شكّلت الجامعتان الأمريكيتان في القاهرة وبيروت، على مدى عقود، حلماً للعديد من الطلبة في مختلف أرجاء المنطقة. فكانتا ولم تزلا تعطيان مظهراً اجتماعياً مرموقاً لحاملي شهاداتهما. بالإضافة إلى أن بعض إعلانات الوظائف كانت تُذيل بجملة: يُفضّل خريجو الجامعة الأمريكية.
كانت هاتان الجامعتان المصدر الوحيد لسنوات مديدة، للتعليم الخاص، أو المصدر الذي يمكن من خلاله الاطلاع على ثقافة الغرب والتعلم باستخدام أساليب حديثة.
اليوم، بعد افتتاح العديد من الجامعات الخاصة في شتى بلدان المنطقة، وسفر عدد كبير من الطلبة والطالبات للدراسة في الخارج، ودخول التعليم الذاتي أيضاً حلبة المنافسة، هل تستمر الجامعات الأمريكية في المنطقة قبلة الدارسين الطامحين للتميز، وبوابة للوظائف المرموقة داخل المنطقة وخارجها؟
تاريخ الجامعتين: في القاهرة للرجال وفي بيروت للتبشير
تأسست الجامعة الأمريكية في القاهرة عام 1919، على يد تشارلز واتسون، الذي أراد إنشاء جامعة ومدرسة ثانوية تدرس باللغة الإنجليزية، وترتكز على معايير عالية، للمشاركة والمعرفة، وتساهم في تنمية الفكر، وفروع المعرفة، وشخصية قادة مصر والمنطقة. وكانت الجامعة للذكور فقط حتى عام 1928. أما الجامعة الأمريكية في بيروت فأنشأتها عام 1866 الحملاتُ التبشيرية الأمريكية في سوريا ولبنان. وفتحت أبوابها للطلاب في العام نفسه تحت اسم "الكلية السورية البروتستانتية"، لـ16 طالباً، ثم تم تغيير الاسم ليصبح الجامعة الأمريكية في بيروت عام 1920. اعترف بها كمؤسسة خاصة للتعليم العالي، بكلياتها القائمة كافة، عام 1961. وقد لعبت دوراً مهماً في تخريج مفكرين وأصحاب رأي، ساهموا في تشكيل السنوات التي تلت في العالم العربي. [caption id="attachment_99656" align="alignnone" width="700"] المصلّى الكنسي في الجامعة الأمريكية لبيروت[/caption] يقول الدكتور ساري حنفي، رئيس قسم العلوم الاجتماعية والدراسات الإعلامية في الجامعة: "لعبت الجامعة دوراً مهماً (قبل 1970) في انتاج مفكرين نقديين، ومصلحين وقوميين يتواصلون مع المجتمع، ويعالجون الأمور الحرجة، في تخصصات كالتاريخ العربي والوحدة العربية." تخرج من الجامعة مثلاً، ميشال عفلق، مؤسس الفكر القومي العربي، وعمل أنطون سعادة مؤسس الفكر القومي السوري أستاذاً فيها. وبحلول الثمانينات، خف التأثير في الجدل المجتمعي وملفاته الساخنة، ثم زاد الطلب على المهندسين والأطباء، بحسب حنفي. ويضيف: "تحول التركيز إلى إدارة الأعمال والطب والهندسة، وقل الإقبال على التخصصات مثل التاريخ والفلسفة والآثار ودراسات الشرق الأوسط"، فتخرجت منها مهندسة العمارة العراقية، زها حديد مثلاً. [caption id="attachment_99659" align="alignnone" width="700"] معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية، من تصميم زها حديد[/caption]في قلب القاهرة، وعلى ساحل المتوسط
