"سكسولوجي تتمنى لكم حياةً سعيدة"... هكذا تختم صفحة سكسولوجي Sexology منشوراتها المختصة بعلم الجنس على موقع فيسبوك، لتبدأ عاصفة من التعليقات والمناقشات والهجوم العنيف الذي صار من علامات الصفحة المميزة.
في 21 نوفمبر الجاري، تحتفل سكسولوجي بعيد ميلادها الثاني. عامان استطاعت خلالهما أن تقلب موازين التعاطي مع شؤون الجنس، وأن تجذب متابعين مخلصين من شتى أنحاء العالم، كما استطاعت مقالاتها المكتوبة، بلغة وقفت بالضبط بين الرصانة الأكاديمية والسلاسة العابرة للعقليات كافة، أن تصبح مرجعية يُعتدّ بها.
انطلقت سكسولوجي بتعاون بين الطبيب المصري أحمد منصور، والباحث محمد الجلالي، الذي يعرّف نفسه بأنه مهتم بعلم النفس والفلسفة وعلم الجنس، بجانب دراسته للقانون. كانت البذرة الأولى للصفحة منشورات خاصة بمؤسسيها، هدفا منها إلى اختراق منطقة التابوه، ومكافحة "خزعبلات" بعض الأطباء في البرامج الحوارية، والمواقع الطبية التي اختارت الانصياع لرؤى المجتمع وتقاليده على حساب الدقة العلمية. وقال أحمد منصور لرصيف22 إن الأطباء في مصر يخضعون لمظلة اجتماعية معيّنة تفرض عليهم تقديم محتوى مبتور أو مشوه علميّاً خلال حديثهم عن الجنس. وضرب مثلاً بطبيبة تقدم برنامجاً شهيراً حذَّرت فيه من العادة السرية، وباركت ختان الإناث، وطبيب آخر أقرَّ بأن المثلية الجنسية مرض يستلزم العلاج. من جانبه، قال محمد الجلالي لرصيف22 إنه بعد تعرُّفه إلى شريكه قررا إطلاق صفحة سكسولوجي، وهو مصطلح يعني "علم الجنس"، لتقديم محتوى جاد يترجم آخر ما توصل إليه العلم، لوقف مدّ الأفكار البدائية والمتخلفة التي تشيع في العالم العربي عامة، ومصر خاصة، دون انحياز إلى فكر أو أيديولوجية بعينها. وعقّب أحمد منصور: "بعد وصول سكسولوجي إلى آلاف المتابعين، وانتشار مقالاتها عن أضرار الختان، وفوائد العادة السرية لكونها نشاطاً طبيعياً، تراجعت تلك الطبيبة الشهيرة - وغيرها - عن آرائها السابقة المغلوطة، ونحن نعتبر هذا أعظم انتصار لمبادرتنا. لقد فرضنا كلمة العلم". نقطة البداية
التفاعل الخفي
تحظى سكسولوجي بأغرب تفاعل على الإطلاق. فبرغم وجود 215 ألف متابع منتظم لمنشوراتها، إلا أن عدد مَن سجّلوا إعجابهم بالصفحة لا يتجاوز 71 ألفاً، ويبقى عشرات الآلاف يراقبون في صمت خشية ظهور تفاعلهم في أوساط المقربين. وتُعدّ الفتيات والسيدات الأكثر تفاعلاً وتجاوباً مع الصفحة، ويفسر مؤسساها هذا بأن المرأة هي الأكثر جهلاً بالجنس في عالمنا العربي، والأكثر تهميشاً وإقصاءً، ما يجعلها أشد تعطشاً للمعرفة. أمَّا النصف الثاني من التفاعل فهو لشباب صدمتهم معلومات جديدة تناقض ما سمعوه في جلسات النميمة، أو ما رأوه في الأفلام الإباحية، فيستدعون أصدقاءهم لمطالعة المنشور مع الكثير من التعليقات الضاحكة.سكسولوجي: صفحة علمية على فيسبوك قلبت كل الموازين في ترجمة "علم الجنس" في العالم العربي
