سباق غير مفهوم السبب لهواة العملات القديمة، غايته الحصول على "أبو جملين"، وهو أول جنيه مصري ورقي، صدر في يناير عام 1899. فبعضهم يحكمه الشغف في اقتناء العملات القديمة والطوابع، وآخرون حركتهم أطماع مبهمة لشرائه، سعياً وراء شائعات لا تنتهي عن أن من حمل تلك الورقة يمكنه فتح مقبرة أثرية أو تحضير الجان وشفاء الأمراض المستعصية.
لا يكفي أن تكون متعلماً
منيرة مضيفة طيران مصرية، تعمل في إحدى الشركات الحكومية، رفضت ذكر اسمها كاملاً نظراً لحساسية موقعها. تروي لنا باستحياء رحلة بحثها عن الورقة ذات الجملين المسماة بالجنيه، وما تعرضت له من نصب. تعترف بذنبها حين استسلمت لحلم ثراء راودها كثيراً. تقول: "لم أكن أعلم شيئاً عنه، فلست من هواة جمع العملات والطوابع القديمة، ولكن منذ نحو 15 عاماً كثر الحديث عما تجلبه تلك الورقة صاحبة السحر، لمن يمتلكها. ولكنني لم أفكر في اقتنائها إلا مؤخراً". تضيف لرصيف22: "كان لنا بيت صغير في العياط، التابعة لمحافظة الجيزة، هجرناه منذ فترة طويلة لظروف عملنا بالقاهرة، وذات يوم هاتفني أحد الجيران؛ وقال إن شخصاً ما يريد أن يتواصل معي بخصوص المنزل. ظننت أنه يريد شراءه. ثم التقينا ووجدته يعرف بعض المعلومات عن وظيفتي وأسرتي. أخبرني أن أحد المشايخ قال له إن في أسفل المنزل مقبرة أثرية. وإن أبديت موافقتي فسيشرح لي كيف يتمكن من التنقيب عن هذا الكنز. أكد لي أن غالبية أهالي القرى التابعة للعَياط ينقبون ليل نهار، ومنهم من وجد آثاراً فرعونية، نظراً لقرب المكان من الأهرامات". تصمت للحظات ثم تتابع: "ولأنهم يعلمون عني الكثير، عرضوا علي شراء جنيه الجملين رغم قيمته التي تجاوزت المائة ألف جنيه وقتها. واقتنعت بعدما شرح لي الشيخ عن وجود صورٍ للجان على ظهر الجنيه، سيستعين بهم في التنقيب وفتح المقبرة". وجاء الشيخ إليها ومعه صورة للجنيه، ثم أشار إلى ثلاث نقط مرسومة بشكل ما، ليوهمها أن للجان أسماء: "عبد الكريم، عبد الملك، عبد المغيث". تقول: "من هنا بدأت رحلة السعي وراء الخرافة". وتضيف: "لم يكن بالأمر السهل أن أحصل على الجنيه، لكنني تمكنت من ذلك في الأخير، بحضور خبير نقود، رغبت في وجوده للاطمئنان بأن الجنيه ليس مزوراً. عندما أعطيت الشيخ الجنيه، حدد موعداً لي ولزوجي وبعض الرجال الذين يساعدونه في مهامه، وبدأ يرتل بعض الآيات التي ذكر فيها السحر والجن، فاختفى الجنيه بمعرفة الأسياد بحسب قوله. ثم حدد مساء اليوم التالي ليبدأ رحلة التنقيب ولكنه لم يحضر، فعلمت أن ما تعرضت له كان عملية نصب ليس إلا"."مس من الشيطان"
التقينا عبد الفتاح محروس، ستيني من أبناء محافظة المنوفية المعروفة ببلد الرؤساء والسحر، فلاح بسيط لا يملك قوت يومه إلا بالعمل مزارعاً، ولم ينجب سوى فتاة عمرها الآن 25 ربيعاً. يقول عبد الفتاح: "عندما مرضت ابنتي ذهبت بها إلى جميع الأطباء من حولنا، كل منهم يخبرنا بتشخيص يغاير الآخر، ثم توجهت إلى مستشفى بنها الجامعي دون جدوى". ويضيف: "رأيت ابنتي تصارع المرض، وأنا عاجز عن فعل أي شيء. قيل لي إن الفتاة ربما يكون أصابها مس من الشيطان، لا سيما أن قريتنا مصنفة من أكثر القرى شهرة بالدجل والسحر، ومن هذا اليوم، لم أطرق باب الأطباء ثانية. توجهت إلى المشايخ وحتى القساوسة، فأكدوا أن ابنتي مسها جن عاشق، ولن تتزوج أو تشفى، إلا بعد خروج هذا الجني. وبعد محاولات كثيرة كلها باءت بالفشل، وصفوا لي دجال بسنتريس، وهي قرية تبعد قليلاً عن مركز أشمون ويشتهر أهلها بأعمال السحر والشعوذة". ويتابع: "توجهت إليها مع ابنتي، فقال لي شيخ عجوز رفض أن يتقاضى أجراً مقابل علاجها: أحدٌ ما دفن عملاً سفلياً بالمقابر، ولن تتمكن من معرفة هذا القبر إلا إذا أحضرت جنيهاً ورقياً عمره مائة عام". يستطرد: "بالطبع، لو طلب