في مناسبة إحياء الذكرى الـ43 لحرب السادس من أكتوبر، ذكرى انتصار الجيش المصري على القوات الإسرائيلية، تسارع وسائل إعلامية عدة إلى تخليد الدور العربي والسوفياتي الداعم لمصر، متغافلةً عن الدور التركي، الذي يصفه بعض الخبراء والمصادر بالمهم خاصةً في الأيام الأولى من تلك الحرب. وللتعرف على الدور التركي في حرب السادس من أكتوبر عام 1973، يجب التطرق أولاً إلى طبيعة العلاقات في تلك الفترة بين تركيا وإسرائيل من جانب والدول العربية من جانب آخر، لاستنتاج دوافع أنقرة في تخليها عن حيادها إزاء أطراف تلك الحرب ودعمها لمصر الذي أوردته بعض الدراسات والخبراء المتخصصين.
علاقات مضطربة
شهدت العلاقات بين تركيا وإسرائيل الكثير من التفاهمات والخلافات منذ بدايتها عام 1948 حتى نهاية حقبة السبعينيات، حين أعلنت تركيا موقفها الداعم لاتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979، مؤيدةً انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة في 5 يونيو 1967. بدأت العلاقات التركية - الإسرائيلية بإعلان الأولى موقفها الحيادي إزاء الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي. وفي 28 مارس عام 1949 أعلنت تركيا اعترافها بدولة إسرائيل لتصبح أول دولة إسلامية تعترف بالوجود الإسرائيلي في الشرق الأوسط. وبنت تركيا علاقاتها مع إسرائيل على أُسس المصالح المشتركة، وتعززت العلاقات الدبلوماسية في 7 يناير 1950، بتعيين أول رئيس للبعثة الدبلوماسية للممثلية التركية في تل أبيب، وصاحب ذلك تراجع العلاقات التركية - العربية إلى أدنى مستوياتها.كيف تضامنت تركيا مع الموقف العربي، وعملت بشكل غير مباشر ضد إسرائيل في حرب أكتوبروبدأت الخلافات التركية - الإسرائيلية عام 1955، على إثر انتقاد إسرائيل حلف بغداد، الذي أسسته تركيا آنذاك مع العراق وإيران وباكستان وبريطانيا، بدعوى كونه أداة لزيادة الاعتداءات العربية ضدها. وفي العام التالي أعلنت تركيا احتجاجها إزاء العدوان الثلاثي على مصر، تبعه تخفيض أنقرة مستوى العلاقات الدبلوماسية بين البلدين إلى مستوى القائم بالأعمال. وتزايد الاحتقان بين البلدين عام 1964 إزاء الموقف الأمريكي الداعم لأزمة قبرص اليونان ضد تركيا، وبالتالي تأثرت علاقتها مع حليفتها إسرائيل.
نكسة 1967
وذكر الكاتب والباحث التركي هارون يحيي في كتابه "الماسونية" أن الموقف التركي لم يختلف عقب نكسة 1967، إذ أعلنت الحكومة التركية برئاسة سليمان دميريل رفضها احتلال القدس الشرقية والضفة الغربية وسيناء وهضبة الجولان، مطالبةً القوات الإسرائيلية بالانسحاب الفوري.وساد البرود العلاقات التركية - الإسرائيلية مقابل تقارب مع الجانب العربي، إذ ثارت حفيظة إسرائيل بسبب الموقف التركي المناهض والرافض لواقعة حريق المسجد الأقصى عام 1969.
وعام 1975 صوتت أنقرة لمصلحة قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة باعتبار الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية والتمييز العنصري، واعترفت تركيا بمنظمة التحرير الفلسطينية. وظلت العلاقات بين تركيا وإسرائيل بين الصعود والهبوط خلال حقبتي الثمانينيات والتسعينيات.
تركيا وحرب أكتوبر
أفاد تقرير "العلاقات التركية -الإسرائيلية" الصادر في أكتوبر 2011 عن مركز الفكر الإستراتيجي التابع لتنسيقية العلاقات الدولية بتركيا، أنه في ظل مناخ تردي العلاقات بين تركيا وإسرائيل، اندلعت حرب أكتوبر عام 1973، وأعلنت الحكومة التركية برئاسة نعيم تالو، موقفها المحايد تجاه الأطراف المشاركة بالحرب، إلا أنها تضامنت بشكل غير مباشر مع الموقف العربي. ووضح الدور التركي غير المعلن في دعم مصر خلال هذه الحرب في عدة نقاط تاريخية، تمثلت في فتح مجالها الجوي للطائرات العسكرية السوفياتية المحملة بالأسلحة والمهمات العسكرية المتجهة إلى مصر. في حين رفضت أنقرة السماح للولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية باستخدام قاعدة إنجرليك الجوية التابعة لحلف شمال الأطلسي لدعم القوات الإسرائيلية في حربها ضد العرب.ويُذكر أن عدد الطائرات السوفياتية التي توجهت إلى الدول العربية خلال فترة حرب أكتوبر 1973 مروراً بالمجال الجوي التركي بلغ 935 طائرة على مدار عشرة أيام، نقلت نحو 15 ألف طن من الأسلحة والمعدات العسكرية لدعم القوات المصرية والعربية.