العادة السرية والمثلية الجنسية والسن المناسبة لممارسة الجنس وغيرها من المواضيع على صفحة سكسولوجي المصريةومن جانب آخر، يطال سكسولوجي هجوم كاسح من ذوي المرجعيات الدينية، والذين انتقدوا محتواها باعتباره تشجيعاً على الرذائل، إلا أن سياسة الصفحة في وضع المصادر العلمية في آخر كل مقال عزز مصداقيتها، فأصبحت مرجعاً للصفحات العلمية الأخرى، والمنظمات والمبادرات، خاصة الحقوقية والنسوية. وكانت مواضيع مثل الختان "للجنسين"، والعادة السرية، والمثلية الجنسية، والجنس الشرجي، والسن المناسبة لممارسة الجنس، هي الأكثر إثارة للجدل، كما أثارت مقالات "الجنس الخارجي" حرباً كاملة على الصفحة، كونها ممارسة لا يمكن كشفها، وتلقت سكسولوجي عشرات البلاغات التي تسببت في فقدان منشوراتها، ما استدعى إنشاء موقع بتبرعات الأعضاء. وروى منصور: "تلقينا تهديدات شرسة بغلق الصفحة وتعقبنا وسجننا، كما عرض علينا أحد الأشخاص مبلغاً كبيراً من المال مقابل مسح محتوانا كاملاً والتوقف عن النشر". ورغم هذا تحظى سكسولوجي بمتابعة غير عادية من جميع أنحاء العالم، ويمتلئ صندوق رسائلها بنحو 14 ألف رسالة لم يُرد عليها بعد، وتتصدر مصر والعراق والسعودية قائمة الأعلى قراءة، تليها الدول العربية الأخرى، بجانب نسبة كبيرة من المتابعين تأتي من كندا وأميركا وفرنسا وإسرائيل، وجزر القمر ودول إفريقية أخرى، بل حتى البرازيل.
رياح التغيير
تحظى موضوعات التكنيكات غير التقليدية لممارسة الجنس بمشاهدات مرتفعة على سكسولوجي، إذ تكشف أفقاً غير متوقع لآلاف الأفراد الذين تربوا على أن الجنس هو فعل الإيلاج فقط، غافلين عن عدد غير محدود من الممارسات الممتعة بعيداً عن الشكل التقليدي للعلاقة. وقال أحمد منصور: "الإيلاج فعل أحادي لا يستغرق فترةً طويلة، لكن جهل الرجل بالتقنيات الجنسية من مداعبات ووضعيات، وسيناريوهات متعددة للممارسة، يجعله يختزل علاقة كاملة في دقائق معدودة، وبالتالي يضطر لإجبار جسده على الصمود فترة أطول باستعمال المنشطات الجنسية، ما يقود إلى العديد من الآثار الجانبية ليس أقلها الضعف الجنسي". ويعلق الجلالي قائلاً: "توفر مقالات التكنيكات الجنسية فرصاً ذهبية لتجديد علاقة الشريكين، وخلق حالة عاطفية لا تختزل الجنس في طقوس تتم في الوقت نفسه، والملابس نفسها، والحركات والإيقاع نفسهما.".سكسولوجي في مجتمع مشوَّه جنسياً
يتحدث مؤسسا سكسولوجي عن التحديات التي تواجه مشروعهما في مجتمع تشوهت نظرته للجنس، فيقول الجلالي إن عدم التواصل بين الجنسين أهم أسباب هذا التشوّه، ويبدأ حين نفصلهما منذ الصغر، ونربّي فيهما أن وجودهما معاً في مكان واحد غرضه "شيء ما". كما نعاني من النظرة البدائية للفراش باعتباره حلبة للصراع، ثم قلة المصارحة والثقة، وافتقاد مساحة التواصل الآمن بين الطرفين للتعبير عن رغباتهما واحتياجاتهما. ويعقب منصور بأن العلاقات الجنسية في مصر تواجه مشكلاتٍ عميقة، فالمتزوجون يُقابلون بضغوط اجتماعية تحوّل الجنس إلى وظيفة سينتج عنها "كائن ما"، كما يعانون الملل كونهم لا يعرفون الكثير عن الجنس، فتختزل العلاقة في سيناريو مكرر، له موعده وطقوسه الثابتة. أمَّا المشكلة الثالثة فهي تجاوز فكرة الجنس كحالة عاطفية بين شريكي حياة، وتحويله إلى سلاح يستعمله الطرفان بشكلٍ مؤذٍ، فالاغتصاب الزوجي سلاح في يد الرجل، والابتزاز الجنسي سلاح في يد المرأة. وعن أزمات غير المتزوجين يقول الجلالي: "الشارع المصري يتقبل المتحرش بشكل أكثر إيجابية وتسامحاً من شخصين عاقلين يمارسان الجنس بكامل إرادتيهما. كما تشكل الرغبة في الحفاظ على البكارة عائقاً لا يستهان به، وكذلك عدم توافر الظروف المناسبة. كما أن القانون المصري يمنع الجنس خارج إطار معيّن هو الزواج، وغير هذا يعتبره فعلاً مُجرَّماً بالقانون في حالات معينة، ومُجرَّماً بالعرف في جميع الأحوال".النساء في مجتمع سكسولوجي الموازي