مني إحضار أي شيء لأحضرته كي تشفى ابنتي الوحيدة. كنت حذراً وسألت تاجراً للنقود بالقاهرة عن سعر هذا الجنيه، فسألني عن سبب البحث عنه بعدما رآني رجلاً بسيطاً تشققت قدماي من زراعة الأرض، ولا يبدو علي أنني مهتم أو هاوٍ. أخبرته القصة فحذرني من حالات النصب التي تعرض لها عدد من زبائنه". يتفاخر عبد الفتاح في نهاية حديثه: "لم أقع في الفخ، ففي الوقت الذي بدأ الشيخ يقول بعض التعويذات والآيات والعبارات غير المفهومة، وخفتت أضواء الغرفة واختفى الجنيه، كان بعض من أقاربي يطوقون المنزل، وتمكنا من الإمساك بفردٍ خرج ومعه الجنيه ليخفيه".خبير نقود: شائعات عن رسومات للجن على الجنيه
قال المهندس مجدي حنفي، صاحب أكبر موسوعة علمية متخصصة في عالم النقود المصري، إن بعض الشيوخ يطلبون الحصول على جنيه الجملين لعلاج بعض الأمراض المستعصية، التي يعتقد أصحابها أنها مس من الجان. ويعد هذا النوع من أبرز أسباب البحث عن الجنيه، لا سيما أن مصر تنفق مليارات الجنيهات سنوياً على السحر والشعوذة. لذلك يلهث الناس خلف هذه الورقة، إما لإعطائها للمشايخ أو لفتح المقابر الأثرية. إذ يشاع أن على الجنيه صوراً للجان تستخدم لتحقيق طلبات خُدام المقابر، على حد زعمهم.ارتفاع خيالي في سعر أول جنيه مصري "أبو جملين" في سوق الأوراق النقدية القديمة، والسبب خرافات عن الجن...
أكثر من 28 ألف دولار سعر ورقة جنيه قديمة "أبو جملين" والسبب...ويضيف لرصيف22 أن جنيه الجملين مجرد ورقة عملة مشهورة، يتغير سعرها وفقاً للعرض والطلب. فقبل التسعينيات لم تكن شهرة الجنيه مثل اليوم، وبالتالي فإن سعره كان أرخص من الآونة الأخير، وارتفع من 10 آلاف جنيه (1125$) إلى نحو ربع مليون جنيه أحياناً (28000$). فعدد الأوراق المتوفرة قليل وقد زاد الطلب عليها، فقام تجار العملة برفع سعرها، كما ساهمت الشائعات المتداولة عنها في زيادة ثمنها أيضاً، وفتحت الباب أمام البعض لتزويرها، بعدما نجحوا في الحصول على صورة بجودة عالية له، بعد أن نشرت هذه الصورة في كتاب تم إصداره بمناسبة مرور 100 سنة على إنشاء البنك الأهلي المصري.
متعة لهواة العملات واستثمار للمستقبل
وقال محمد العربي عضو الجمعية العالمية للعملات، وهو مصري مقيم في المملكة المتحدة، إنه اشترى وباع جنيه الجملين ثلاث مرات. والهدف من شرائه، هو اقتناء عملة نادرة واستثمار للغد، نظراً لسعره الذي يرتفع كل يوم. مضيفاً أن العالم أصبح مفتوحاً على مصراعيه، فالإنترنت وبرامج التواصل الاجتماعي والمزايدات، لا سيما الإلكترونية منها، جعلت الأسعار واضحه للجميع. يتابع: "كنت أزايد من مكتبي بالقاهرة على قطعتي جنيه الجملين والنصف جنيه الإصدار الأول، والمزاد كان في سيدني بأستراليا. الأسعار لم تعد حكراً على أحد والعالم مفتوح"، مؤكداً أن الخرافات بدأت من النصابين والباحثين عن الثراء السريع، وساهمت بعض الإعلانات على الإنترنت ومنتديات العملات في الترويج للخزعبلات". ويضيف العربي لرصيف22 أن البعض يزيف العملات باستخدام مواد سائلة، كي يغلب على الورقة ألوان أقرب إلى اللون البني لخداع المشتري بأنها قديمة. وأوضح: "أتذكر من 8 سنوات أن شخصاً تواصل معي بواسطة فيسبوك وطلب شراء جنيه الجملين بمبلغ 2 مليوني جنيه مصري من دون التأكد من أصالة العملة. ومن الصعب على قليل الخبرة أن يتأكد بنفسه من أصالة الورقة، ما يجعله عرضة للنصب". ويقول حنفي إن الكمية المصدرة من الجنيه تقدر بنحو 350 ألف ورقة، المتاح منها حالياً غير معروف.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ 15 ساعةالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يوموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومرائع
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت