شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"شخابيط" المصريين على الحوائط: هيصة بدون رقابة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

السبت 5 نوفمبر 201601:57 م
"أحمد ومنى حب للأبد"، "عباس رئيساً لمصر"، "سيستمر الغلاء إن لم تتحجب النساء"، "احترم نفسك وماترميش (لا تلقي) زبالة (قمامة) هنا يا حيوان". هنا تتجمع أفكار المصريين، هنا يكتب ويرسم المصريون كل شيء وأي شيء. ببساطة في التعبير، وأخطاء لغوية، وعشوائية، يسجل المصريون أحلامهم وهمومهم، ويعبر الجميع بدون قيود أو رقابة على الحوائط. Egypt-wall3_Gigi-Ibrahim_flickrEgypt-wall3_Gigi-Ibrahim_flickr بعد ثورة يناير، أصبح للحوائط أهمية لدى كثير من المصريين، إذ باتت مكاناً لكل عشاق الغرافيتي، واعتبرتها جماعات سياسية على رأسها جماعة الإخوان، وسيلة للتعبير عن معارضتها للنظام الحالي، وحلمها بعودة الرئيس الأسبق محمد مرسي، من خلال كتابات: "مرسي راجع"، و"يسقط حكم العسكر"، وغيرها من عبارات، بدأت تختفي بمرور الوقت بدهانات، خرجت من فرشات الأمن المصري، أو من مؤيدي النظام الحالي. وتحل محلها الكتابات التلقائية، التي ليس لها أي أهداف سياسية. الأمر الذي كان يحدث بشكل عادي قبل الثورة. Egypt-wall_Gigi-Ibrahim_flickrEgypt-wall_Gigi-Ibrahim_flickr

