يدعو العديد من النظم السياسية في منطقة الشرق الأوسط إلى تحديد أو تنظيم النسل، كل حسب مفهومه، وذلك من أجل درء المخاطر الاقتصادية المترتبة على الزيادة السكانية في ظل الاقتصاديات التي تعاني في أساسها من التدهور وتراجع النمو، لكن يشذ عن هذه القاعدة ثلاثة نظم سياسية في المنطقة، هي إيران وتركيا وإسرائيل.
في تركيا، تلقى الزيادة الطبيعية في عدد السكان تشجيعاً من الدولة، بل مطالبات رسمية من قبل الحكومة بضرورة زيادة النسل. ففي نهاية مايو من العام الجاري، طالب الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، النساء المسلمات بعدم تحديد النسل، وضرورة أن يتوقفن عن استخدام وسائل تنظيم النسل، مطالباً الأسرة التركية ألا تنجب أقل من 3 أطفال، وفي عام 2013، أثناء حضوره حفل زفاف، طالب أردوغان أن تنجب المرأة التركية 4 أو 5 أطفال على الأقل، وأضاف أن من ينجب طفلاً واحداً، فهو مفلس.
تصريحات أردوغان الخاصة بضرورة عدم تحديد أو تنظيم النسل، والتي تعتبر غيض من فيض تصريحاته، لا تبتعد كثيراً عن مناشدات الجانب الإيراني للشعب بضرورة الإكثار من الإنجاب، ففي عام 2010، قال رئيس الجمهورية آنذاك، محمود أحمدي نجاد، إن تعداد سكان إيران ليس كبيراً بحيث نوعز بتحديد النسل، وأضاف أن أطروحات تحديد النسل ليست من أفكار المسلمين وإنما هي من معتنقي الأفكار المادية الذين لا يؤمنون بأن الله هو الرزاق.
وفي مايو 2014، أشارت وكالة مهر الإيرانية إلى أن المرشد الإيراني علي خامنئي، أبلغ مجمع تشخيص مصلحة النظام، بأن السياسة السكانية يجب أن تعتمد على حيوية ونشاط شريحة الشباب مع زيادة معدل الإنجاب، وتذليل العقبات أمام الزواج وتسهيل تكوين العوائل وزيادة الأولاد وتقليل سن الزواج ودعم الأسر الشابة لتوفير مستلزمات الحياة.
وفي سبتمبر 2016، عاد المرشد الإيراني وكرر نفس الاستراتيجية السكانية، وطرحها على مجمع تشخيص مصلحة النظام، مشدداً على ضرورة تشجيع الزواج وزيادة الإنجاب حتى يكون المجتمع الإيراني مجتمعاً شاباً.
في إسرائيل قد يكون الوضع مختلفاً بعض الشيء نظراً لطبيعة النظام السياسي، وطبيعة التحديات الديموغرافية والأمنية، لكن من يقوم بدور الزعيم المناشد بزيادة النسل هناك، هي الدراسات والأبحاث والتقارير الصادرة عن المؤسسات الأمنية والسياسية والإحصائية، والتي حذرت غالباً من تباطؤ النمو السكاني بين الأوساط اليهودية مقارنة بنظيرتها العربية، على مدار السنوات الماضية، سواء بين العرب داخل الخط الأخضر، أو الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو ما يشكل تهديداً استراتيجياً مستقبلياً بالنسبة لإسرائيل خوفاً من تحول العرب إلى أغلبية هناك مقارنة باليهود.
ويبدو أن هذه السياسة نجحت. فقد أشارت إحصائية صادرة عن مكتب الإحصاء المركزي في إسرائيل، ونشرتها القناة الثانية الإسرائيلية بتاريخ 15/11/2016 إلى أنه للمرة الأولى منذ قيام الدولة، أصبح معدل الخصوبة والإنجاب لدى المرأة اليهودية عام 2015 متساوياً مع معدل الخصوبة والإنجاب لدى المرأة العربية، بواقع 3.13 طفل.
وكان متوسط عدد الأطفال الذين تنجبهم المرأة اليهودية طول حياتها، حتى بداية عام 2000 قد بلغ 2.6 طفل، في مقابل 4.3 طفل للمرأة العربية.