للجامعة الأمريكية في القاهرة حرمان، الأول والأقدم بالتحرير في منطقة وسط البلد، والآخر في ضاحية التجمع الخامس على أطراف القاهرة، على مساحة 260 فداناً. تتضمن الجامعة 13 مركزاً بحثياً، ومعدة لاستقبال ذوي الاحتياجات الخاصة. ويقدر عدد المحاضرين في جامعة القاهرة نحو 54،376% من المصريين، و25% من الولايات المتحدة، و%21 من بقية أنحاء العالم. تم كذلك التوسع في التعليم في الجامعة، ليشمل تقريباً 40,000 طالب في كل مراحل التعليم الجامعي والدراسات العليا. وجرى تقسيم البرامج التي تدرس في الجامعة عام 1993 إلى ثلاثة أقسام رئيسية: الإنسانيات، العلوم الاجتماعية، العلوم والهندسة، وإدارة الأعمال والاقتصاد والاتصالات. أما الجامعة الأمريكية في بيروت، فتقع في منطقة رأس بيروت، على حوالي 240 ألف متر مربع. تشرف على البحر المتوسط، وتضم 64 مبنىً، وأماكن للرياضة، وشاطئاً خاصاً ومحمية للطيور، بالإضافة إلى منطقة غنية بالأشجار ومتحف للآثار، وآخر لتاريخ الطبيعة.بعض إعلانات الوظائف كانت تُذيل بجملة: "يُفضّل خريجو الجامعة الأمريكية"... ماذا عن حال هذه الجامعات اليوم؟
هل ما زالت الجامعات الأمريكية بوابة للوظائف المرموقة داخل المنطقة وخارجها؟تقدم الجامعة أكثر من 135 برنامجاً للدراسة الجامعية والماجستير والدكتوراه. وتتضمن الجامعة ست كليات: علوم الزراعة والغذاء، الآداب والعلوم، الهندسة والمعمار، العلوم الصحية، الطب التي تضم كلية رفيق الحريري للتمريض، وكلية سليمان عليان لإدارة الأعمال. وقد أصبحت مكاناً للتعليم المشترك عام 1922، وتضم 800 محاضر و8000 طالب، وتمثل الإناث 50% من طلاب الدراسة الجامعية و66% من طلاب الدراسات العليا.
ما هي القيمة المضافة التي تقدمها؟
تقول الدكتورة هالة محتسب، مساعد وكيل الشؤون الأكاديمية بالإنابة في الجامعة الأمريكية في بيروت لرصيف22: "يقصد الطلاب هذه الجامعة لجودة برامجها التعليمية وتنوع تخصصاتها، وفرصة الاحتكاك بطلاب من ثقافات أخرى، إذ يشكل الطلبة الأجانب 21% من طلابها". يأتي هؤلاء الطلاب بحسب محتسب، من دول متعددة للدراسة في الجامعة مثل الدانمارك، وألمانيا، وفرنسا، وسوريا، وفلسطين، وأفغانستان، وأندونيسيا، واليابان، ونيجريا... القيمة المضافة للجامعة الأمريكية في القاهرة، بحسب الدكتور إيهاب عبد الرحمن، نائب المدير الأكاديمي للأبحاث في الجامعة، هي ربط الدراسة بالمهارات المطلوبة للحياة، لذا خريجو الجامعة متميزون بقدرتهم على الإبداع والتواصل، وحل المشكلات. وتقول أمنية عياد، خريجة الجامعة الأمريكية في القاهرة: "أعتقد أن الجامعة تظل الأفضل داخل مصر، فتكون اختياراً لمن لا يريد لأولاده السفر للدراسة في الخارج". وتضيف أن تعليمها في هذه الجامعة أهّلها لاستكمال دراساتها العليا في المملكة المتحدة، فتعلمت أن يكون لها دائماً رأيها المستقل والذي يعارض في كثير من الأحيان رأي المحاضر أو الكتاب. كما أن الأنشطة داخل الجامعة مثل المسرح وجريدة الجامعة ونموذج الجامعة العربية وغيرها، تعتبر مميزة جداً وتبني الشخصية المستقلة وتصنع القادة.ما المقابل المادي لهذه القيمة المضافة؟
