شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
​صفقة الأسلحة المصرية الفاسدة بين الحقيقة والأسطورة

​صفقة الأسلحة المصرية الفاسدة بين الحقيقة والأسطورة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الجمعة 14 أكتوبر 201606:03 م
في العاشر من أكتوبر 1950 فجّر الأديب والكاتب الصحافي الشهير إحسان عبد القدوس على صفحات مجلة روز اليوسف التي كان يترأس تحريرها قضية الأسلحة الفاسدة، وقال إن الجيش المصري تعرض للخيانة في حرب فلسطين عام 1948 واستخدم أسلحة فاسدة قتلته بدلاً من قتل العدو، فكان ذلك سبب الهزيمة.

الترويج للقصة

Nirim1948_1 في السيرة الذاتية التي كتبتها الدكتورة هدى جمال عبد الناصر عن والدها في الموقع الذي يحمل اسم الرئيس الراحل تقول: "وبعد رجوعه إلى القاهرة أصبح جمال عبد الناصر واثقاً من أن المعركة الحقيقية هي في مصر، فبينما كان ورفاقه يحاربون في فلسطين كان السياسيون المصريون يكدسون الأموال من أرباح الأسلحة الفاسدة التي اشتروها رخيصة وباعوها للجيش". ويقول كتاب التاريخ المقرر للصف الثالث الثانوي في مصر: "كانت الأسلحة الفاسدة من الأسباب الرئيسية للثورة عندما أخذت النيابة العامة فى التحقيق فى قضية الأسلحة الفاسدة، أثبت التحقيق اشتراك بعض رجال حاشية الملك فاروق فى صفقات السلاح". وظل التلفزيون المصري على مدى عقود يعرض في ذكرى الثورة فيلم "رد قلبي" الذي أنتج عام 1957، وفيه يحكي الممثل كمال ياسين (الضابط سليمان وهو من الضباط الأحرار) لشكري سرحان (الضابط علي) عن رحيل زميلهما رشدي أباظة (صلاح) الملاكم الذي لقي حتفه في حرب فلسطين عام 1948 حيث أن السلاح كان يقتل الجيش نفسه بدلاً من قتل الصهاينة". هكذا تربت أجيال عديدة في مصر وهي على يقين بأن هزيمة الجيش المصري في فلسطين عام 1948 كان سببها "أن السلاح كان يقتل الجيش نفسه بدلاً من أن يقتل الصهاينة".
هل قصة الأسلحة المصرية الفاسدة التي أُعطيت للجيش المصري عام 1948 لقتال الإسرائيليين حقيقية أم "فنكوش"؟
في مثل هذا اليوم من عام 1950، أثار الكاتب إحسان عبد القدوس قضية أسلحة الجيش المصري الفاسدة عام 1948. فما القصة؟
وبالفعل يقول الكاتب الصحافي الكبير عزت السعدني إنه ساد الاعتقاد لفترة طويلة بين المصريين أن صفقة الأسلحة الفاسدة كانت السبب في هزيمة 1948. وقال السعدني لرصيف22: "كما ترسخ في الضمير الجمعي للمصريين أن عدداً من أغلى أبناء مصر ذهبوا ضحية الأسلحة الفاسدة عام 48، مثل البطل أحمد عبد العزيز الذي تم إطلاق اسمه على شارع رئيسي في حي المهندسين بالقاهرة". وأوضح السعدني أن القضية تفجّرت بعد تقرير ديوان المحاسبة (نظير الجهاز المركزي للمحاسبات حالياً) الذي وردت فيه مخالفات مالية جسيمة، دانت صفقات أسلحة للجيش في عامي 1948 و1949. وقامت الحكومة الوفدية والملك فاروق باستخدام كل الوسائل لإسكات أصوات المعارضة التي أرادت فتح ملفات القضية للوصول إلى المتورطين ولكن تم تقديم المتهمين إلى المحاكمة بعد الإطاحة بالملكية عام 1952.

