يغلب طابع التنافر والتضاد والتوتر على تعبيرات فن السلام Slam في تونس. ما يجعل هذا الفن الشبابي المعاصر حديث النشأة، فريداً ومتنوعاً، ومثيراً للسجال، الذي يعتبر عنصراً إيجابياً ومخصباً لأي فن من الفنون.
نوّع مأدو السلام في تونس تجاربهم وراكموها، مستفيدين من تطور التقنيات المرئية والمسموعة والتسجيل الرقمي، وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي.
وجوه عديدة تنهض بهذا الفن في تونس، منها حاتم القروي، ومنير بن كميشة، وأنيس زقرني، ومحمد الداهش، وحمدي المجدوب، وعمر الصفاقسي وحمة ولد الباي... كما ظهرت أسماء كثيرة للسلامورات، مثل آية بن منصور، وبشرى بوقرة، وفرح الميلي، وصابرين غنودي، وصفاء البرجي، وروعة خويلدي وغيرهم.
يثير هذا الفن جدلاً في تونس حول مسألة اعتباره فناً من فنون الشارع، أو عرضاً على الخشبة في فضاء مغلق. عرف فن السلام في المدن الغربية كفن للقول الشعري، نشأ أساساً لقطع أشكال الإلقاء الكلاسيكية للشعر النخبوي، وإخراجه من جمود القاعات، إلى صخب الشارع.
[caption id="attachment_77710" align="alignnone" width="700"] حاتم القروي[/caption]
لذك لم يسلم حاتم القروي، صاحب أول عرض سلام في تونس، بعنوان "السلام عليكم"، الذي أقيم عام 2008، من النقد. وعلى الرغم من موهبته في فن الأداء والتلاعب بالكلمات والارتجال، إلا أن عدداً كبيراً من فناني السلام، يعيبون على حاتم القروي، تكسيره لأهم القواعد التي أرساها مارك سميث، في كتاب الطبقة العاملة، بداية سنة 1984 في مدينة شيكاغو لفن السلام Uptown Poetry Slam. وأهم القواعد التي تخطاها، المساحة الزمنية المقدرة بثلاث دقائق لعرض النص على الجمهور، إضافة إلى اعتماد الخلفية الموسيقية، والأزياء التنكرية والتجميل، وغيرها من متطلبات العرض المسرحي أو الحفل الموسيقي.
العرض الحر
كان هذا الفن في بداية نشأته يتكأ على فنون أخرى، لينحت مادته الإبداعية. ففي العاصمة الألمانية برلين، ساهمت الطليعة الأدبية في دعم فن السلام، وفي مدينة الكوباك الكندية، نما هذا الفن وأصبح أقوى، مستفيداً من موسيقى الجاز. أما موجات السلام في أوروبا، فاستثمرت بداية من عام 1998 الشريط السينمائي "السلام"، الذي طرحه الأمريكي مارك لفين. أما في تونس، فلا يمكن إنكار دور المسرح والموسيقى في تثبيت فن السلام، كما لا ينبغي التغافل عن ترحيب الفنانين التشكيليين في تونس بهذا الفن، فخصصت دار الفنون بالبلفدير فضاء "الهنغار" المجاور لقاعة العروض التشكيلية للسلام. يقول حاتم القروي إن ميله الجارف لفن التمثيل والموسيقى مكنه من كتابة أول نص لفن السلام. وهو قضى فترة طويلة في التدريبات المسرحية، وانضم إلى فريق الممثلين في مسرحية "هنا تونس". ومثل انقطاعه المفاجىء عن العمل المسرحي، ردة فعل قوية لإنجاز عمل فني خارق، يعوض له بعض ما فاته من عشق الخشبة. ويؤكد أنه تأثر عند استماعه لعرض السلام 6ème sens للفنان الفرنسي فابيان مارصو، المعروف باسم Grand corps malade، ما جعله يقدم على خوض تجربة فن حر للسلام، أو ما يسميه "سلام بوتري"، وفيه مزج بين المسرح والموسيقى.لمة سلام
