شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
رواية

رواية "الخيمة البيضاء": بحثاً عن حياة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الاثنين 7 نوفمبر 201608:15 م
تقتفي "ليانة بدر" في روايتها الجديدة "الخيمة البيضاء" أثر ما يقارب ثلاثين عاماً من التحولات السياسية والاجتماعية في فلسطين، من خلال وقائع أربع وعشرين ساعة تبدأ في دوار وسط المدينة، وتنتهي عند حاجز للاحتلال الاسرائيلي. تبدأ الرواية مع شخصية "نشيد" وهي في الدوار، وتنتهي معها أيضاً وهي على حاجز "قلندية" ذاهبة إلى القدس لتنفيذ خطة رسمتها مع صديقاتها الناشطات النسويات، خطة تقضي بتهريب "هاجر" الشابة التي عقدت قرانها على شاب تحبه دون موافقة عشيرتها، وعائلتها، وهذا ما يعدّ عصياناً لا يغفره إلا القتل، تحت ما يسمى بجرائم الشرف. "عرض كبير العائلة أن يستضيفها حتى تتوافق العائلة على مصيرها. ولم يكن هناك من حل آخر سوى تهريبها، فلن تحتفظ بها الشرطة أكثر من ساعاتٍ في أي حال، كما أن أهلها القريبين صاروا محرجين وأضحوا بحاجة إلى تغطية للمسألة التي يصر الشاب ابن عمها على أنها لن تغسل، أبداً، إلا بجريمة شرف، لن تتجاوز العقوبة عليها بضعة أشهر". وما بين مشوارها الصباحي إلى مقر عملها، وذهابها في صبيحة اليوم التالي إلى القدس، تمر في ذهن "نشيد" الكثير من الأفكار والذكريات، التي تتداعى بشكل حر، فمن جهة هي الزوجة التي تركها زوجها وسافر ليعمل في الخارج، وصارت تستشعر خياناته دون أن تفاتحه بها، ومن جهة ثانية هي الأم القلقة على ابنها الشاب في أن ينخرط مع صديقته ابنة الجيران في عمل سياسي فيكون مصيرهما كمصير غيرهما ممن انتهوا في سجون الاحتلال، ومن جهة ثالثة هي الناشطة النسوية التي تناضل في سبيل رفع الظلم عن المرأة، وتنادي بإلغاء التمييز بينها وبين الرجل. كل الأفكار السابقة تمر على خلفية من الذكريات البعيدة والقريبة المتعلقة بالوضع السياسي في فلسطين، إذ ترصد الرواية أحداث عدة عقود، لا كتوثيق تاريخي، بل بما أفرزته من تحولات اجتماعية انعكست على حيوات البشر ومصائرهم. كما ترصد الرواية بشكل خاص، ذلك الشرخ الذي حصل بين الفلسطينيين أنفسهم، تحديداً بين "المقيمين" و"العائدين"، فمن بقي في فلسطين وعاش تجربة الانتفاضة الأولى 1987، كان بمعزل عن تجارب ونضال من كان في المنافي القسرية، وحين عاد الأخير إلى فلسطين بعد سنوات، وجد نفسه داخل صراع ونزاع حول أحقيته في أي شيء، "انطلق السائق في حديث طويل عن غلاء الإيجارات بسبب عودتهم، وعن ارتفاع الأسعار، وعن.. وعن.. إلى أن وصل إلى بقعته المنشودة. فقال له عاصي وهو يدفع الأجرة: "تكرم، أنا هوّه "العائد". ما إلي دخل في زيادة الإيجارات، ومش ذنبي! أصحاب البيوت ظلموني وظلموك". كل هذه السنوات ولم يعرف الناس حقيقة ما جرى من مآسٍ ومن نضالات ومجازر تواصلت على مدار أكثر من ثلاثين سنة في الخارج. كأن الانتفاضة أقنعت الجميع هنا بأن التاريخ يبتدئ وينتهي عندها. لم يرَ أحد من هنا لون الدماء المرسوم هناك". تقسم الكاتبة روايتها إلى ثلاثة فصول، وكل فصل إلى عدد من المقاطع السردية، تتناوب عليها عدة شخصيات، تنحصر بشكل أساسي في عائلتي "نشيد"، و"عاصي" الثوري القديم، والذي كان فدائياً في لبنان، ثم خرج منه ولفَّ في بلدان عدة كي يظل في محور العمل النضالي، واختزل كل حياته في الدفاع عن القضية، وحين عاد بعد سنوات طويلة إلى بلاده صُدم بموقف المعارف والأهل الذين شككوا في نية القادمين إليهم. وإنَّ شخصية زوجته "لميس"، رغم حضورها الضئيل، هي من أجمل الشخصيات في الرواية، فهي تعبّر عن انتمائها اللاواعي إلى المكان ورفضها فصلها عنه بطريقة خاصة، إذ إنها صارت تسافر يومياً من رام الله إلى بيت أمها في القدس، محتملة معاناة الوقوف على الحاجز ومشقة الذهاب والإياب، لتكرّس حقها في المدينة التي حضنت طفولتها ويفاعتها، "شيئاً فشيئاً لم تعد تسأل عن شيء يهمها بخصوص بيسان، وبدا كأنها مشغولة بشيء يأكلها من الداخل. كانت تخاف من موت أمها العجوز، كي لا تفقد علاقتها بالقدس فيتبخر سبب زياراتها اليومية". تسلط الرواية الضوء على معاناة الفلسطينيين اليوم داخل مدن فلسطين، وهي معاناة مزدوجة فمن جهة يعانون من قهر داخلي متمثل في علاقات بعضهم مع بعض، وفي العادات والتقاليد البالية التي ما زال البعض يؤمن بها ويدافع عنها، ومن جهة أخرى يعانون قهراً خارجياً هو الاحتلال، إذ إنهم يضطرون للتعامل اليومي مع جيشه ومؤسساته، ويضطرون لعبور حاجز يفصل بين شطري بلدهم، لزيارة الشطر الثاني، وقد لا يسمح لهم أصلاً بهذه الزيارة. ولعل في المشهد الأخير من الرواية، تتلخص كل تلك المعاناة بوجهيها، حيث يجتمع على حاجز "قلندية" كل من "نشيد" وابنها "خالد" و"عاصي"، في فصلٍ تجري فيه مونولوغات تختصر المأساة كلها. ليانة بدر كاتبة فلسطينية ولدت في القدس وتعيش في رام الله. درست الفلسفة وعلم النفس في بيروت، وحصلت على ماجستير في الدراسات العربية المعاصرة من جامعة بيرزيت. عملت في الصحافة الثقافية وأسست لبعض المجلات والدوريات الأدبية. تكتب الرواية والقصة والشعر، وترجمت كتاباتها إلى الإنكليزية، الفرنسية، الإيطالية وغيرها. لها أربع روايات: "بوصلة من أجل عباد الشمس"، "عين المرآة"، "نجوم أريحا"، و"الخيمة البيضاء". الناشر: نوفل - هاشيت أنطوان/ بيروت عدد الصفحات: 276 الطبعة الأولى: 2016 يمكن شراء الرواية من موقع نيل وفرات، أو من موقع متجر الكتب العربية جملون.
إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image