شهادات معاكسة

ولكن كانت المفاجأة في الحكم الذي صدر يوم 10 يونيو 1953، أي بعد ثورة الضباط الأحرار بنحو سنة، والذي نشرته صحيفة الأهرام في صدر صفحتها الأولى في اليوم التالي. وقضى الحكم ببراءة كل المتهمين من التهم المنسوبة إليهم، ما عدا متهمين اثنين فقط حكم على كل منهما بغرامة 100 جنيه، وهما القائمقام عبد الغفار عثمان والبكباشي حسين مصطفى منصور. وإزاء هذا الحكم، يطرح هذا السؤال نفسه بقوة: هل هنالك قضية كبيرة فعلاً أم أن الأمر كان مجرد "فنكوش" (كلمة يطلقها المصريون حالياً على القضايا أو الإنجازات الوهمية)؟ وجاء الرد على هذا السؤال على لسان عدد من القيادات العسكرية السابقة والمؤرخين العسكريين الذين رفضوا تعليق الهزيمة في 48 على شماعة "الأسلحة الفاسدة". يقول اللواء محمد نجيب فى كتابه "كلمتي للتاريخ" الصادر عن المكتب المصري الحديث عام 2011: "أنا لا أريد أن أنزلق مثل الكثيرين إلى تعليق عدم انتصارنا فى حرب فلسطين على مشجب الأسلحة الفاسدة، وهي القضية التي استخدمت للدعاية ضد النظام القائم حينذاك، ولكنها انتهت بالبراءة في عهد الثورة". 6pdr-Aibdis وقال المؤرخ اللواء أركان حرب جمال حماد في حديث إلى صحيفة الأهرام في 11 ديسمبر 2009: "بصراحة شديدة حجم الدعاية في قضية الأسلحة الفاسدة لا يقل عن 60 بالمئة، وقد روّجت السينما لهذه القضية طويلاً. وكل ما في الأمر أن المدافع التي قيل إنها كانت ترتد لصدور جنودنا كانت تنفجر نتيجة لسخونتها. وكثافة استخدامها في ضرب النار وقلة التدريب. فالمدفع الـ25 رطلاً من أفضل المدافع في العالم وهيأ النصر للإنجليز في العلمين، ولكن الذخائر التي استخدمت كانت فاسدة نتيجة للعوامل الجوية وحرارة الشمس في الصحراء". وأكد ضابط المخابرات الحربية السابق الدكتور ثروت عكاشة، في مذكراته التي حملت عنوان "مذكراتي في السياسة والثقافة" الصادرة عن دار الشروق عام 1990، أن الآراء التي تقول بأن سبب هزيمة الجيش المصري في فلسطين عام 1948 هو فساد الأسلحة والذخائر آراء متجاوزة للحقيقة، وأن كل ما حدث هو انفجار ناجم عن خطأ في تعبئة الذخائر الإنجليزية، وكان مثل هذا الحادث وقع بالجيش البريطاني خلال الحرب العالمية الثانية". وعلى شاشة فضائية الجزيرة، قال الفريق الراحل سعد الشاذلي رئيس أركان الجيش المصري خلال حرب 6 أكتوبر 1973 لبرنامج شاهد على العصر بتاريخ 22 يوليو 2009: "إن هناك الكثير من المبالغات في مسألة الأسلحة الفاسدة، ولا يصح إرجاع الهزيمة لهذا الأمر". بالإضافة إلى العسكريين، أدلى القاضي كمال أحمد ثابت الذي أصدر الحكم السابق في قضية الأسلحة الفاسدة في حوار لصحيفة الجمهورية القاهرية في 3 يونيو عام 1976 قال فيه: "كان الجيش المصري يعاني من نقص السلاح والمؤن والذخيرة، وبالرغم من معارضة العسكريين الذين أجمعوا أن الوقت غير ملائم لاتخاذ إجراءات حربية، فقد كانوا متأكدين أن الوحدات المصرية وجميع الأسلحة لا تملك الإمكانيات أن تخوض حرباً منتصرة، لكن رجال السياسة لم يأخذوا برأي العسكريين، فكان دخولهم الحرب مجازفة. ولتعويض نقص السلاح، أنشئت لجنة تسمى لجنة احتياجات الجيش بقرار من مجلس الوزراء في 3 مايو 1948، وقد أعفيت من كل القيود والإجراءات المالية حتى تسرع في الحصول على الأسلحة والذخائر. ثم إن محكمة الجنايات لم يثبت لديها مصرع جندي واحد من أسلحة فاسدة".

بروباغندا ضد الملكية

ولكن إذا كانت قضية الأسلحة الفاسدة "فنكوش" فما هي الأسباب التي أدت إلى الهزيمة؟ في إجابة جمال حماد في السطور السابقة إشارة إلى إهمال الجيش في الحفاظ على الذخائر، وضعف تدريب الجنود. كما أشار محمد حسنين هيكل في كتابه "أزمة العروش وصدمة الجيوش" الصادر عن دار الشروق عام 2002 إلى أن حجم القوات العربية مجتمعة في بداية حرب فلسطين كان 25 ألف جندي في مقابل 30 ألف جندي يهودي، وعندما زاد العرب قواتهم لاحقاً إلى 40 ألف جندي كانوا في مواجهة 117 ألف يهودي أي ثلاثة أضعاف الجيوش العربية مجتمعة. ويبقى في النهاية سؤال هو: هل كان إحسان عبد القدوس يعلم حقيقة قضية الأسلحة الفاسدة عندما أثارها؟ MAIN-2_Egypt-weapons رداً على هذا السؤال نسبت صحيفة البيان الإماراتية في عددها الصادر بتاريخ 24 يونيو عام 2002 إلى اللواء أركان حرب متقاعد مصطفى ماهر، الرئيس السابق للجنة العسكرية لتسجيل تاريخ ثورة 23 يوليو، القول: "بعد مرور سنوات طويلة على هذه القضية، ذهبت لزيارة إحسان عبد القدوس وكان قد أصبح رئيساً لتحرير الأهرام في ذلك الوقت، وكان معي زميل من اللجنة العسكرية، وقلت له: "أستاذ إحسان... لقد انتهت قصة الأسلحة الفاسدة فاحكِ لنا الحقيقة بالضبط في هذه القضية". فردّ عبد القدوس: "أنا روّجت لهذه القصة ونفخت فيها لعدم قدرة الأحزاب في ذلك الوقت على إحداث تغيير، ولأن القوة الوحيدة التي تستطيع التغيير هي القوات المسلحة. ومن هنا جاءت لي فكرة الأسلحة الفاسدة حتى أستفز وأثير حماس ضباط الجيش، لأنني كنت أرى أنهم هم الوحيدون القادرون على إزاحة الملك".

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image