"الطريق إلى إيلات" يتضمن تزييفاً، وصلاح الدين لم يبارز أرناط، وعيسى العوام ليس مسيحياً، ووالي عكا لم يكن خائناً، وسلامة لم ينادِ على الجهاد. كتب التاريخ لا تنقل كل التفاصيل الدقيقة للحياة اليومية، لكنها قد تعطينا تصوراً عاماً عنها. وحين يحوَّل التاريخ إلى نص درامي، يلجأ صنّاعه إلى خلق سيناريوهات وحوارات، لتتحول النصوص إلى مشاهد حيّة، وهذا مقبول وضروري. لكن الأزمة تحدث حين يعبث صنّاع العمل بالأحداث التاريخية نفسها، وهو ما حدث كثيراً في الأعمال السينمائية والتلفزيونية. يقول الناقد طارق الشناوي إن التفرقة بين الإبداع الفني المتجسد في خيال المؤلف، وبين الوقائع التاريخية أمر واجب. فالخلط بينهما قد يفسد تاريخاً كاملاً لدولة، خصوصاً أن هنالك مشاهدين يستقون معلوماتهم التاريخية من الدراما فقط.
الطريق إلى إيلات
كثيرون تأثروا بفيلم "الطريق إلى إيلات" للمخرجة إنعام محمد علي، والسيناريست فايز غالي، ومشاهد عزت العلايلي ونبيل الحلفاوي البطولية، إلا أن الواقع يؤكد أن الفيلم غير دقيق، إذ يتناول 3 غارات على ميناء إيلات، جرت بتواريخ مختلفة على أنها عملية واحدة. في حين أن البحرية المصرية أغارت على ميناء إيلات 3 مرات، وليس مرة واحدة كما يحكي الفيلم.
العملية الأولى كانت في 16 نوفمبر 1969، ولم ينجح رجال الضفادع البشرية من دخول ميناء إيلات، فلغموا السفينتين الحربيتين الإسرائيليتين "هيدروما" و"دهاليا" وفجروهما. العملية الثانية كانت في 6 فبراير 1970، وفيها دمرت الضفادع البشرية ناقلة المدرعات "بيت شيفع" وناقلة الجنود "بات يم". أما الثالثة، فكانت في 15 مايو 1970، ونجحت في تدمير الرصيف الحربي لميناء إيلات، بعد تثبيت لغمين شديدي الانفجار أسفله، أحدهما انفجر مبكراً عن موعده في الساعة 7:35 صباحاً، والآخر انفجر في الساعة 9:35، أي بعد ساعتين من الانفجار الأول، بحسب ما ذكر اللواء بحري نبيل عبد الوهاب الذي شارك في العملية.
الناصر صلاح الدين
الفيلم الذي كتبه يوسف السباعي بالاشتراك مع نجيب محفوظ وعبد الرحمن الشرقاوي ومحمد عبد الجواد، وأخرجه يوسف شاهين، عام 1963، فيه أكثر من خطأ تاريخي. فصلاح الدين الأيوبي الذي لُقّب في الفيلم بـ"سلطان العرب"، لم يكن عربياً ولم يُطلق عليه هذا اللقب. ولد صلاح الدين في تكريت في العراق، ويرجع نسب الأيوبيين إلى أيوب بن شاذي بن مروان، من أهل مدينة دوين في أرمينيا، بحسب ما جاء في كتاب "الكامل في التاريخ" لابن الأثير. وهناك من أرجع نسب الأيوبيين إلى قبيلة غطفان العربية، التي هاجرت في عهد الدولة الأموية من شبه الجزيرة العربية إلى تخوم الشام ووسط آسيا، لكنهم لم ينفوا أن أيوب بن شاذي بن مروان كان من مدينة دوين في أرمينيا. والقائد عيسى العوام، لم يكن مسيحياً، إنما كان مسلماً، وتوفي غرقاً على شواطئ عكا، بحسب ما ورد في كتاب "النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية"، للقاضي بهاء الدين بن شداد.
