شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
المطلب الأول لـ

المطلب الأول لـ"قصار القامة" في العالم العربي: توقفوا عن تسميتنا "أقزاماً"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 12 ديسمبر 201608:18 م
"الطول هيبة والقصر خيبة"، و"الطويلة تقضي حاجتها والقصيرة تنادي صاحبتها". أمثال شعبية عديدة تنتشر في عالمنا العربي تميّز بشكل واضح بين قصار القامة والطوال. بالنسبة للكثيرين، قد يكون النظر إلى قصير القامة بشيء من الشفقة أحياناً، والتعجب والذهول في أحيان أخرى أمراً عادياً، لكن تخيّلوا ما تتركه هذه النظرة من أثر على الأشخاص المعنيين. قصار القامة يجمعون على مطلب واحد وبسيط، هو عدم الانتقاص من إنسانيتهم ومعاملتهم من دون تمييز.

قصار قامة لا أقزام

بالرغم من أن "القزم" لغوياً مصطلح صحيح، إلا أن اللفظ يعتبره الكثيرون إهانة، لما يحمله  من معانٍ أخرى غير محببة، كالتصغير أو التحقير. هذا ما يؤكده محمد عيدان، رئيس جمعية قصير لرعاية قصار القامة بالعراق. وقال لرصيف22: "أرفض الحديث مع أي شخص يصف قصار القامة بالأقزام، لأن اللفظ في حد ذاته إهانة، كما هو متبع في مجتمعاتنا العربية". وأضاف عيدان أن "قصار القامة أفراد مسالمون في المجتمعات العربية، ويعيشون غالباً بعيداً عن الأضواء بسبب التمييز المجتمعي تارةً أو بسبب تمييز الأهل في أطوار أخرى". مشكلات قصار القامة في العراق هي نفسها في كل الدول العربية، كمشكلات في التأخر في سن الزواج، وعدم توفر فرص العمل المناسبة، بحسب عيدان. الذي أضاف: "لكن قصار القامة في العراق استطاعوا وسط كل الظروف والتحديات، أن يكون لهم صوت، وقد أقر قانون 38 لسنة 2013، وكان لحقوق قصار القامة ذكر فيه بشكل صريح لأول مرة". عيدان يرفع دائما شعار "الإنسان جوهر لا مظهر"، ويرى أن "القصير" يمكن أن يكون صاحب شخصية قيادية، مستغلاً بذلك أنه محط أنظار المحيطين به. ويؤكد: "عشت حياتي بشكل طبيعي في غالبية الأحيان، ودرست في مدارس طبيعية، وتخرجت من جامعة بغداد، وعضو في مجلس إدارة هيئة ذوي الإعاقة في العراق ولدي ابنة".

السخرية هي المشكلة الأصعب

إضافة إلى المشكلات المجتمعية التي تواجه قصار القامة في مجتمعاتنا العربية، وعدم تهيئة المواصلات العامة والشوارع لهم، إلا أن السخرية تبقى أكثر إيلاماً لهم كما أكدوا جميعاً. سفروت، 28 عاماً، شاب مصري قصير القامة لا يتعدى طوله 130 سم. أكد لرصيف22: "التعليقات الساخرة التي أسمعها في الشارع، من قبيل "ماما فين وسيباك في الشارع ليه يا حبيبي"، وغيره من التعليقات، كانت في البداية تحزنني لكنني الآن تعودت وأحاول أن أتغلب على السخرية بالضحك". سفروت لم يجد وظيفة ملائمة له إلا العمل "كساعي" في أحد مكاتب المحاماة. دفعته السخرية إلى ترك وظيفته، كما كانت سابقاً السبب المباشر في تخليه مبكراً عن التعليم. وهو حال الكثيرين من قصار القامة، الذين يفضلون التخلي عن التعليم لتفادي السخرية من أقرانهم. وبالرغم من وجود نسبة لتعيين ذوي الاحتياجات الخاصة في الوظائف وفقاً للقانون المصري، إلا أن "قصار القامة" لا يندرجون تحت هذه النسبة. [caption id="attachment_83866" align="alignnone" width="350"]ليلى2ليلى2 ليلى أحنيش[/caption] تقول ليلى أحنيش، مغربية 26 سنة: "همنا واحد ومعاناتنا واحدة، لا يوجد أي اهتمام، وحتى إن وجدت جمعيات كما في الجزائر ومصر مثلاً، فكل أنشطتها تقتصر على جوانب ترفيهية فقط. لا يوجد دعم حقيقي لقصار القامة على الإطلاق، ونعاني معاناة شديدة من التهميش". تعاني هذه الفئة أيضاً من مشكلة عدم القدرة على توفير السكن المناسب. يقول الجزائري فيصل بن سنوسي لرصيف22: "لا يوجد اهتمام حكومي بقصار القامة في الجزائر، على الرغم من وجود جمعية لرعاية قصار القامة في ولاية سيدي بلعباس، إلا أنها محلية وليست حكومية، وأعضاؤها أنفسهم يعانون من التهميش داخل الجزائر".

مشكلات نفسية

قليلون من قصار القامة ربما لا تزعجهم عبارات السخرية التي يتعرضون لها بشكل مستفز في الشارع، لكن كثيرين منهم يعانون أزمات جراء ذلك. وهو ما يتحدث عنه السعودي أحمد عبد العزيز (26 عاماً) الملقب بـ"أحمد القصير". قال أحمد لرصيف22: "أعمل في محل بقالة، لكنني في معظم الأحيان لا أستطيع الخروج من المنزل بسبب عبارات الاستهزاء التي أتعرض لها يومياً، فالجميع يتعامل معي على أنني طفل صغير لا رجل ناضج، فطولي 128 سم، وهذا ما يسبب لي ألماً كبيراً، حتى أنني أتمنى أن تكون هناك عمليات لتطويل القامة".
"لا الطول هيبة ولا القصر خيبة"... مشاكل "قصار القامة" في العالم العربي
"ماما فين وسيباك في الشارع ليه يا حبيبي" نموذج من التعليقات الساخرة التي يسمعها قصار القامة في العالم العربي!
وأضاف: "حاولت أكثر من مرة أن أكوّن أسرة، وتقدمت بالفعل للزواج بعدد من الفتيات، لكن في كل مرة يقابل طلبي بالرفض، ما جعلني أزهد بالحياة بكل ما فيها وألتزم بيتي ولا أخرج منه كثيراً".

تحدٍ وإصرار

على النقيض تماماً من أحمد القصير، يرى مصطفى النمساوي (26 سنة، مصري)، أن الحياة يجب أن تعاش بطولها وعرضها. مضيفاً: "أصبح الناس يحكمون على المظهر فقط، وخصوصاً في ما يخص قصار القامة، الذين يصبحون مادة للتندر والسخرية بمجرد ظهورهم في الشارع، إلا أن كل إنسان قادر على خلق مساحة من الثقة لنفسه، وفرض شخصيته على الآخرين، فقصير القامة يجب أن يمشي في نصف الشارع وليس إلى جانب الحائط، كما يفعل الكثيرون". [caption id="attachment_83869" align="alignnone" width="700"]مصطفى-النمساوي-4مصطفى-النمساوي-4 مصطفى النمساوي[/caption] ويوافقه الرأي الإماراتي عادل البلوشي (25 عاماً)، ويقول:"على الرغم من أن مشكلات قصار القامة في الوطن العربي لا تجد أي دعم، لكن وعي الأسرة واحتضانها ربما يشكلان فارقاً كبيراً في تكوين شخصية ابنها". وتحت اسم "قصيرات القامة ملكات على عرش الفتنة"، أسست المغربية سلوى سوزي (28 عاماً) مجموعة للتعارف بين قصار القامة على فيسبوك. وقالت سوزي لرصيف22: "هناك صعوبات كثيرة تواجه قصار القامة في ما يتعلق باختيار شريك العمر، وربما تكون المجموعة فرصة جيدة للتعارف في ما بينهم، أنا شخصياً تقدم لي أكثر من شخص، معظمهم ليسوا من قصار القامة". وبالرغم من أن قصار القامة يتم إسناد أدوار ثانوية لهم في الأعمال الدرامية، إلا أن بعضهم قرر أن يكون الفن طريقة للتعبير عن مشكلات الفئة المنتمي إليها، وهو بالفعل ما يقوم به الممثل العراقي عدي عباس (40 عاماً). فقد ألف وأنتج عدداً من المسرحيات التي تعبر عن حال قصار القامة. وقال عباس لرصيف22، "تغلبت على كثير من المشكلات التي تواجهني، لكن بقيت مشكلة واحدة هي أن المخرجين يتعاملون بمحدودية مع الأدوار التي يمكن أن يقوم بها قصار القامة، وأنا أرفض هذه الفكرة، لأني ممثل مثل طوال القامة، ولا أبالغ إن قلت ربما أفضل". [caption id="attachment_83864" align="alignnone" width="700"]عدي-عباسعدي-عباس عدي عباس[/caption] يشاركه في هذا الرأي محمد صالح، نائب رئيس جمعية قصار القامة في العراق، وهو ممثل أيضاً. وفي مدينة الإسكندرية المصرية أسس عصام شحاته رئيس جمعية الأقزام المصرية مصنعاً لإنتاج ملابس قصار القامة، يديره هو ويشرف عليه ويعمل فيه قصار قامة ويعتبر الأول من نوعه في منطقة الشرق الأوسط. قال شحاته: "قصار القامة مصطلح لا يطلق علينا في مصر، يطلقون علينا "أقزام"، بالرغم من عدم إنسانية هذا اللفظ على الإطلاق، وبالرغم من مشكلاتنا العديدة التي نواجهها بداية من السخرية وصولاً إلى قلة فرص العمل، إلا أن عدم وجود خطوط إنتاج خاصة لملابس قصار القامة، جعلنا نفكر في إنشاء مصنع خاص لإنتاج ملابسنا، وفي البداية كان التمويل ذاتياً ثم ساندتنا إحدى جمعيات رجال الأعمال فترة قصيرة".

كيفية الإدماج

وعن حال قصار القامة وكيفية الإدماج في المجتمع، تقول إيفون الزعفراني، الناشطة الحقوقية: "قصار القامة يعانون من نظرة المجتمع الساخرة منهم، ما يدفعهم للبعد عنه وتجمعهم معاً، ليشعروا بالمساواة في ما بينهم". وتابعت: "هم يحتاجون لقوانين تحفظ حقوقهم ويتم تنفيذها وليست مجرد حبر على ورق كالعادة، كما يحتاجون لإعادة تثقيف المجتمع عنهم ومعاملتهم على أنهم مواطنون من الدرجة الأولى. ويجب إعادة تثقيفهم أيضاً عن حقوقهم وواجباتهم وكيفية تعاملهم داخل المجتمع، وجزء كبير من تشكيل هذا الوعي يقع على عاتق الإعلام".
إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard