أيام قليلة ويختار الأمريكيون رئيسهم الجديد. نتيجة الانتخابات ستحدد مسار الكثير من الأمور حول العالم في السنوات الأربع (أو الثماني) المقبلة، لا سيما في العالم العربي.
بالعودة للتاريخ، نجد أن علاقة العرب بالولايات المتحدة طويلة ومتشعبة، وتعمقت منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، وانحسار الدور البريطاني والفرنسي وسطوع النجم الأمريكي، وتنامت بعد العدوان الثلاثي 1956، وما أعقبه من حركة استقلال عربية، وما تلا ذلك من حرب باردة أمريكية سوفياتية، ومحاولة كل منهما تجييش الدول وضمها لمعسكرها. ثم جاءت الثورة النفطية لترسم بعداً جديداً في العلاقة، من دون تجاهل ما تمثله إسرائيل، الرقم الثابت في المعادلة العربية الأمريكية.
البيت الأبيض عرف منذ أن تبوأت الولايات المتحدة مقعدها على قمة هرم العالم 11 ساكناً، بدءاً من أيزنهاور وصولاً إلى أوباما، وتفاوتت علاقات هؤلاء الرؤساء بالعرب وفقاً لسلسلة من الظروف والمتغيرات. فما هي أبرز المحطات في تاريخ هؤلاء الرؤساء في ما خص العلاقات العربية الأمريكية؟
دوايت أيزنهاور (1953-1961)
تعد فترته مهمة سواء على المستوى الداخلي، أو على مستوى العلاقة العربية، إذ تولى السلطة بعد عام من ثورة يوليو 1952، وما أعقبها من سلسلة ثورات وموجات استقلال بالمنطقة. أيزنهاور مع بداية ولايته حاول توطيد العلاقات مع جمال عبد الناصر لما يمتلكه من شعبية جارفة، إلا أنه وفقاً للكاتب جيمس تراوب في مقال في "وول ستريت جورنال”، وجد ناصر مائلاً شرقاً، لا سيما بعد تخلي أمريكا عن تمويل بناء السد العالي وتسلسل الأحداث وصولاً لتأميم القناة، وما تبعها من عدوان ثلاثي، رفضت أمريكا دعمه، بل إن تدخلها حسم المعركة. ويقول أيزنهاور في مذكراته: "هناك مشكلة أساسية هي نمو طموح عبدالناصر والإحساس بالقوة الذي اكتسبه من ارتباطه بالسوفيات واعتقاده أنه يستطيع البزوغ قائداً حقيقياً للعالم العربى. ولدحر أي حركة في هذا الاتجاه نريد تقصي إمكانية إقامة الملك سعود كثقل موازٍ. إن السعودية تضم الأماكن المقدسة، والسعوديون أشد العرب تديناً، ومن ثم فإن الملك يمكن تنصيبه زعيماً روحياً، وبإنجاز ذلك نستطيع المطالبة بحقه في القيادة". وحسب وثيقة سرية أمريكية وقعت في يد الصحفي روبرت دريفوس، مؤلف كتاب "لعبة الشيطان: كيف أطلقت أمريكا الأصولية الإسلامية؟"، انتهجت أميركا سياسة دعم الإسلاميين في التعامل مع المنطقة، وإن اختلفت الأساليب.جون كينيدي (1961-1963)
رغم أن الفترة التي مكثها بسدة الحكم كانت قصيرة قبل اغتياله، إلا أنها ذخرت بالأحداث الهامة في العلاقات العربية الأمريكية. ولعل أبرز المحطات موقفه في قضية اللاجئين الفلسطينيين، ودعمه المعلن لها، والتي يُقال إنها كانت سبباً من أسباب اغتياله، مع عدة مواقف أخرى في كوبا وغيرها لم تلق استحسان إسرائيل ولا المخابرات الأمريكية. دعم كينيدي للقضية الفلسطينية تجلى في الرسائل المتبادلة مع جمال عبد الناصر، والتي كُشف عنها في كتاب فرنسي نشر 1968 بعنوان "جمال عبد الناصر... النصوص الأساسية"، وتطرق لتلك الخطابات التي كانت تؤيد دور مصر في المنطقة، والتأكيد على دعمه، وتفهمه للحقوق الفلسطينية، مع الوعد بالعمل على الوصول لأفضل حل ممكن لها. وتوالت المخاطبات وجاء الرد المصري في رسالة كشف عنها الكاتب محمد حسنين هيكل في مقال بجريدة الأهرام بعنوان "بصراحة... أخطر الوثائق"، والتي ثمّن فيها ناصر موقف كينيدي مشدداً على ضرورة وجود موقف حاسم من مجلس الأمن يضمن حقوق الفلسطينيين، ويوقف التغوّل الإسرائيلي. وتشير كل الروايات والوثائق إلى أن الصراع العربي الإسرائيلي كان في طريقه لأخذ منحنى مغايراً تماماً خلال حقبة كينيدي، ولكن القدر أو المؤامرة لم تمنحه الفرصة لذلك.ليندون جونسون (1963-1969)