أيضاً والي عكا، القائد بهاء الدين قراقوش، لم يكن خائناً. بل على العكس، كان أحد القادة المقرّبين من صلاح الدين، وعُرف بشجاعته وبسالته، واستمات في الدفاع عن عكا طوال عامين من الحصار الشديد، الذي ضربته قوات الصليبيين.
ويذكر عنه القاضي بهاء الدين بن شداد في "النوادر السلطانية" أنه فاجأ القوات وخرج بجنوده من القلعة المحاصرة، ودارت موقعة شهيرة قتَل خلالها 70 فارساً وأسر الكثير، عكس ما بينه الفيلم في دور أدّاه توفيق الدقن وجعله رمزاً للخيانة.
كذلك، لم يبارز صلاح الدين القائد الفرنسي أرناط، إنما قطع رأسه بسيفه، بحسب ما جاء في "الوطن العربي والغزو الصليبي" لخاشع المعاضيدي.
أما ريتشارد قلب الأسد، فلم يقتل 70 أسيراً مسلماً بعد استيلائه على عكا، عن طريق الخطأ إثر وشاية بأن صلاح الدين قتل رسله الصليبيين. لكنه قتل 2700 أسير قبل أن يتحرك من عكا لمواجهة صلاح الدين في معركة أرسوف، خشية أن يعرقلوا تحركه، بحسب ما أورده القاضي بهاء الدين في "النوادر السلطانية".
وا إسلاماه
فيلم "وا إسلاماه" يجسد مرحلة من مراحل صراع المسلمين مع المغول، وهو إنتاج مصري إيطالي مشترك عام 1961، ومأخوذ عن قصة الأديب علي أحمد باكثير. وضع له السيناريو روبرت أندروز، أما الحوار فكتبه يوسف السباعي، وأخرجه إنريكو بومبا وأندرو مارتون.الفيلم يتضمن العديد من المغالطات التاريخية، المناقضة للرواية الأصلية المنقحة تاريخياً لـ"باكثير". فهو مبني على قصة هروب محمود (قطز)، وجهاد (جولنار)، من دولة خوارزم شاه، وبيعهما من قبل الخادم المسؤول عنهما، كعبيد مماليك كي لا يعثر عليهما المغول. ثم يتخفى الخادم الذي أفقده المغول بصره، وينادي عليهما في عدد من البلاد، حتى يعثر عليهما. وتقول الرواية إنهما خطفا وبيعا ولم يكن للخادم أي دور في ذلك. كما أن قطز وجلنار، كانا يناديان طيلة الفيلم باسم محمود وجهاد، وهذا ما يتناقض مع الرواية الأصلية.
"جلنار" قتلت، ولم تدرك النصر في موقعة عين جالوت، لكننا نجدها في مشهد نهاية الفيلم، تردد في المعركة " الله أكبر... النصر لنا... تقدموا يا رجال... وا إسلاماه"، قبل أن ينسحب التتار ، وتحتفل مع قطز بالنصر، وهو ما لم تورده الرواية الأصلية.
ومشهد رسول المغول الذي يسأل: "وأكلم مين لما أحب أخاطب شعب مصر؟"، فيرد عليه قطز: "تقدر تكلمني أنا"، وكأنه بطل شعبي هتف له المصريون، ونصبوه حاكماً عليهم هو خيالي بحت. إذ توضح الرواية الأصلية أن قطز نصب سلطاناً على مصر بعد موت السلطانة شجر الدر، وجلوس الطفل المنصور بن أيبك على كرسي الحكم، فأفتى الشيخ العز بن عبدالسلام بخلعه لصغر سنه وتنصيب قطز للتصدي لخطر المغول.
أيضاً، مشهد قتل شجرة الدر على يد زوجة عز الدين أيبك الأولى في حوض المياه غير صحيح. فهي قتلت بعد أن ألقى المماليك الموالون لعز الدين أيبك القبض عليها، واقتادوها إلى زوجته الأولى التي أمرت جواريها بضربها بالنعال حتى الموت، ثم ألقوها من فوق القلعة... كما ورد في الرواية الأصلية.