مؤشر الزيادة السكانية
في آخر إحصاء تركي لمعدل الزيادة السكانية، أشارت دائرة الإحصاء التركية إلى أن تعداد السكان، شهد زيادة قدرها 1 مليون و45 ألف و149 نسمة، مقارنة بعام 2014. وأوضحت دائرة الإحصاء أن تعداد سكان تركيا مع مطلع عام 2015 بلغ نحو 78 مليون و741 ألف و53 نسمة. وفي ما يتعلق بمعدل الزيادة السكانية، بلغ المعدل عام 2015 نحو 13.4 لكل ألف، مقارنة بـ 13.3 في عام 2014. ولفتت دائرة الإحصاء إلى أن نسبة المواطنين الذين تراوح أعمارهم ما بين 15 و 64 والقادرين على العمل وصلت إلى 67.8% فيما وصل عدد الذين تراوح أعمارهم بين 0 - 14 عاماً إلى 24%. وفي ما يتعلق بالزيادة السكانية في إيران، يشير موقع البنك الدولي إلى أن معدل الزيادة الطبيعية خلال عام 2015 بلغ نحو 1.23%. وتشير ساعة تعداد السكان العالمي إلى أن عدد سكان إيران وصل إلى 83,218,288 خلال نوفمبر 2016. وفي ما يتعلق بالجانب الإسرائيلي، تشير إحصائيات البنك الدولي إلى أن معدل الزيادة الطبيعية للسكان عام 2015 بلغ نحو 1.98%. وتلفت صحيفة هآرتس العبرية إلى أن عدد سكان إسرائيل بنهاية 2015 بلغ 8 ملايين و412 ألف نسمة، نسبة اليهود من بينهم 74.9% ونسبة السكان العرب 20.7%. ويقول البروفسور سيرجيو دلا فرغولا، الخبير الإحصائي بالجامعة العبرية في القدس، إنه خلال العام الماضي، ازداد عدد اليهود في الدولة بمعدل 1.9%، بما في ذلك الزيادة الطبيعية والهجرة الوافدة، بينما زاد عدد العرب بـنسبة 2.2%.أسباب الرغبة في الزيادة السكانية
تتعد الأسباب الكامنة وراء رغبة كل طرف من الأطراف في الزيادة السكانية، فعلى الصعيد الإيراني، يقول الباحث في الشؤون الإيرانية بمركز الخليج العربي للدراسات الأيرانية، أحمد فاروق، لـ"رصيف 22" إن السبب هو المخاوف الإيديولوجية التي تسيطر على النظام، ورغبته في توطيد أسس النظام. وأوضح فاروق أنه في تقرير أعدته الأمم المتحدة عام 2010 حول السكان في العالم، قالت إنه في حال استمرت معدلات الإنجاب على ما هو عليه الآن في إيران، فإن عدد سكان إيران سيبدأ بالهبوط خلال العقدين القادمين، وسيتقلص أكثر من النصف، ومن المتوقع أن ينخفض إلى ما دون 31 مليون نسمة بحلول عام 2100. وتابع أن السبب في انخفاض هذه المعدلات كان حرص الحكومة في السابق أو النظام بأكمله على اتباع سياسات تحديد النسل وتوفير وسائل منع الحمل للحد من أعداد المواليد، بالإضافة إلى العامل الاقتصادي حيث ارتفاع نسب البطالة والفقر، وتخوف الأسر الإيرانية من الإنجاب بسبب عدم القدرة على توفير أسباب المعيشة، بجانب زيادة أعداد الوفيات في ظل انتشار الأمراض المعدية والمزمنة بسبب تلوث الهواء والماء في إيران وخاصة طهران. وأوضح أن النظام أصابه الخوف من هذه السياسات، فبدأ بتغيير مواقفه خوفاً من ظهور بدايات لسقوطه التي تتمثل في انخفاض معدل السكان، فبدأ بخطة لزيادة عددهم. وفي إحصاء أجري عام 2011، تجاوز عدد أتباع المذهب السني المليون شخص في إقليم طهران، أي أصبحت نسبة السنة في طهران نحو 10%، ما آثار القلق لدى بعض المسؤولين. وتشير الباحثة الإيرانية بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، منى موسوي، إلى أن النظام الإيراني لديه هاجس من تزايد عدد السكان السنة في إيران وتحولهم في المستقبل إلى أغلبية، وأوضحت أن معدل الزيادة السكانية لدى السكان السنة بلغت نحو 7% مقابل 1 – 1.3% لدى السكان الشيعة. وبيّن فاروق أن النظام يحتاج إلى الشباب لتسيير أهدافه الداخلية والخارجية، إذ يعتمد عليهم في الحروب الخارجية وفي القوات الداخلية التي تواجه الاضطرابات والموجات الاعتراضية. أما على الصعيد التركي، فتتمثل الرغبة في زيادة عدد السكان كهدف للتغلب على معضلة تحول الشعب التركي إلى دولة من العجائز بحلول عام 2075. وبحسب إحصائية صادرة عن دائرة الإحصاء في تركيا، ونشرتها صحيفة "زمان" التركية،ـ فإن تعداد سكان تركيا سيصل عام 2050 إلى 93 مليوناً و476 ألف نسمة، وبعدها سيبدأ تعداد السكان في الانخفاص ليصبح عام 2075، 89 مليوناً و172 ألف نسمة. وتقول إحصائية صادرة عن دائرة الإحصاء في تركيا، نشرتها صحيفة "ديلي صباح" و"زمان التركيتان" إنه في عام 1980، كانت نسبة الشباب (ما بين عمر 15-29 عاماً) في تركيا حوالي 20% ثم انخفضت إلى 17% عام 2010، وإلى 16% عام 2015، والملاحظ أن نسبة الشباب بين السكان آخذة في التقلص، وستصل إلى 11.7% مع حلول عام 2050، وستنخفض بشكل حادّ إلى ما دون 10.1% في عام 2075. وهو ما يعني تحول الدولة التركية إلى دولة هرمة. أما أسباب الجانب الإسرائيلي فتكشفها الإحصائيات الصادرة عن المكتب المركزي الإسرائيلي للإحصاء، والتي كشفت أن عدد سكان إسرائيل 8.4 ملايين نسمة، شاملة الهجرة القادمة من الخارج، من بينهم 6.3 مليون نسمة من اليهود و1.75 مليون نسمة من العرب مسلمين ومسيحيين يتألفون من فلسطينيين بقوا في إسرائيل بعد قيامها عام 1948. لكن هذه الصورة يمكن أن تتبدل، بحسب وكالة "رويترز" للأنباء، عندما يتم ضم عدد سكان الضفة الغربية والقدس الشرقية، البالغ 2.79 مليون، وقطاع غزة الذي يبلغ عدد سكانه 1.76 مليون. وإذا أضيف إليهم 1.75 مليون عربي يعيشون في إسرائيل يكون عدد السكان المنحدرين من أصل فلسطيني في إسرائيل والمناطق الفلسطينية 6.3 ملايين نسمة وهو نفس عدد اليهود تقريباً.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...