خلقت سكسولوجي مجتمعاً بديلاً في "غروب" سري على فيسبوك، تضم إليه متابعيها الموثوق بهم، لترعى تواصلاً ناضجاً بين نصفي المجتمع، والذين انفتحوا في التحدث عن الجنس بصورة صريحة راقية، لتخلق تجربة لا مثيل لها على الإطلاق. وفي هذا المجتمع تبرز الإناث كقوة موجهة ومؤثرة، فهنّ الأكثر دعماً للمبادرة، ولا يتحرجن من التعبير عن آرائهنّ، ويشاركن معلوماتهنّ مع شركائهن ليستكشفوا عالماً جديداً، أو يجربن ما لم يسبق لهن المرور به. وقال الجلالي: "المعرفة التي حصلت عليها المرأة من سكسولوجي كفيلة بتغيير موازين المجتمع، فالمعرفة قوة، والمرأة التي تملك المعرفة الكاملة بجسدها، والجرأة لتطلب من شريكها إمتاعها بشكل معيّن، أو التوقف عن فعل يؤذيها، لن تجد حرجاً في الوقوف أمامه إذا ما حاول الإضرار بحياتها العملية والاجتماعية، ولن تتردد في مطالبته بحقوقها، وستكون ندّاً له بشكلٍ صحي يقضي على أشكال التمييز ضدها، وربما لهذا السبب حوربت سكسولوجي بضراوة".سكسولوجي والمثليون جنسيّاً
تهدف سكسولوجي إلى إزالة الوصمة الاجتماعية المُلاحِقة للمثليين، والادعاء بأن تركهم يعيشون في سلام سيساعد على زيادة أعدادهم. يقول الجلالي: "نسبة المثليين لا تزيد على 10% في أي مجتمع، لكنها تزداد إلى حدود كارثية في المجتمعات المنغلقة، إذ يفرغ الشخص شهوته مع شركاء من الجنس نفسه لأنهم المتاحون، وهذا ما يوصف بـ"التأثيرات البيئية على تغيّر التوجه الجنسي"، وهو أمر قد رُصد علميّاً بين الحيوانات أيضاً". كما قدمت سكسولوجي شرحاً لحالة "اضطراب الهوية الجنسية"، وأتاحت لمتابعيها فرصة التواصل مع إحدى المتحولات جنسيّاً، ليسألوها عن حياتها، ومراحل تحولها من ذكرٍ إلى أنثى بشكلٍ قانوني، في تجربة نادرة.شراكات مثمرة
مع سعيها لأن تصبح مؤسسة على أرض الواقع، لها صلاحيات واتصالات بمؤسسات طبية علاجية، في التخصصات المتصلة بالجنس، عقدت سكسولوجي شراكة مع مؤسسة طبية نفسية تقدّم خدماتها عبر الإنترنت، ومعترف بها من الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية. وبموجب هذه الشراكة أصبح بإمكان متابعي سكسولوجي استخدام كود خاص، يقدم لهم خصماً بنسبة 50% عند الاستشارة النفسية، لتنتقل استفادتهم من الصفحة إلى مستوى آخر. وقد وفّرت شراكة سكسولوجي الأخيرة مزيداً من الثقل لمحتواها، بعد اعتراف العديد من المنظمات العلمية والإعلامية بها على نطاقٍ أوسع.تجربة حياتية ولغوية
رغم أنه يؤخذ على سكسولوجي عدم عنايتها باللغة العربية، فإنها خلقت قاموسها اللغوي الخاص، وأثرت المحتوى العربي لعلم الجنس بمصطلحات لم تُعرف قبل وجودها، وصارت كلمات مثل: ديرتي تووك، وفيتيش، والجنس السادومازوشي، والفوربلاي شائعة الاستخدام، كما تغيرت نظرة قطاع عريض من الشباب إلى كلمة "علاقة" بدلالاتها السلبية الرائجة مجتمعيّاً. ويتوقّع مؤسسا الصفحة نجاحاً لافتاً خلال سنوات قليلة، وإلى ذلك الحين ستبقى سكسولوجي "تتمنى لمتابعيها حياةً سعيدة".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ أسبوعمقال رائع فعلا وواقعي