تعد نفقات الدراسة في الجامعتين عاملاً مهماً في اختيار الالتحاق بأي منهما، فتقدر مصروفات الجامعة الأمريكية في القاهرة بنحو 36 ألف دولار سنوياً، في حال انتظم الطلاب في 15 وحدة محتسبة (Credit) . أما مصروفات الجامعة الأمريكية في بيروت، فتراوح بين (556 – 669 دولاراً أمريكياً) للوحدة المحتسبة Credit. ويأخذ الطلبة عادةً 15 مادة في العام، وهي مصروفات يعلم من يعيش في المنطقة أنها ليست بالمبلغ اليسير، خصوصاً بعد الربيع العربي، وانعكاسه على اقتصاديات دول عدة. يقول الدكتور سليم كنعان، مدير مكتب القبول والمساعدات المالية في الجامعة الأمريكية في بيروت إن البيانات تشير إلى انخفاض عدد الطلبة العرب المسجلين بعد الربيع العربي، باستثناء الطلبة الفلسطينيين في الغالب، بسبب المنح الخاصة التي تقدم لهم من الجهات المانحة المختلفة، وغالبيتهم كانوا طلاباً بمدارس لبنانية أساساً. في هذا الإطار، تقدم الجامعة الأمريكية عدداً من المنح والمساعدات المالية للدراسة الجامعية والدراسات العليا، للطلبة المتفوقين، ومن لديهم ظروف خاصة. لكن العقد الأخير من عمر الجامعة، شهد ارتفاعاً دورياً في الأقساط، كان أشهرها العامان 2010 و2013، فشهدت الجامعة على أثرهما اعتصامات واسعة تندد بها. وانعكست الأحوال الاقتصادية في مصر على أقساط الجامعة، لا سيما سعر صرف الدولار الأمريكي، الذي تضاعف، فتضاعفت معه الأقساط، ما دفع الطلاب للتظاهر.التصنيف الدولي للجامعتين
يعتقد الدكتور عبد الرحمن أنه لا يوجد نظام تقييم واحد يعتمد عليه لتقييم الجامعات، ويوجد أكثر من 70 نظام تصنيف مختلفاً. يقول: "مع ذلك، أعتقد أن المؤشرات الموجودة في تصنيف QS World University Rankings تدل على أنه أفضل تصنيف يعكس مهمة الجامعة الأمريكية في القاهرة، من خلال مساحات مختلفة، هي البحث، والتدريس، وفرص العمل، ودمج المجتمع، والابتكار، وغيرها. وقد حصلت الجامعة من خلال هذا التصنيف على المركز الأول في مصر، والخامس عربياً، والرابع في أفريقيا، والـ365 حول العالم عام 2016. بينما تم تقييم الجامعة الأميركية في بيروت، وفق التصنيف السابق، كأفضل جامعة في لبنان والثانية عربياً، كما أظهر التصنيف تقدم الجامعة الملحوظ من المركز 268 إلى المركز 228 عالمياً في عام واحد. تُعد الجامعة الأمريكية في القاهرة أول جامعة في مصر تحصل على الاعتماد من الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد. غير أن هناك برامج بعينها فيها، تعد معتمدة من هيئات خارجية، على سبيل المثال، برامج دراسة الهندسة وعلوم الحاسب الآلي هي الوحيدة في العالم خارج الولايات المتحدة المعتمدة من مجلس اعتماد علوم الحاسب الآلي في الولايات المتحدة، ومجلس اعتماد الهندسة والتكنولوجيا. أما الجامعة الأمريكية في بيروت، فحصلت على الاعتماد المؤسسي عام 2004، من هيئة التعليم العالي لاتحاد الولايات الوسطى للمدارس والجامعات في الولايات المتحدة.نقاط تميز كل جامعة
