فلسفة السُكر عند العرب قبل الإسلام
الأربعاء 7 ديسمبر 201605:12 م
كانت الخمر حاضرة في حياة العرب قبل الإسلام وقد وظفّوها فلسفياً وفقاً لمعطيات البيئة الفكرية التي عاشوا فيها.
وتتناول الدكتورة بادية حسين حيدر موضوع الخمر في رسالتها الجامعية "الخمر في الحياة الجاهلية وفي الشعر الجاهلي" والتي حصلت بها على درجة الماجستير في الجامعة الأمريكية بالقاهرة.
لم يكن تعاطي العرب للمشروبات المسكرة في الجاهلية يقتصر على الخمر المستورد، وخمر التجار من يهود ونصارى وأعاجم، بل صنع العرب خمرهم بأنفسهم.
فقد تعددت خمورهم وتنوعت موادها، فكانت لهم خمور من التمر أطلقوا عليها اسم الفُضيح، ومن العسل وهي البِتع، ومن الذرة والشعير وهي المِزر، كما كانت لهم مشروبات من القمح ومن بعض النباتات الموجودة في الجزيرة كالسُكب. وفضّل العرب الخمر من الأعناب على غيرها من المشروبات وخصوها باسم الخمر، وأطلقوا على سائر المشروبات اسم النبيذ تمييزاً لها.
أنواع الخمر
تعددت أنواع الخمور عند العرب قبل الإسلام بحسب مصادرها، فمن الخمور الشامية أذرعات والأندرين وبُصرى وبنات مشيع وبيت رأس وجذر وصرخد ومآب ومقد، ومن الخمور العراقية بابل وبانقيا والخص والصليفية وصريفون، ومن الخمور الفلسطينية بيسان والفلسطية وخمر لُد، ومن الخمور الفارسية خمر خِسروشاه والفارسية وجيلان، ومن خمور حوض الفرات خمر الحيرة وخمر عانة.

الحانات وأماكن البيع
كان ارتياد الحانات وأمكنة بيع الخمور أمراً شائعاً بين عرب الجاهلية، إذ كانت جامعة لمختلف ضروب اللهو، وقد كثرت هذه الحانات في الحواضر كمكة والطائف ويثرب والحيرة، وقد وصُفت بإسهاب في الشعر، واختلفت أسباب الراحة والرفاهية فيها باختلاف روادها ومنزلتهم الاجتماعية، فالحانوت بيت يفوح المسك من حجراته تارة، والحوانيت هي بيوت الرخام تارة أخرى، أو هي كعبات مربعة الشكل فيها الفرش المزينة بالنقوش تضيئها سُرج، وهي أحياناً مُترفة إلى حد بعيد تزدان بالرياحين وأنواع الأزهار الفارسية مستعيرة طريقة الفرس في الشراب وطريقتهم في الطرب.اقتران اللذة بالهروب من الموت
الخوف من الموت وما يعنيه من مصير مجهول كان سبباً رئيسياً في إقبال العرب على شرب الخمر التي مثلّت لديهم موقف التعلق بالحياة، وقد تجلى هذا الموقف بأوضح معانيه في مباشرة لذات الحياة الحسية كملجأ وملاذ من الشعور المطبق بالعجز البشري أمام فكرة الموت في مجتمع لم يبلغ درجة البناء الفلسفي لقضية الوجود. وكانت الشيخوخة تشعر العربي القديم بالعجز، وبأنه يمشي إلى ذلك المصير المجهول بخطوات بطيئة ثابتة، ولهذا شكل الحنين إلى الشباب وتداعي ذكرياته وسيلة للهروب، وكانت اللذات، وفي طليعتها الخمر، إحدى محطات انسياب الذاكرة واستعادة مآثر الشباب، وملاذاً من القلق والعجز وسلاحاً نفسياً مريحاً للتغلب على فكرة الموت والشيخوخة والمصير المجهول الماثل في خيال البدوي.
المنتحرون بالخمر
لم تكن الخمر وسيلة للهروب من فكرة الموت فقط وإنما كانت أيضاً وسيلة لبلوغه، فقد أقدم أربعة من سادة العرب وأشرافهم على شرب الخمر صِرفاً حتى الموت لأسباب مختلفة، منها عجزهم من احتمال نتائج الإخلال بالنظام الخلقي العربي كمخالفة كبير القوم والتطاول عليه والوقوع في المحرمات.زهير بن جناب بن هبل رأس قضاعة
فلسفة السُكر عند العرب قبل الإسلام... ما بين الانتحار بشرب الخمر والهروب بلذته من مطاردة الموتكان من بين السادة الأربعة المنتحرين، وكان سيداً مطاعاً شريفاً في قومه، إلا أن ابن أخيه خالفه ولم يمتثل لحكمه فحزن وشرب الخمر صرِفاً حتى مات، وقال "شر الناس للرجل ابن أخيه".