خلف جونسون كينيدي في البيت الأبيض وإذا كانت فترة الأول أحيت الأمل في حل عادل لقضايا المنطقة، فقد قتلت حقبة الثاني كل الآمال، إذ بدأها بطمأنة إسرائيل، والالتزام بدعمها وحمايتها، وقبل انتهاء ولايته احتلت إسرائيل سيناء والجولان والضفة الغربية. لا يوجد الكثير في حقبة جونسون باستثناء دعمه المطلق لإسرائيل، وما شهده هذا الكيان من طفرة، وتسخير كل إمكانات بلاده لتمكين إسرائيل من احتلال تلك الأراضي.ريتشارد نيكسون (1969-1974)
نيكسون لم يكمل ولايته الثانية، وعزل عقب فضيحة "ووترغيت". وبرغم أن العرب استبشروا خيراً بتوليه المنصب، لا سيما بعد زياراته لدول عربية عدة خلال حملته الانتخابية، وإلقائه كلماته الشهيرة من أمام السد العالي في أسوان قائلاً: إذا كان هناك شيء آسف عليه فهو أن الولايات المتحدة لم تشترك بهذا العمل العظيم، ولقد تمنيت عندما وقفت أمام السد العالي، لو أن أمريكا وليس الاتحاد السوفياتي هي التي ساعدت”. وبرغم انقطاع العلاقات الرسمية بين مصر وأمريكا، إلا أن عبد الناصر سارع إلى تهنئة الفوز بهدف تحريك المياه الراكدة، غير أن وعود نيكسون لم تتحول إلى واقع، واستمر الدعم الأمريكي لإسرائيل. وخلال حرب أكتوبر 1973، لم تتمكن إسرائيل من النجاة إلا بالجسر الجوي الذي اتصل من واشنطن إلى سيناء لدعم جيشها.جيرالد فورد (1974-1977)
أكمل فورد مدة حكم نيكسون، وكان لقصر المدة والقضايا الشائكة التي ضربت الإدارة الأمريكية، دور في جعله أقل الرؤساء الفاعلين في العالم العربي، إذ كان يعمل على لململة الجراح المتناثرة بين فيتنام والبيت الأبيض، عقب الفضيحة التي أطاحت سلفه. وكان لوزير الخارجية هنري كيسينجر الدور الأبرز بمسرح عمليات الشرق الأوسط، إذ تمكن من الوصول إلى اتفاق سيناء 1975، وخرجت مصر بأكبر المكاسب، وخرجت إسرائيل بأقل الخسائر، إذ حافظت على وجودها في الضفة والجولان.جيمي كارتر (1977-1981)
كان لكارتر تأثير كبير دولياً، إلا أن المشاكل الداخلية جعلته يفشل في الاحتفاظ بمقعده الذي خسره بعد 4 سنوات. ويمكن وصف كارتر بـ"مهندس" اتفاقية كامب ديفيد التي جمعت أنور السادات ومناحم بيجن، في أول اتفاقية سلام عربية إسرائيلية منذ نشأة الدولة الصهيونية 1948، وقد تسببت تلك الاتفاقية في أصداء واسعة لم تزل تتردد حتى يومنا الحالي، وكانت سبباً في قطيعة لسنوات بين مصر والعديد من البلدان العربية، إلا أن مصر استعادت بمقتضاها السيادة الكاملة على أراضيها.رونالد ريغان (1981-1989)
شهدت فترة ولايته هدوءاً نسبياً في العلاقات الأميركية العربية، إذ ركز على حسم المعركة المحتدمة مع الاتحاد السوفياتي، ورغم ذلك فهناك نقاط مهمة علينا التوقف عندها، ومنها ما سمي بفضيحة "إيران غيت" التي كشفت عن مد نظام ريغان لإيران بالسلاح رغم الحظر خلال حربها مع العراق، التي كانت مؤازرة من أمريكا أيضاً، والهدف التخلص من الدولتين وإنهاكهما. كما عمل على تحريك المفاوضات الإسرائيلية المصرية، وزار الرئيس المصري في ذلك الحين حسني مبارك الولايات المتحدة عدة مرات، وتزامن ذلك مع اجتياح إسرائيل للبنان، ما اعتبره ريغان في يومياته تصرفاً مثيراً للمشاكل. وروى ريغان أيضاً في مذكراته عن المحاولات المصرية وبعد ذلك الأردنية لإقناعه بالاعتراف بياسر عرفات كممثل لفلسطين في الأمم المتحدة، إلا أنه لم يستطع فعل ذلك.جورج بوش الأب (1989-1993)
