لا يكاد المساء يحل على يوم الخميس من كل أسبوع، حتى يبدأ الشباب بالتجمع، ليتوجهوا إلى المطلات على تلال ضواحي عمان، ويقضوا وقتاً لطيفاً داخل سياراتهم، حتى ساعات الفجر الأولى. هناك يستمعون إلى الموسيقى ويتبادلون أطراف الحديث، في ظاهرة باتت تعرف بالـ"كار بار""Car-Bar، وقوامها الكحول.
وكانت منظمة الصحة العالمية كشفت حديثاً عن نسبة استهلاك الكحول السنوية للشخص في الأردن، وبلغت 15.2 ليتراً، يستهلك الرجال 16.5 ليتراً، أمّا النساء فـ10.9 ليترات.
ظاهرة الكار بار هي عادة مستجدة بين بعض الشباب الأردنيين، بغض النظر عن عادات وتقاليد المجتمع الذي يعيشون فيه. لا يتسبب الشباب المجتمعون بالمتاعب لأحد، بل يحاولون "قضاء وقت ممتع مع الأصدقاء"، بحسب شاب يجالس أصدقاءه على إحدى "مطلات" ضواحي عمّان.
المشهد بسيط: سيارات متلاصقة، أجواء من الموسيقى المختلفة، كلٌ بحسب ذوقه، مع قناني البيرة في باب السيارة، وبعض المقرمشات والمكسرات. تُفتح شبابيك السيارة قليلاً، حرصاً من ركاب كل سيارة على عدم التشويش بصوت الموسيقى الصادحة على أجواء السيارات المجاورة.
تغيير جو بميزانية معقولة
يلتقي الشباب إذاً لاحتساء المشروبات الروحية والاستماع إلى الموسيقى من دون الذهاب إلى المطعم أو الحانة. وتعود تسمية هذه الظاهرة بالـ”كار بار" إلى الشباب أنفسهم، عند الاتفاق على الموعد والمكان "المطل" للتجمع بسياراتهم، والبدء بطقوس سهرتهم، والتي تكون عادة في نهاية الأسبوع. لا يخفي من يرتاد سهرات الـ"كار بار"، أن كسر روتين الحياة اليومية والرتابة المزعجة التي تحصل إثر تكرار ارتياد المطاعم أو الحانات نفسها، هو وراء سبب انتشار هذه الظاهرة، بالإضافة إلى الجانب المادي، الذي يُعتبر زهيداً مقارنةً مع المطاعم والحانات. يقول شاب من إحدى المجموعات لرصيف22، إنه حتى ولو لم تتوفر السيارة، يقوم الشباب باستئجار سيارة سياحية أو إحدى السيارات المتوفرة على المطل، حيث يعرض أحدهم مجموعة من سيارات فولس فاغين للإيجار، للذين يأتون من دون سيارات. فالسهرة هنا لا تكتمل من دون السيارة، التي تأخذهم بعيداً عن رتابة حياتهم وهمومها، بمساعدة المشروبات. المعرفة بدلالات مصطلح كار بار لا تقتصر فقط على الشباب الذين يذهبون إلى المطلات، إذ اشتهرت الظاهرة بين الشباب الأردني بشكل عام، حتى أولئك الذين لا يمارسون هذه العادة. ولكن شهرة هذه الظاهرة لا تعكس مباركة الجميع لها.ممارسة الحرية الشخصية في الأماكن العامة
من المؤشرات التي تبيّن رفض شريحة واسعة من الشباب الأردني لهذه الظاهرة، هو عدم الاعتراف بوجودها أصلاً، عند سؤالنا عنها. ما يزال المجتمع الأردني لا يتقبّل موضوع تناول المشروبات الروحية، خصوصاً إذا كان في مكان عام. تعدّ المشروبات الروحية من المحرمات في نظر الكثيرين، وترى بعض المجموعات المحافظة أن هذه الظاهرة دخيلة على المجتمع ولا تمت له بصلة، وترفض تناول المسكِّرات، لما لها من آثار سلبية على الفرد والمجتمع. ولكن مجموعات شبابية أخرى تنتمي للفئة العمرية نفسها ترى النقيض. لا يحبّذ الشبّان ممن يؤيدون هذه الظاهرة الدخول في نقاشات مع من يخالفهم الرأي، وذلك لاقتناعهم بأن المسألة بسيطة، ولا تتعدى الرغبة في الترويح عن أنفسهم، كأي سهرة مع الأصدقاء في مكان عام، إذ لا تشترط هذه السهرات تناول المشروبات الروحية بالضرورة. يعتبر هؤلاء الشباب أنهم يحترمون وجهة نظر من يخالفهم الرأي في طريقة قضاء أوقاتهم، نظراً للعادات والتقاليد السائدة في المجتمع، لكنهم يرفضون التدخل في حرياتهم الشخصية وأسلوب حياتهم الذي لا يؤذي أحداً.داخل السيارة أو خارجها، القانون نفسه!
ولكن ماذا عن قانونية هذه الممارسة؟ يقول المحامي رامز العلي إن ظاهرة الكار بار هي عبارة عن تناول المشروبات الروحية في الأماكن العامة، بغض النظر إن كانت داخل السيارة أو خارجها. ويشير العلي إلى أن قانون العقوبات الأردني، في المادة 81، ينص على معاقبة متناولي المشروبات الكحولية في الأماكن العامة، وحظرَ تناول أي نوع من المسكرات في الأماكن العامة بشكل مطلق، وينطبق ذلك على ظاهرة الكار بار. ويضيف العلي: "القانون الأردني يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن شهر، ولا تزيد على ثلاثة أشهر، أو غرامة لا تقل عن 250 ديناراً ولا تزيد على 500 دينار، أو بكلتا العقوبتين، كل من ارتكب مخالفة قيادة المركبة تحت تأثير المشروبات الروحية بنسبة تزيد عن الحد المسموح به لتركيز الكحول في الدم". علماً أن حوادث السير قد ازدادت في الآونة الأخيرة، ويعود ذلك بحسب العلي، إلى ازياد نسبة تناول الكحول والقيادة تحت تأثيرها. لم يواجه الشباب الذي يجتمعون على المطلات مشاكل تذكر حتى الآن. ولكن التوسع العمراني في عمّان يهدد بالقضاء على معظم المطلات المحيطة بها، والتي تعتبر الركن الأساسي لهذه الظاهرة، لما تؤمنه من خصوصية ومنظر جميل، متيحة لمجتمع شبابي مصغّر، ألِف صوت الموسيقى والهرب من الزحمة، أن يجتمع على قليلٍ من الخمر.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.