تنفرد جامعة القاهرة بوجود دور نشر خاصة بها، تعتبر رائدة في المنطقة العربية، لنشر الكتب الأكاديمية باللغة الإنجليزية، التي تنقل الكثير عن مصر والشرق الأوسط للقارىء حول العالم، وتتفق مع الأهداف التعليمية والبحثية للجامعة، وتقوم بنشر كتب مطبوعة وإلكترونية في موضوعات عدة تصل إلى نحو 80 كتاباً سنوياً. بينما تنفرد جامعة بيروت بوجود كلية للطب، تعد مع المركز الطبي، إضافة هامة للجامعة، فتعطي فرصة لطلبة الطب كغيرهم، أن يكتسبوا طريقة التفكير النقدي، والعمل الجماعي وسواهما من المهارات، التي ربما لا تتوافر في بعض كليات الطب الحكومية في مختلف بلدان المنطقة. تقول نورا سلامة، طالبة ماجستير في الجامعة الأمريكية في بيروت: "تقدمت لنيل درجة الماجستير في الصحة العامة من الجامعة الأمريكية في بيروت، واخترتها دون غيرها من المنح المتاحة في دول أوروبية، لأنها الوحيدة التي وفرت منحة كاملة، ولأن الكثير ممن تخرج من الجامعة شجعوني على التقدم لأن الدراسة جيدة، بالإضافة إلى أن البرنامج الذي أدرسه يعد معتمداً من الولايات المتحدة". وتضيف سلامة أن الجامعة تهتم كثيراً بالتفكير النقدي في تخصصها، فيشجع الأساتذة التفكير حول الوعي الصحي وصحة المجتمع، ويتم ذلك من خلال النقاشات والفروض، والتطبيق على أرض الواقع، فعمل الطلاب مع بعض الجمعيات في بيروت للوقوف على المشاكل التي تواجه المجتمع. وترى أن أحد التحديات هو عدم قدرة الطالب على تصميم برنامج الدراسة الخاص به بالكامل لإنه يختار المواد بشكل يناسب أهدافه التعليمية، التي تؤهله أيضاً لسوق العمل. يعدّ المركز الطبي في الجامعة الأمريكية في بيروت، الوحيد في الشرق الأوسط الحاصل على أربعة اعتمادات دولية، تشهد على أعلى معايير التمريض، ورعاية المرضى، والدراسة الطبية. يقوم المركز الطبي في الجامعة الأمريكية في بيروت، بتقديم الرعاية الطبية للمرضى من لبنان والمنطقة، منذ عام 1902، وفي العام الماضي، استقبل المركز 360,000 مريض، وهناك خطة لتوسيع المركز عام 2020. [caption id="attachment_99654" align="alignnone" width="700"] من رؤية 2020 للمركز الطبي[/caption]التحدي والتفاعل
بالرغم من المبادرات الموجودة في الجامعة الأمريكية في بيروت، إلا أنه لا يزال هناك تحدٍّ مهم، هو القيام بأبحاث ذات صلة بالواقع المحلي، فهي تحتاج لمفكرين وإصلاحيين لنقد المجتمع والدولة والسلطة، وكل القوى المهيمنة، ولكن في الوقت نفسه، للعمل على إيجاد حلول للمشاكل الاجتماعية. وترى محتسب أن مرونة الجامعة الأميركية عنصر مهم. فبرغم استمرار الحرب الأهلية مدة 17 عاماً في لبنان، استمرت الجامعة في تقديم خدماتها العلمية للطلبة وللمجتمع، وتفاعلت مع الأزمة السورية عن طريق تقديم خدمات طبية ونفسية مجانية للنازحين.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Apple User -
منذ 4 ساعاتHi
Apple User -
منذ 4 ساعاتHi
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 3 أيامرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ 4 أياممقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمقال جيد جدا