين أيدينا، وألفت نظرك يا شعبي وأنت خير العالمين بالحال، بأننا لم نهزم في المعارك وبين البنادق، هزيمتنا كان مبكرة جداً، وعميقة في أنفسنا وليس على الجبهات، هزيمتنا الحقيقة كانت فينا، في عقولنا وأخلاقنا وأهدافنا ونوايانا. أيها الشعب السوري العظيم، ليس لأن حلب في طريقها للرحيل وقد ذاقت كل سبل الموت، وليس لأن حمص ثُكلت منذ عامين، وليس لأن درعا وحيدة وبعيدة، وليس لأن دمشق تختنق وتودع ريفها في حافلات الهجرة القسرية، وليس لأن الرقة أسيرة من لا نملك تعريفاً واضحاَ له حتى الساعة. وليس لأن القبور في كل شارع وزقاق وغرفة، ليس لكل ما سبق أعلن لك الهزيمة اليوم، بل لأننا يا شعبي، نحن من هزمنا أنفسنا. أيها الشعب السوري العظيم، كنا طوال ست سنوات خلت، أشرس أعدائنا وأكثرهم فتكاً بنا، نحن فقط كنا البندقية التي وجهناها نحو أصداغنا، وسقطنا، طفلاً وراء طفل، رجلاً وراء رجل، امرأة إثر امرأة، مقاتلاً إثر مقاتل، حلماً إثر حلم، وأملاً إثر أمل. أيها الشعب السوري العظيم، إنني أرجو منك أن لا تصدق أحداً بعد الآن، بالذات، لا تصدق السوريين من جديد. فالجميع يكذب عليك على الشاشات، وفي المؤتمرات، وفي الساحات والميادين، وساحات الوغى وساحات الكر والفر، جميعهم كاذبون، وجميعهم لم يفكروا بك إلا كخسائر محتملة في صراع لا يراد له نهاية قريبة. لقد هَزَمنا من ضمن ما هَزَمنا، اقتصاد العنف واقتصاد الإغاثة واقتصاد الموت، هزمتنا معامل الأسلحة في شمال روسيا وغرب أمريكا وجنوب أوروبا، لكن أيضاً هزمنا جهلُنا وتسرعنا وثقتنا اللامحدودة بأنفسنا، تفردنا الذي صار أنانية قاتلة بدلاً من أن يكون وسيلتنا لتوحد أكبر، هزمتنا نجاتنا الفردية التي أوصلت مليوناً منا إلى أوروبا وأربعة ملايين إلى دول الجوار، ومليوناً إلى القبور. هزمنا بعضنا بعضاً وجسدنا، هزمتنا نفوسنا التي أمرتنا بالأسوأ، وكنا لها طائعين.
شعبي العظيم، إنني أرجو منك أن لا تصدق أحدا بعد الآن، بالذات، لا تصدق السوريين من جديد، فالجميع يكذب عليك على الشاشات
لم تتداع أعضاؤنا سهراً لعضونا المريض، بل كالت له الطعن بعد الطعن، حتى انتقلت العلة لكل جسدنا وتهالك. يا شعبي العظيم، بيانات الاستسلام تكتب بحبر جاف ورديء، قليلة هي الكلمات التي تستر عورة الهزيمة فيها، وكثيرة تلك التي تقطر بدم الشهداء غير مبالية بهم. رفع الجميع الرايات البيضاء، وأعلنوا البحث عن طريق آمن إلى أي مكان بعيداً عن الوطن، توقفت المعركة فور بدئها، ولم يعد أحد يريد النصر بقدر ما يطلب الهزيمة، لقد حفرنا قبوراً لم تعد تتسع لنا. شعبي، أنت تعلم أكثر مني كم هي هزيمتنا كبيرة ومدوية، أنت تعيشها كل يوم وكل لحظة، هي فيك، في وجهك، في حركات أصابعك كل يوم، في حنينك واغترابك ودمك. أنت فقط تحتاج إلى من يخرج الهزيمة منك، من يساعدك على الاعتراف بها، كي تكون قادراً على البدء من جديد. شعبي العظيم، هزيمتنا لا تعني انتصار أعدائنا، فقد هزمنا جميعاً، ومخطئ من يظن أنه انتصر في هذه المطحنة التي لم ينجُ من أنيابها أحد. أيها الشعب السوري العظيم، لم تكن مخطئاً، كنت حالماً جداً فقط، لكنك بتّ غيرك، غيرت جلدك، ولون عينيك، بات ما تريد متناقضاً معك، غريباً عنك لا يشبهك، فسقطت، وبت شعوباً وقبائل وفصائل وطوائف، لا لتعارفوا، بل ليطحن بعضكم بعضاً، انقسمت حتى التفتت واختلفت حتى التشظي. أيها الشعب السوري العظيم، وداعاً، لقد قاتلت وهربت، لقد دافعت وهاجمت وضحيت وهربت وانسحبت، وقتلت نفسك، كنت نيراناً صديقة، وما من أحد ليواري الجثة الآن، فادفن نفسك بنفسك. أيها الشعب السوري العظيم، أعلم أنك ستقوم وأنت أكثر قوة بحكمة الحرب، بنفوذها، بوقعها المدوي، بألمها الذي لا شفاء منه، كن قوياً بعد الهزيمة، ولا تسقط تماماً، ولا تفاوض تماماً، وإحمِ أطفالك منك. لن تموت أيها الشعب العظيم، لا يوجد شعب قاتل حتى الموت، ولا يوجد شعب قادر على الانتحار، كل محاولاتك من أجل ذلك فشلت، هي وعكة لا بد منها، تعامل مع الأمر الآن، تأهب. يا شعبي العظيم، غطِّ قبور الشهداء، اسقها، وأرمِ ورداً في البحر، قبّل الأرض، وأرفع رأسك نحو السماء، لقد انتهت المعركة.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image