انضمت كوكبة من "السلامور" Slameurs لمبادرة القروي، وهم الجيل الأول الذي استهوته العروض الحرة لفن السلام. وانتظمت جل العروض بداية في الفضاءات الترفيهية وقاعات السينما والمقاهي، إلى أن حازت بعض العروض اهتمام المهرجانات الدولية الصيفية، مثل مهرجان قرطاج والحمامات. يكمن عنصر القوة في هذه العروض، أنها كانت تنجز بعد إعداد طويل ومنظم، فيتم تحديد موضوع، ينشر في شبكات التواصل الاجتماعي، ليتولى المتدخلون إعداد نصوصهم، ثم يعقد لقاء تحكيمي، يسند فيه الحضور أعداد من صفر إلى عشرة لكل سلامور. وفي اختيار النصوص الفائزة يتم اعتماد الأعداد الوسطى، لتفادي الآراء المزاجية، أو التي تتخفى ورائها نوايا تحطيمية، أو مساعي خفية لتغليب صوت على آخر. بفضل هذا التنظيم، قد عقدت "لمة السلام" هذه السنة في موسمها الخامس، ما أفرز إقامة البطولة الوطنية للسلام في مطلع 2016، التي أعطت هذا الفن مسحة احتفالية رياضية لدورات التنس والرغبي أو البريدج، وفق ما اتفقت عليه ذائقة تأسيس فن السلام، في بعض مدن الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا.تأنيث السلام
كسر التواصل الافتراضي بعض البنى الطبقية وحواجز التفرقة بين الأجناس، خصوصاً الطوق المضروب على حضور بعض الفتيات في النشاطات الفنية. وتقول كاتبة فن السلام بشرى بوقرة: "مكننا فيسبوك من الاطلاع على ما يجري من تظاهرات فنية في تونس العاصمة، فلاحظت أن تظاهرة لمة سلام طالت عدّة محافظات مثل القصرين ونابل، أو صفاقس... ويعد ذلك محاولة لتدعيم فن السلام باعتباره فناً حياً جديدا لا يزال بصدد الاكتشاف في تونس، فهو راعي الكلمة الحرّة، الكلمة البسيطة، الكلمة المسموعة والمتداولة". نيران الطرابلسي، اسم آخر لمع في فن السلام على الرغم من أنها تخصص حيزاً كبيراً من كتاباتها للشعر المعاصر. وقد شاركت في عدة تظاهرات لفن السلام. وأهم ما طبع انتباه نيران الطرابلسي في تونس هو تحرر الأصوات والأقلام ما بعد ثورة 14 يناير 2011. ولم تتمخض عن هذه الثورة مناخ الحرية باعتباره عنصراً أساسياً في مجال الكتابة والإبدع بل تزايد عدد المتلقين والمتعطشين لفنون التعبير الشبابي. أما كتابة فن السلام آية بن منصور فهي تعتبر فن السلام بمثابة النفس الذي نتنفسه. وهو فن استقطب الكثير من الشباب بما أنه يتماشى مع اهوائهم واندفاعاتهم ويلبي تطلعهم إلى الفن البديل المقاوم لقساوة الواقع وتبدلاته. وقد استفادت من مشاركاتها في عروض السلام بتونس العاصمة لتطور كتاباتها وتدخل غمار منافسات السلام، خاصة تلك التي تنتظم ببيت الشعر بالمدينة العتيقة. وفي مقابل ذلك تقول خولة شقرون انها تعلقت بفن السلام بعد أن أتيحت لها فرصة إلقاء نص سلام في تظاهرة بمنتجع بني مطير بالشمال الغربي التونسي.أصوات شتى