المصير
فيلم المصير (1997) ليوسف شاهين تناول حياة الفيلسوف العربي ابن رشد، خلال واحدة من أهم فترات دولة الموحدين، التي حكمت بلاد المغرب العربي (المغرب، الجزائر، تونس، ليبيا) والأندلس، تحديداً في فترة حكم الخليفة المنصور. وتُظهر أحداث الفيلم المنصور وهو يحكم دولته من الأندلس، رغم أن قاعدة دولة الموحدين وعاصمتها كانت مراكش في المغرب.الشيماء
حذافة بنت الحارث الملقبة بـ"الشيماء"، ابنة حليمة السعدية، وأخت النبي محمد بالرضاعة، جسدت دورها الفنانة سميرة أحمد، في فيلم "الشيماء"، وهو مأخوذ عن رواية "الشيماء شادية الإسلام"، لعلي أحمد باكثير، وكتب السيناريو والحوار صبري موسى، وأخرجه حسام الدين مصطفى عام 1972. في الفيلم تغني الشيماء لقومها الذين كانوا يحاربون الرسول يوم غزوة حنين، ويؤثر غناؤها في الجيش وتفرق، رغم أن الثابت تاريخياً أن بني سعد من قبيلة هوازن حاربوا المسلمين وهزموا ضمن التحالف القبلي، الذي حارب ضد محمد في حنين، بعد قتال عنيف، بحسب ما جاء في كل المصادر التاريخية تقريباً.سراي عابدين
أيضاً، في وقت أحداث المسلسل (الجزء الأول)، لم يكن إسماعيل حصل على لقب خديوي. فكان لقب حاكم مصر منذ عهد حكم محمد علي سنة 1805، هو "والي مصر"، وحصل إسماعيل على لقب خديوي عام 1867 من السلطان العثماني، بموجب فرمان، مقابل زيادة في الجزية. وعندما حصل على لقب خديوي كان يقال له "عظمة الخديوي" أو "جناب الخديوي"، أما لقب جلالة الخديوي، الذي كان ينادى به في المسلسل، فهو أمر غير معروف. وظهرت في المسلسل أخطاء أخرى، منها أن الجارية شفق كانت سمراء البشرة وليست بيضاء كما ظهرت في أحداث المسلسل، والتي جسدت دورها الفنانة مي كساب. والملك فؤاد ابن الخديوي من مواليد 26 مارس 1868، أي بعد الأحداث التي تدور في المسلسل بثماني سنوات، والشخصية التي ظهرت في المسلسل تجسد شخصيته عندما كان طفلاً بين 8 و10 سنوات. موسيقى "نهر الدانوب الأزرق" من تأليف الموسيقار النمساوي يوهان شتراوس، كان العرض الأول لها عام 1867، والممثلون يرقصون عليها في المسلسل عام 1860.
ويقام عيد ميلاد الخديوي الـ30 داخل قصر عابدين، أحد أهم القصور في مصر، وتاريخياً أمر الوالي إسماعيل ببناء هذا القصر الذي يحمل اسم أحد أهم القادة العسكريين لجده محمد علي بعد توليه الحكم عام 1863. وتم الانتهاء من بنائه عام 1868 وأصبح مقر الحكم الرئيسي للدولة العلوية عام 1872، أي بعد أحداث المسلسل بـ12 عاماً. أحداث المسلسل تدور عام 1860، وفيها قال الخديوي إنه سيعرض الأمر على المجلس النيابي، رغم أن إسماعيل حوّل مجلس المشورة الذي أسسه جده محمد علي إلى مجلس شورى النواب، في 25 نوفمبر عام 1866 أي بعد أحداث المسلسل بـ6 سنوات.
ويظهر المسلسل أن إسماعيل له 3 زوجات. الأولى شفق والثانية فريال والثالثة صافيناز، وفي الحلقة الرابعة يتزوج الخديوي نور فلك هانم. رغم أن نور فلك هانم هي زوجته الثانية بعد شفق، وليست الرابعة، فهي والدة السلطان حسين كامل الابن الثاني للخديوي إسماعيل الذي ولد عام 1852.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع