مع إشراقة شمس كل صباح، يتوجه طلاب مدارس قطاع غزة الحدودية، المحاذية لحدود الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، إلى مدارسهم، طالبين العلم رغم قربها من قوات الاحتلال الإسرائيلي. ومع أنهم يتعرضون يومياً للخوف والقلق، بسبب تحركات الآليات العسكرية الإسرائيلية، وإطلاق القذائف المدفعية، بدون سابق إنذار على الأراضي الزراعية المحاذية لمدارسهم، يواصلون مسيرتهم الدراسية ويتفوقون، لأنهم يعتبرون شهادتهم العلمية السلاح الوحيد الذي يواجهون به عدوهم.
فطلاب تلك المدارس الحدودية، وعلى الرغم من الظروف المحيطة بهم، يحصلون على أعلى الدرجات، وهناك مدارس لا تبعد عن الحدود سوى كيلومتر واحد، ومدارس أخرى، ليس لها سور خارجي، ولا زجاج للنوافذ، نتيجة إطلاق الاحتلال القذائف المدفعية.
ميادة أبو داوود (17 عاماً) تدرس الثانوية العامة، في مدرسة شهداء خزاعة للبنات، الواقعة بالقرب من الشريط الحدودي، الذي يفصل بين شرق مدينة خان يونس والحدود الإسرائيلية. تصل ميادة إلى مدرستها بصعوبة، نظراً لعدم تمكن السيارات من الوصول لهذه الأماكن، بسبب قربها من الحدود.
وقالت ميادة لرصيف22: "لقد تعودت متابعة دراستي أولاً بأول، حتى أستطيع أن أعوض ما فاتني، أنا أسكن في المنطقة الحدودية، ومدرستي حدودية، ولكن الاحتلال ينتهك حقنا في التعليم ولا يعترف بحرمة المدارس، فيطلق النار ويتحرك بالدبابات المخيفة، ونحن على مقاعد الدراسة".
وتضيف: "نسمع بشكل يومي تحركات الدبابات والآليات العسكرية، التابعة لقوات الاحتلال، أثناء قيامهم بعمليات تمشيط أو تدريبات عسكرية. ما يقلل تركيزينا وانتباهنا في الفصل، ولكنني لا أهتم بذلك".
تؤكد ميادة أنه على الرغم من الضغوط التي تعرضت لها العام الماضي، تفوقت وحصلت على معدل 99.5% في الصف الحادي عشر. وهي تصر على الحصول على المعدل نفسه في الثانوية العامة هذا العام، لتكون من عداد الأوائل على مستوى الوطن.
في حين يقول عبد الرحمن حميد (16 عاماً)، الذي يدرس في مدرسة شهداء خانيونس الثانوية للبنين، القريبة من الحدود الإسرائيلية: "مدارسنا قريبة من قوات الاحتلال، وتتعرض بشكل مستمر للاعتداءات، وأخرها كان قصف السور الخلفي بقذيفة مدفعية، قبل عدة أسابيع"."استمرارنا بالتعلم يزعج الاحتلال الإسرائيلي ونحن نريد أن نزيد هذا الإزعاج" يقول طالب إحدى المدارس على الحدود بين غزة وإسرائيلويضيف: "صحيح أن ما يقوم به الاحتلال يؤثر علينا نوعاً ما، ولكنه لا يمنعنا من مواصلة دراستنا. وعلى الرغم من كل ما نتعرض له، نتفوق بدراستنا، ونحصد أعلى الدرجات. كما نشارك بمسابقات علمية وثقافية، بالإضافة إلى تنظيم أنشطة ترفيهية داخل المدرسة. استمرارنا بالتعلم يزعج الاحتلال الإسرائيلي ونحن نريد أن نزيد هذا الإزعاج". وقال الأستاذ أحمد غنام، أحد المعلمين في مدرسة شهداء خزاعة، إن استمرار إطلاق النار من الآليات العسكرية الإسرائيلية، يولد لدى الطلبة الضغوط النفسية وحالة من الرعب المستمر، والخوف والقلق، ما يؤدي إلى عدم التركيز في الدراسة في بعض الأحيان. وأضاف لرصيف22: "كثيراً ما تجتاز الآليات العسكرية الإسرائيلية الحدود وتطلق أعيرتها النارية على كلّ من يتحرك في المنطقة، من مزارعين ومواطنين وطلبة، وهذا بدوره يؤدي أيضاً إلى التشويش على العملية التعليمية. لكن الطلاب يتميزون رغم ذلك، ونحن نساعدهم من خلال تقديم البرامج التوعوية، والفقرات الترفيهية، والمسابقات الثقافية وتوزيع الجوائز، لنساعدهم من الخروج من الواقع المؤلم الذي يعيشونه. وقالت الأستاذة ميساء العمصي، مديرة مدرسة شهداء خزاعة الثانوية للبنات: "اقتراب مدرستنا من الحدود يؤثر على صحة الطالبات"، وأوضحت أن مظاهر العدوان على المدارس متعددة، فهناك تحطيم زجاج النوافذ، وإتلاف خزانات المياه وإصابة الطلبة بحالات الخوف الشديد والذعر والهلع، ما يؤثر سلباً على سير اليوم الدراسي. وأوضحت العمصي أنه في حال قيام الاحتلال بإطلاق نار، أو عمليات عسكرية على الحدود بالقرب من المدرسة، يجري تأمين الطالبات في المدرسة كحل أولي، وفي حال ازدياد حجم الخطر، يتم إخراجهن على شكل مجموعات منظمة، بحسب مكان إقامتهن، وذلك للحفاظ على سلامتهن. وفي هذه الحالة تحتاج إدارة المدرسة إلى نحو خمس دقائق لمغادرة جميع طالبات المدرسة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...