يقول السلامور حمدي مجدوب انه يحاول ان ينتهج في كتابته نفس النهج الذي "قدمه أحمد فؤاد نجم وعبد الرحمان الأبنودي وليو فيري Léo Ferré وغيرهم ممن يلقون نصوصهم ويكتبون القصة المحكية". ويرى أن المشكلة القائمة في كتابة نصوص السلام هو الاستسهال والكتابة بالعامية وعدم متانة المحتوى ولذلك بحث في القصة المحكية والعرض المتكامل الذي يخلق "غنائية/شعرية للنص". وبعد المشاركة في عدة عروض لفن السلام في تونس تمكن حمدي المجدوب مؤخراً من إنجاز عرضين مستقلين الأول مع مجموعة خطّ لجواد نوفل (مونما) بمشاركة عازف البزق الفلسطيني جلال نادر والثاني بمفرده مع عازف وموسيقى مسجلة بإمكانيات ذاتية. https://soundcloud.com/munma/munma-hamdi-mejdoub-m7ebba/sets ويقول حمدي المجدوب إنه ليس من عشاق مصطلح السلام وهو يفضل الشعر المحكي Story Telling وهو ما يستوجب الأداء لما هو مكتوب، "لذلك يصبح التسجيل الصوتي أو حتى المرئي ضروري". أما السلامور أنيس زقرني فيقول من جهته إن السلام يبدأ بنسق سريع وينبغي في العادة الا يتجاوز ثلاث دقائق، ورغم هذه القواعد الصارمة تمكن السلام التونسي من إيجاد خصوصية. كما يستوجب فن السلام، بحسب زقرني، توظيف مقومات فنية عديدة من المسرح والموسيقى حتى يكون العرض ناجحاً ومتكاملاً. والريتم والمحافظة على التقفية ضروري في الإلقاء تقيداً بأن فن السلام ولد أساساً لكسر قواعد الشعر Slam the door أو Claquer la porte ou claquer les mots، وبالأخص الكلام، بجعله أكثر سرعة مع استعمال لغة الشارع. ولدى السلامور محمد بوبكري (حمة ولد الباي) رأي مخالف تماماً، إذ يعتقد أن ما يقدمه حاتم الغربي هو فن مسرح رغم المجهودات الكبرى التي بذلها في فن الأداء، مؤكداً أن عدداً من الشباب التونسي يكتب السلام قبل لغربي وحتى مارك سميث، لكن لا يعلم أنه يكتب بتقنيات السلام. فالسلام حسب رأي حمة ولد الباي "لا يستحق التعبير المسرحي، لأن قوته في الكلمة، ومن لا يجد القوة في الكلمة، يبدأ في البحث عن طرق أخرى فوق خشبة المسرح ليجذب الناس ويخلق الحدث. كما يشير ولد الباي إلى أن السلام في تونس الحكام فيه من الجمهور، وهو ما يقف عائقاً أمام التقييم الفعلي، لأن الجمهور ليس مؤهلاً ليحكم على النص لأنه يحكم بالعاطفة. اختار حمة ولد الباي أن يسجل كليب لفن السلام بدل المشاركة في عروض حيّة، ويقول "بذلك أترك المسرح للبرجوازية الذين يريدون كسب الأموال والضحك على الشعب التونسي، ففن الشارع لا يمكنه ان يعتلي المسارح، وفن السلام لن ينتشر إلا عبر تقنية الفيديو على يوتيوب أو بعض القنوات التي لها تأثير كبير على الجمهور". ورغم أن هذا الفن حديث النشأة، إلا أنه استطاع أن يزاحم فرقاً عالمية شهيرة في فن السلام. ففي سنة 2014 استطاعت نخبة من المعاهد الثانوية بالقصرين أن تحصل على الجائزة الأولى في فن السلام بمهرجان ربيع المعاهد Printemps des Lyceens أمام منافسة شديدة من نظرائهم من معاهد البحر المتوسط. وقد كان السلامور حاتم القروي هو من أشرف على هذه الورشات الهادفة لتكوين شبان قادرين على كتابة نصوص سلام وتأديتها أمام جمهور واسع في مهرجان عالمي.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 19 ساعةرائع
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.