الخيال العلمي، الفنتازيا، الرعب، الخوارق وما وراء الطبيعة، كلها مواضيع، غالباً ما تُدغدغ عقول الشباب، وتطلق العنان لمخيّلتهم، وتحملهم إلى عالم يعج بالشخصيات الخارقة، والمساحات الغريبة العجيبة. هذا العالم وجد دوماً صداه في الكتب الأجنبية، بينما ما زال اهتمام كتابنا العرب به غير كافٍ ليشفي غليل الشباب العربي.
هو نقص، أرادت دار مخطوطة 5229 أن تعوضّه، باهتمامها الحصري بهذا النوع من الأدب، إيماناً منها بأن الخيال العلمي هو وسيلة لتحفيز الشباب للاهتمام بالتخصصات العلمية والاختراعات والإنجازات التي تخدم الإنسان.
وتماشياً مع احتفال الإمارات العربية المتحدة بـ2016 عاماً للقراءة، أطلقت نورة النومان، الكاتبة والروائية الإماراتية المتخصصة في أدب الأطفال واليافعين، هذه الدار التي تعدّ الأولى من نوعها في الإمارات.
تقول نورة: "ترعرعت في مكتبة جدي، وأحببت منظر الكتب في مكتبته، ورأيت شغفه بكتبه، وشهدت أسرتي تهتم بالكتب وبالقراءة. في الابتدائية، تعرفت على قصص "المغامرين الخمسة" وأدمنت عليها، لكن لم أجد كتباً أخرى تناسب فئتي العمرية". وتضيف: "في سن المراهقة، بدأت أقرأ الخيال العلمي باللغة الإنجليزية، ثم أضفت الفنتازيا. ولم أعد أهتم بالكتب العربية، إذ لم أجد بينها ما يخاطب عمري أو اهتماماتي".
اهتمام لم تترجمه نورة بالكتابة، إلا عندما لاحظت اهتمام أولادها وبناتها بمكتبتها، وتركيزهم على الكتب الإنجليزية. وتابعت: "بحثت لهم عن روايات عربية تناسب اليافعين ولم أجد. حينها قررت أن أكتب، واخترت الخيال العلمي، لأنني اعتبرته وسيلة مناسبة لتوفير محتوى عربياً مثيراً. فكتبت رواية أجوان (2012) ثم الجزء الثاني منها، ماندان 2014، وسيصدر الجزء الثالث في نوفمبر في معرض الشارقة الدولي للكتاب".
كتابة الروايات فتحت الباب أمام مشاكل جديدة لم تكن في الحسبان. وتوضح نورة: "عندما تواصلت مع دور النشر العربية لنشر أجوان، كان التواصل صعب، وفي بعض الأحيان مستحيل. كنت محظوظة للقاء رئيسة مجلس إدارة دار نهضة مصر، التي اهتمت بالمسودة ووافقت على نشرها. أنا متأكدة من وجود كتّاب في مجال الخيال العلمي والفنتازيا، ومتأكدة أنهم يواجهون الصعوبات نفسها في التواصل مع دور النشر. وربما أكبر تحدٍ يواجههم، هو عدم اهتمام دور النشر بهذه الأنواع".
هكذا صممت على إنشاء دار نشر متخصصة بهذا النوع من الأدب حتى يجد الكتاب منصة لنشر مؤلفاتهم. ولم يكن اختيار اسم الدار "مخطوطة 5229" من باب الصدفة. فتشير نورة إلى رواية الكاتب الأمريكي مايكل كرايتون Michael Crichton "أكلة الموتى"، تحول إلى فيلم بعنوان "المقاتل الثالث عشر"، يؤدي أنتونيو بانديراس فيه دور أمير عربي، ينضم لمجموعة من المقاتلين الفايكنغ، ويساعدهم في قتال قبيلة متوحشة في غرب أوروبا. إذ يقول كرايتون إنه قرأ عن رحالة عربي، وتخيل مقابلته للفايكنغ. لذلك بحثت نورة عن الرحالة، واكتشفت أن أحمد بن فضلان البغدادي شخصية حقيقية، وأرسله الخليفة العباسي المقتدر بالله كمبعوث لبلاد الفولجا. وفي أسفاره، التقى البغدادي بشعوب وثقافات سجلها في كتاب من 420 صفحة. هذا الكتاب ما زال موجوداً كمخطوطة (بخط البغدادي) حتى يومنا هذا في متحف تركي، تحت عنوان MS5229. لذلك سمت الدار مخطوطة 5229، تخليداً للمخطوطة، ولتحولّها إلى فيلم هوليوودي. واستخدمت الحروف بخط البغدادي لتصميم شعار الدار.
[caption id="attachment_79800" align="alignnone" width="700"] صفحة من مخطوطة بن فضلان[/caption]
ما زالت دار النشر تخطو أولى خطواتها، وقد ترجمت ونشرت حتى الآن كتابَين فقط، أحدهما كتاب إرشادي لكيفية كتابة مشاهد القتال في الأدب، والثاني "بريق العدالة"، وهو رواية خيال علمي حائزة معظم جوائز الخيال العلمي في الغرب عام 2015.
