هي تلك الصورة التي غيّرت مصير مصوّرها ستيف ماكوري Steve McCurry في العام 1985، عندما اختارتها مجلة "ناشيونال جيوغرافيك" آنذاك لتتصدر صفحة غلافها، من دون أن تغيّر مصير صاحبة الصورة شربات جولا. "الموناليزا الأفغانية" كان الاسم الذي حملته جولا، بعدما انتشرت صورتها حول العالم، ليصبح ماكوري شبيهاً بليوناردو دافنشي، مع فارق بسيط: السرّ كان في عيني الأفغانية الخضراوين الغريبتين لا في ابتسامتها.
لفّت صورة "أكثر العيون لمعاناً وبريقاً" مع مصورها معارض العالم، وبقيت جولا، الفتاة الأفغانيّة التي قضت طفولتها في مخيم "ناصر باغ" للاجئين أثناء الحرب السوفياتية على أفغانستان، رهينة القهر نفسه، الذي أعطى لصورتها في عمر الثانية عشرة سحرها.
جولا، التي تخطت الأربعين اليوم، تعرضت للاعتقال في باكستان بتهمة الإقامة غير الشرعية، بعدما ثبت أنها تحمل أوراق هوية مزورة. ويأتي اعتقالها في بشاور في سياق الحملة التي تنظمها السلطات الباكستانية ضد اللاجئين الأفغان الموجودين في البلاد بصفة غير شرعية.
وهكذا، بحسب الجهات الباكستانية، حصل الاعتقال بعد تحقيقات استمرت لأكثر من عام، قبل أن يتم اقتحام منزلها حيث تقيم مع اثنين من أولادها واعتقالها. وكانت "الموناليزا الأفغانية" قد استحصلت على بطاقة هوية باكستانية مزورة في العام 1988، قبل أن تستخرج بمساعدة اثنين من الشرطة (ملاحَقين معها) واحدة ممكننة في العام 2014، بينما تحافظ على جواز سفرها الأفغاني الذي استخدمته في العام 2014 للسفر إلى السعودية لأداء مناسك الحج.
تواجه جولا اليوم حكماً بالسجن يصل إلى 15 عاماً، مع دفع غرامة مالية قدرها 5 آلاف دولار. وبذلك يتابع القدر ملاحقتها، كما الكثير من مهجري ولاجئي الحرب الأفغانية. يقول ماكوري إنه تبلّغ خبر الاعتقال من أحد أصدقائه، ويشعر أنه "يتحمل مسؤولية القيام بكل ما يمكن لدعمها هي وأسرتها، مادياً وقانونياً". يقول إن جولا عانت الكثير طوال حياتها، واعتقالها يُعدّ انتهاكاً كبيراً لحقوقها الإنسانية.
في هذه المناسبة، يتذكر المصور تلك الصورة التي التقطها من دون أن يعرف هوية صاحبتها، فيقول "عندما ظهّرتها علمت أنها ستكون مميزة، وعندما عرضتها على محرّر مجلة "ناشيونال جيوغرافيك" قفز من مكانه قائلاً "هذا هو غلاف عددنا القادم". هكذا تحولت الصورة من مجرّد غلاف إلى رمز يختصر حرباً ولجوءاً وقهراً عاشته وتعيشه أمة بأكملها.عندما تصبح الصورة أهم من صاحبها: مصير "الموناليزا الأفغانية" صاحبة أجمل عينين
في أي مكان تراها فيه لا يمكنك الهرب من عيني جولا الطاغيتين... لكن جولا في مكان آخر اليوم، هناك حيث ينتظرها السجن والقهربعد 18 عاماً على التقاط الصورة، وتحديداً في العام 2002، وبعد عشر سنوات من البحث، تمكن ماكوري من الوصول إلى جولا، بعدما كانت قد تركت المخيم وانتقلت إلى جبال طورا بورا، وعرف بأنها من البشتون وقد أصبحت أماً لثلاثة أولاد. حينها سألها عن طفولتها وعرف أن والديها قتلا في القصف السوفياتي وأجبرت على ترك منزلها والانتقال مع جدتها وأخواتها إلى مخيم التهجير الذي قابلها فيه. في العام 2002، رأت جولا صورتها التي أذهلت العالم للمرة الأولى، وحينها قبلت بأن تتصوّر مرة أخرى. يقول ماكوري عن الصورتين "لقد محا الزمن شبابها، وحوّل بشرتها إلى جلد خشن. إلا عينيها فقد حافظتا على الوهج نفسه". وكما اعتبرت في ذلك الوقت أيقونة اللجوء التي فتحت عيون العالم على أزمة التهجير الأفغانية، أعادت صورتها اليوم وهي تواجه حكماً قاسياً التذكير بالحملة الشرسة التي تقودها السلطات الباكستانية، بعدما قدرت عدد اللاجئين الأفغان لديها بحوالي مليوني لاجئ، ومعظمهم موجود بصفة غير شرعية. يخاف كثر من هؤلاء الترحيل، بعدما قلصت السلطات المساعدات بشكل كبير وتمنعت عن تجديد الإقامات كما توقفت عن إصدارها. مع ذلك، عاد حوالي 350 ألف أفغاني خلال هذا العام، بحسب أرقام المفوضية العليا لشؤون اللاجئين. عندما سأل ماكوري صاحبة الصورة عما إذا شعرت يوماً بالأمان كان جوابها "كلا لم أشعر، لكن الحياة تحت حكم طالبان كانت أفضل". في حكاية جولا، ثمة عالمان. الأول فيه من يتذوق الجمال، يتعاطف مع من يمتلكونه إن مروا بمحنة، يجيد صناعة الرموز ويكسب تعاطف العالم، وتتغيّر حياته ليصبح "شخصاً أفضل". أما الثاني ففيه من يمتلك هذا الجمال ومن يمر بالمحن، ومن أصبح رمزاً وكسب التعاطف، ولكن من دون أن يتغيّر شيء في حياته. عالمان متوازيان لا يلتقيان، وإن بدا أنهما شديدا الاتصال والتأثير أحدهما في الآخر. صورة جولا لا تزال تُعتبر الغلاف الأشهر في تاريخ أهم المجلات الأمريكية. قد تزور مكتباً أو منزلاً أو مقهى فتجدها معلقة بسحر وجهها وشالها البشتوني الأحمر على أحد الجدران. في أي مكان تراها فيه لا يمكنك الهرب من عيني جولا الطاغيتين. لكن جولا في مكان آخر، هناك حيث ينتظرها السجن والقهر. مصيرها في ذلك كمصير أصحاب آلاف الصور في الحروب، الذين احتلوا مكانهم في مخيلتنا الفنية فحسب، من دون أن نسمح لهم باقتحام حياتنا اليومية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ ساعةعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.