تركيا وسلاح النفط
وذكر الباحث في شؤون الشرق الأوسط والكاتب التركي أردال جوفن، أن الدول الأعضاء في منظمة الدول العربية المصدرة للنفط، خلال الاجتماع الذي استضافته الجزائر بين 26 و28 نوفمبر 1973، اتخذت قراراً قضى بحظر بيع البترول إلى الدول الداعمة لإسرائيل، وهذا ما دفع الحكومة التركية إلى تعزيز موقفها المناهض لإسرائيل. وانعكس الخلاف السياسي بين تركيا وإسرائيل على الوضع التجاري بينهما، إذ تراجعت الصادرات التركية إلى إسرائيل من 12.3 مليون دولار عام 1973 إلى 5.4 ملايين دولار عام 1974. وقالت سينم إيفاجيك، البروفيسور بجامعة غازي التركية في إحدى مقالاتها المنشورة بمركز الدراسات الاستراتيجية للشرق الأوسط، إنه "كما تغاضت أنقرة عن مرور الطائرات السوفياتية إلى منطقة الشرق الأوسط خلال فترة الحرب، أعلنت تركيا تأييدها عدم السماح بتصدير النفط إلى الدول الداعمة لإسرائيل، وفقاً للقرارات العربية المشتركة". كما رحبت الحكومة التركية بدعوات تنظيم مؤتمر دولي للسلام في جنيف بحضور أطراف النزاع وبرعاية أميركية سوفياتية. وبعد اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979 أكدت على موقفها الداعي للانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة في 5 يونيو 1967. ولم يختلف الموقف التركي الداعم لمصر والدول العربية مع تعاقب رئاسة الحكومات في سبعينيات القرن الماضي. مروراً برئيس الحكومة بولنت أجاويد (يناير 1974 - نوفمبر 1974)، وصادي إيرماق (نوفمبر،1974 - مارس 1975)، وسليمان دميريل (مارس 1975 - يونيو 1977)، وبولنت أجاويد (يونيو 1977 - يوليو 1977، وسليمان دميريل (يوليو 1977- يناير 1978)، وبولنت أجاويد (يناير 1978- نوفمبر 1979)، وسليمان دميريل (نوفمبر 1979 - سبتمبر 1980).دوافع سياسية
أكدت مصادر عدة أن رغبة الحكومة التركية في الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي كان الدافع الأساسي وراء التقارب التركي - الإسرائيلي، إذ حرصت تركيا خلال حكومة عدنان مندريس، ذي التوجهات الإسلامية، على إرضاء الولايات المتحدة بالتقرب من إسرائيل، وتعزيز التعاون معها حتى حصلت على العضوية في فبراير 1952، مرجحاً المصالح السياسية على الانتماء إلى العالم الإسلامي. ويكشف عدد من الخبراء الإستراتيجيين أسباب تردي العلاقات التركية - الإسرائيلية وتحولها 180 درجة نحو الخلاف السياسي. وقد قال رئيس الوزراء التركي السابق أحمد داود أوغلو في كتابه "العمق الإستراتيجي" في هذا الشأن إن "العلاقات التركية - الإسرائيلية تأثرت بسبب التوترات التي تعرضت لها العلاقات التركية - الأميركية، التي بدأت مع أزمة قبرص عام 1964 وخطاب جونسون، ثم تصاعدت في منتصف السبعينيات مع الحظر الأميركي على تركيا. في تلك الفترة، أقامت تركيا علاقات اقتصادية مع الاتحاد السوفياتي. كما أدى إقصاء إسرائيل، بعد حرب 1967، من قبل معظم الدول غير الغربية، وفي مقدمتها دول معسكر عدم الانحياز، وليس من قبل الدول العربية فقط، إلى انتهاج تركيا سياسة متأنية في علاقتها بإسرائيل. واكتسبت علاقة تركيا بإسرائيل مزيداً من الشفافية مع الأزمة النفطية، وبعد إعلان إسرائيل القدس عاصمة أبدية لها، خفضت تركيا من علاقتها الدبلوماسية مع إسرائيل إلى مستوى سكرتير ثانٍ". وقال الخبير السياسي بمركز "الزيتونة للدراسات والاستشارات"، رجب الباسل، إن الدعم الإسرائيلي لليونان إبان الأزمة القبرصية، هو ما دفع تركيا لدعم مصر والقوى العربية في حرب 1973، و"تمثل الخلاف السياسي بين تركيا وإسرائيل في بدايته، في إعلان أنقرة رفضها العدوان الإسرائيلي على مصر وسوريا والضفة وغزة عام 1967. ودعت إلى احترام قراري مجلس الأمن الرقم 242 والرقم 338 الداعيين إلى العودة لحدود ما قبل 5 يونيو 1967".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...