أحمد بيحب منى

التعبير عن الحب على الحوائط أرخص بكثير من شراء شبكة من الذهب تكلف آلاف الجنيهات. لذلك، لا تتعجب من أن معظم حوائط مصر تحتوي على الجملة الخالدة "حرف ثم قلب يخرج منه سهم، فحرف آخر". أو ربما جملة "أحمد ومنى حب للأبد"، مع تغيير الأسماء بحسب الأبطال! يزيد الأمر على أسوار كباري القاهرة الحديدية، حيث يقف "الحبيبة" دائماً وثالثهما نهر النيل. بعيداً عن مقر عمله كأخصائي نفسي في القصر العيني، وفي أحد شوارع القاهرة، كان موعدنا مع مصطفى عبد الفتاح الذي أشار إلى أحد الحوائط المكتوب عليها بسبراي أسود اللون "أحمد بيحب ندى"، ثم قال بابتسامة: "هناك نقطة مهمة، غالبية المعالجين النفسيين، حين يعالجون أى مريض يعطونه ورقة وقلماً في يديه أثناء كلامه، ويطلبون منه أن يرسم انفعالاته على الورق". ويضيف عبد الفتاح: "الطبيعي أن المريض لو لم يذهب إلى طبيب نفسي، سيبحث عن أي طريقة يخرج فيها انفعالاته، وأسهل طريقة هي الكتابة على الحوائط سواء انفعالات سلبية أو إيجابية". ويعتبر أن الكتابات على الحوائط تشرح الشخصية المصرية أفضل من مشرط الجراح. فصفة الفهلوة التي تميز بعض المصريين، تجدها واضحة من الكتابات. لا يهم إن كان يمتلك الشخص موهبة الخط الجميل، أو القدرة على الرسم... الكل يرسم دون شروط. وقال: "هناك أيضاً التناقض، المتمثل في بعض الجمل الدينية، أنت تكتب لتذكر المصريين بالدين والله لكنك لا تهتم بأنك تلوث الحوائط بصرياً، أو تتعدى على أملاك الغير، وتنتهك حوائطهم". الشخص الذي يكتب، أو يشوه الحوائط بالكتابات التي غالباً لا تفيد ولا تنفع، يعاني من اضطراب سلوكي، هكذا يرى عبد الفتاح، لكنه اضطراب وقتي، يزول بالتوجيه والإرشاد، إن لم يكن له علاقة بمرض آخر. وما يدفعه إلى الكتابة على الجدران، هو كبت لما في داخله من أمور لا يستطيع الإفصاح بها للشخص الصحيح. ويضيف: "مثل جملة أحمد بيحب ندى، أحمد قام بالكتابة على الحائط، لأنه لا يستطيع الإفصاح عن هذا الشعور للمقربين منه، ربما لأنه غير جاهز للتقدم رسمياً لحبيبته. فهو يعلم جيداً ان أحداً لن يعرف من هما أحمد وندى". ويؤكد عبد الفتاح أن هناك عوائق تمنع الشخص من الاعتراف، فيقوم بالكتابة على الحائط. بالإضافة إلى الكبت النفسي الذي يجده الطالب في المدرسة أو المنزل أو الشارع، والذي لا يتيح له التعبير عن رأيه بشكل كامل، أو عرض أفكاره بحرية تامة.
"أحمد ومنى حب للأبد"، "عباس رئيساً لمصر"، "سيستمر الغلاء إن لم تتحجب النساء"... على الحوائط يكتب ويرسم المصريون كل شيء وأي شيء
أخصائي نفسي وفنان تشكيلي يتحدثون عن كل أشكال "الشخابيط" التي يضعها المصريون على الحوائط
الكتابات، كما يلفت عبد الفتاح، تعبر عن أشياء مختلفة. ربما تكون للفت النظر وتشويه سمعة الآخرين، أو الإضرار بالممتلكات العامة والخاصة، أو تخليد ذكرى، أو التعصب لأحد الأندية التي يشجعها. أمام جملة "عباس رئيساً"، وقفنا مع الأخصائي الشاب، فراح يشرح الأمر: "بالتأكيد لن نعرف أبداً من هو عباس، لكننا بالتأكيد قادرون على فهم أنه شخص يسخر من السياسة، ومن كل المنتمين لها. فلو كان مجرد شخص يحلم بأن يكون رئيساً ذات يوم، فسيوجه طاقته للعمل والنجاح، سنجده منتمياً لحزب ما. هو كتب ذلك ليعبر عن رأيه في الانتخابات الرئاسية، أراد أن يقول "كلكم لا تصلحون" أو "توقفوا عن التمثيل". يضيف عبد الفتاح: "أما الجمل الدينية المكتوبة على الحوائط ووسائل المواصلات في مصر، مثل سيستمر الغلاء أن لم تتحجب النساء، أو الحجاب قبل الحساب، فكلها تعبر عن الهوس الديني السطحي. إذ يؤمن المتطرفون دينياً أن المرأة هي سبب كل البلاء، وحجابها هو المظهر الوحيد الذي سيعني عودة المجتمع إلى الله. نظرة سطحية لفكرة الدين ولدور المرأة المهم في المجتمع، وليس شرطاً أن يكون من كتب ذلك متديناً أو ينتمي لجماعات تؤمن بهذه الأفكار، مثل السلفيين، إذ يمكن أن يكون شخصاً عادياً يؤمن أن هذه الجمل سيأخذ عليها حسنات، تدخله الجنة، مثل سائق التاكسي الذي يطلب أجرة أكثر من حقه، لكن لا يتوقف أثير إذاعة القرآن الكريم عن العمل داخل سيارته". ويختم "تعبر الجمل الدينية السطحية، عن التناقض الذي يعاني منه كثير من المصريين". Egypt-wall2_Gigi-Ibrahim_flickrEgypt-wall2_Gigi-Ibrahim_flickr