هي إحدى أكثر الفترات ازدهاراً في العلاقات العربية الأمريكية، إذ شهدت حدثين مهمين في المنطقة العربية أولهما كان خلال حرب الخليج عام 1991، عندما قادت الولايات المتحدة جيوش حوالى 27 دولة لتحرير الكويت، بعد غزو العراق لها. والثاني عقد مؤتمر دولي لبحث الصراع في الشرق الأوسط، في مدريد عام 1991، بحضور وفود ممثلة لجميع أطراف الصراع العربي الإسرائيلي، وكان أول لقاء في التاريخ يضم أطراف الصراع إلى طاولة واحدة.بيل كلينتون (1993-2001)
أكثر رؤساء الولايات المتحدة حفاظاً على شعبيته بعد مغادرته للبيت الأبيض، وتعد فترة ولايته أكثر الولايات التي عرفت تحريكاً للقضية الفلسطينية، إذ عرفت سلسلة من المفاوضات والاتفاقيات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. خلال تلك الفترة وقعت منظمة التحرير وإسرائيل اتفاقية أوسلو التي حصلت المنظمة بمقتضاها على حكم ذاتي في الضفة وغزة، وأسفرت عن تكوين سلطة وطنية. ثم تلتها اتفاقيتا واي ريفر وشرم الشيخ. وقبل مغادرته البيت الأبيض بأيام، قدم اقتراحات لتسوية القضية الفلسطينية على أساس إعطاء السيادة للفلسطينيين على القدس مقابل التنازل عن حق العودة للاجئين.جورج بوش الابن (2001-2009)
تعد فترته من أصعب الفترات التي عرفتها العلاقات العربية الأمريكية، وشهدت منحنيات عديدة. بدأت ولاية بوش بضربة موجعة في 11 سبتمبر، أمضى بعدها سنوات حكمه في رحلة "مكافحة الإرهاب" التي أثرت سلباً على صورة المسلمين. خلال تلك الفترة اجتاح العراق وأطاح برئيسه صدام حسين، وترافق ذلك مع أحداث ستظل وصمة عار في التاريخ الأمريكي الحديث، وتجلت في فضائح المعتقلات وعلى رأسها فضائح أبو غريب وغوانتانامو. وفي عهده أيضاً تم رسم سيناريو تفتيت الوطن العربي المسمى بـ"الشرق الأوسط الجديد"، وهو السيناريو الذي يبدو في طريقه إلى التحقيق.باراك أوباما (2009-2017)
بدأ ولايته بمداعبة مشاعر العرب والمسلمين، عندما ألقى خطابه الشهير للعالم الإسلامي من تحت قبة جامعة القاهرة، والذي أرسل خلاله سلسلة من الوعود لم يعرف أي منها التحقيق. أوباما كان واضحاً من اللحظة الأولى باعتماده سياسة مغايرة لبوش، بعدم إقحام الجيش في معارك تكلف الكثير، والاكتفاء بالدعم اللوجيستي وتدريب المقاتلين، ما يعني باللغة البسيطة، "ترك العرب يقتلون بعضهم بعضاً" بمباركة أمريكية. كما عرفت حقبته أحداثاً مصيرية في المنطقة، بدأت بسلسلة الثورات التي تفجرت في تونس عام 2011 وتواصلت في عدة دول، وكان الموقف الأمريكي مرتبكاً للغاية في تلك الفترة، فبدأ بمساندة الأنظمة القائمة، قبل أن ينحاز للإرادة الشعبية وينتقل لمساندة الإخوان المسلمين، انتهاءً بالانسحاب "ظاهرياً" والعمل على قضايا بعينها. ووجهت العديد من الآراء في الداخل الأمريكي والعربي أصابع الاتهام لأوباما وإدارته بأنهم وراء ظهور التيارات الإرهابية المسلحة وتفشي خطرها في المنطقة، بالفراغ الذي تركوه بعد الانسحاب غير المدروس من العراق وتمويل جماعات المعارضة، وغيرها من الأحداث التي شهدتها سوريا والعراق خلال تلك الفترة.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...