وعزت نورة سبب اختيار هذا الكتاب، إلى أنها أرادت أن تترجم الأعمال الجيدة والمفيدة، ليطلّع القارئ على هذه الأعمال، ثم يحاكيها في الجودة والخروج عن المألوف. توفير هذه الأعمال، بالنسبة إليها، سيُثري المكتبة العربية، ويخلُق مجتمعاً من محبي الخيال العلمي والفنتازيا. ثم تصدر بعد ذلك أعمالاً أصلية بالعربية.
الخيال العلمي والقراء، حب من طرف واحد؟
تعتبر نورة أن هذا الأدب غيّر حياتها، فتجد أن مواضيعه وأحداثه وشخصياته ومواقعه مثيرة جداً، وتسمح للقارئ أن يُحلّق بعيداً عن الواقع. لكن ما قد يجهله الكثيرون، بحسب الروائية الإماراتية، أن هذه الأنواع من الأدب، في أساسها، تعكس واقعنا السياسي والاجتماعي والاقتصادي، لكن في عالم مختلف، وتسمح للكاتب أن يسلط الضوء على الواقع وينتقده، ثم يترك للقارئ الخيار في اتخاذ القرار، لتقبله أو رفضه والسعي نحو تغييره، بدءاً بنفسه طبعاً".الخيال العلمي، الفنتازيا، الرعب... كلها مواضيع يحبها الشباب ويتجاهلها الأدب العربي! ولكن ليس دار مخطوطة 5229
“حين نناقش علماء ومخترعي العالم، ونسألهم عن مصدر إلهامهم، سنجد أن معظمهم يتحدثون عن قصص خيال علمي قرأوها في صغرهم”وتقول: "حين نناقش علماء الغرب ومخترعي العالم، ونسألهم عن مصدر إلهامهم، سنجد أن معظمهم يتحدثون عن قصص خيال علمي قرأوها في صغرهم، وتشكلت لديهم رغبة في التخصص في المجال الذي يحقق تلك الاختراعات في قصصهم المفضلة. نحن في العالم العربي نحتاج أن يهتم أبناؤنا بالتخصص العلمي وبالدراسات والبحوث والاختراعات، وأرى أن الخيال العلمي هو منفذنا". عشق نورة لهذا النوع من الأدب، لم يجد الكثير من الإقبال بعد، بسبب ضعف التسويق، خصوصاُ لأنها كتب إلكترونية، تقول نورة. وتعتبر أن القارئ العربي لم يتعود بعد شراء كتاب إلكتروني، بل يفضل أن يحمّل كتاباً مجانياً. قد لا يكون الإقبال كبيراً، غير أن نورة تؤمن باهتمام الشباب العربي بالخيال العلمي. توضح: "يكفي أن ننظر إلى مبيعات تذاكر أفلام الخيال العلمي لنستنتج الشعبية الكبيرة لهذا النوع". وتضيف: "هذه الكتب غير متوفرة بالعربية، ليس حتى بنسبة 5% مما يتوافر منها باللغات الأخرى. وما يتوافر، يحتاج الكثير من المراجعة والتوجيه. لا أريد هنا أن أقلل من أهمية ما صدر حتى الآن من روايات في هذا النوع، لكنه ما زال في المهد، مقارنة بما يتوافر باللغات الأخرى". والحل؟ "نحتاج إلى دورات أو ورش عمل، أو مساقات جامعية متخصصة في تعليم عناصر الرواية الناجحة، وليس فقط اللغويات. ما أراه اليوم هو محاولات فردية، وهذا محزن بالنسبة إلي، لأنني أعلم أن المواهب متوافرة، لكننا بحاجة لمن يوجهنا بمنهجية واضحة"، تجيب. إضافة إلى كل هذه العناصر، تواجه الكاتبة تحديات العبء المالي. وتقول: "أنا أخطط لترجمة أعمال جيدة لأوفر محتوى جيداً يتعلم القارئ منه كيف يكتب نصاً جيداً. وعملية الحصول على حقوق النشر باللغة العربية، عملية طويلة ومكلفة، ثم انتقاء المترجم الجيد، علماً أن العثور على مترجم في هذا النوع يكاد يعد أمراً مستحيلاً". وتابعت: "ولأنني حظيت بفرصة التدرب في دار نشر بريطانية، اكتشفت بسرعة أن تكاليف النشر في العالم العربي تعني أنني سأكون مديونة طوال حياتي. فمن شراء الحقوق إلى أجر المترجم، ثم التحرير، والتدقيق اللغوي، والطباعة والنشر والتوزيع، كلها مكلفة جداً، وهو ما يتفق عليه جميع الناشرين. لذلك اخترت أن تكون مخطوطة، دار نشر للكتب الإلكترونية فقط". وعلى الرغم من المطبّات، تقوم نورة حالياً بالتفاوض على شراء حقوق عدة كتب في الخيال العلمي والفنتازيا، وتركز على العمل مع كتّاب عرب، يخوضون تجربة هذا النوع من الأدب. تبقى "مخطوطة 5229"، بالنسبة إلى نورة: "تجربة علمية، وفي كل يوم أتعلم شيئاً جديداً. لا أعتبر الدار نفسها مسؤولية، بل مشروع شراكة مع كل من يعاونني. فالنشر ليس عملية تجارية، بل شراكة في عملية التعلم والنمو".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...