الهيصة على حوائط مصر

حين يمشي الفنان التشكيلي مجاهد العزب في شوارع مصر، وسط زحام وعشوائية الألوان والكتابات على الحوائط، يشعر بالتوتر. "أشعر بقلق وتوتر وانزعاج، شخابيط عجيبة في كل مكان لا علاقة لها بالفن على الإطلاق! متى يختفي كل ذلك ويحل محله فن حقيقي وهدوء وجمال؟"، يتساءل العزب بحزن. يلفت العزب إلى أن أكثر ما يزعجه على حوائط المصريين، هو الكتابات والرسومات على أسوار المدارس. ففي المحروسة، يكلف مسؤولو المدارس الحكومية شخص، قد يكون خطاطاً، أو مدرس الرسم، بكتابة جمل مثل: "طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة"، "حجابك سر جمالك"، "علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل". ويؤكد أن هناك أيضاً أحاديث نبوية وآيات قرآنية، كلها أشكال، يراها مسؤولو المدارس في مصر فنية، لكنها أبعد ما تكون عن ذلك. لا ترسخ قيمة المواطنة في مجتمع يعيش فيه طلاب مسلمون ومسيحيون، وتجعل الطلاب المسيحيين لا يشعرون بأن المدرسة ترحب بهم! ويقول الفنان التشكيلي: "اللي مرسوم على أسوار المدارس في بلدنا مش فن دي هيصة". ويوضح: "الرسم على الجدران فن مستقل بذاته له قواعد وأساسيات، أولها أنه حر. "البوب آرت" بصفة عامة يجب أن يكون شعاره هو الحرية، لكن ما يحدث مختلف تماماً. تعليمات تأتي للمدارس من وزارة التربية والتعليم برسم كلشيهات وجمل مكررة بلا أي إبداع. مثل جملة مدرستي نظيفة التي تتكرر في كل أسوار المدارس، على الرغم من أن فن البوب آرت موجه أساساً للشارع وليس لطلاب المدارس". ويضيف: "ماذا سيستفيد السائر في الشارع حين يرى لوحة جدارية كُتب عليها: مدرستي نظيفة؟ جملة مثل هذه يجب أن تكون داخل المدرسة، بينما خارجها، يجب أن تكون الرسومات معبرة عن البيئة الموجودة فيها المدرسة بإضافات إبداعية. لكن ما يحدث مختلف تماماً. الطلاب لا يرسمون، فقط مدرسو الرسم في تلك المدارس، هم من يرسمون هذه اللوحات المشوهة". يؤكد العزب أنه يجب إتاحة الجدران للطلاب ليرسموا عليها بحرية، ويعبروا عن بيئتهم، ويشرف عليهم شخص متخصص في الرسم على الجدران. ويتساءل: "لماذا لا يكون هذا الشخص طالب فنون جميلة، ويصبح ذلك مشروع تخرجه؟ مدرس الرسم في المدارس غير متخصص في فن الجدارية". ويحكي الفنان التشكيلي عن مواقف يعجب حين يراها مثل: "مدرسة على النيل ترسم على جدرانها نهر النيل، رغم أننا إذا التفتنا للناحية الأخرى، فسنرى النيل الحقيقي. المفترض أن يعطيك الفن مساحة للتخيل والإبداع، لا تكرر وتنسخ الأشياء من حولك".

الأهم من الكتابة هو المواجهة

أما مصطفى عبد الفتاح، فلا يرى الكتابة على الحوائط في حد ذاتها مشكلة، فالتعبير عن الانفعالات عن طريق الكتابة، بالنسبة إليه، ليس مشكلة. ويقول: "بالعكس هى مفيدة جداً للإنسان الذي يحتوي داخله النفسي على طاقة سلبية، لذا سنجد أماكن مخصصة للكتابة والشخبطة في بلاد مثل النرويج مثلاً، أماكن وفرتها الحكومة ليكتب عليها الفرد ما يريده. لكن هنا في مصر يتم الكتابة بشكل عشوائي في المكان غير الصحيح". وينصح عبد الفتاح عشاق الكتابة على الحوائط، بأن الأهم من أن تكتب على الحائط، هو أن تتعلم أسلوب وفن المواجهة، واجه من تريد بمشاعرك ولا تكتفِ بكتابتها على الحوائط. Gigi-Ibrahim_flickrGigi-Ibrahim_flickr

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image