منذ أيام والسعوديون لا يهدأون. يقاطعون ويهدّدون. يتعرّض مغرّدوهم للحجب على "تويتر" فيعودون سريعاً وبزخم أقوى. في أولى تجارب المقاطعة بالنسبة لهم، كان الخصم شركة الاتصالات "STC" (أس تي سي) المتهمة بتكبيد المشتركين أسعاراً باهظة مقابل تقديم خدمات رديئة.
بالآلاف يغرّد السعوديون منذ أيام تحت وسم "راح نفلّسكم" (سوف نفلسكم)، ثم في اليوم التالي "راح نفلسكم 2" حتى وصل الرقم إلى "راح نفلسكم 9"، مع حوالي 83 ألف تغريدة وأكثر من 90 ألف متابع. لا يبدو أن هذه الحملة ستمرّ مرور الكرام على الشركة المصرّة على الصمت حتى الساعة. بدأ السعوديون المقاطعة ثلاث ساعات يومياً، ولم تنفك أعداد المقاطعين تزداد يومياً، بينما ذهب البعض إلى تكسير شرائح الهاتف من "STC" أو حرقها.
أتت هذه الحملة اعتراضاً على إيقاف خدمة الإنترنت اللامحدود، فضلاً عن الغضب من حجب التطبيقات التي تقدم الخدمات المجانية للمستخدمين، في مقابل إمطار آخرين بإعلانات وإجبارهم أحياناً على أخذ خدمات لم يطلبوها. وبينما خرجت هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات لتبرّر الأمر بأنه مجرّد إجراء خاص بعملاء باقة الدفع المسبق، مبينة أن ذلك لا يتضمن عملاء الباقات المفوترة للإنترنت اللامحدود.
مع ذلك لم يخف الغضب السعودي، واتهم البعض الهيئة بالوقوف إلى جانب الشركات بدل المواطنين. والظاهر أن الغضب بدأ يثمر، إذ تتوالى الأنباء عن خسائر بالملايين تتكبدها الشركة، إذ تعادل الساعات الثلاث يومياً 21 ساعة أسبوعياً. وبحسب الخبراء، فقد تصل الخسائر إلى 50 مليون ريال سعودي، إن استمرت الحملة لمدة شهر.
في مقابل صمت المسؤولين في الشركة، بدأت الأنباء تتوالى عن محاولة الأخيرة "شراء ذمم"، إذ تتواصل مع عدد من المستخدمين وتعرض عليهم خدمات بشروط خيالية، بينما انتشرت صور هذه العروض التي وصفها مغردون بـ"التدليس" وأكدوا على "رفض استغلال الشركة والتضامن مع الحملة".
فاجأ السعوديون المتابعين لهم، وربما هم أنفسهم فوجئوا بهذا الكم من التفاعل والقدرة على الضغط التي يتحلون بها
"غضب الشعب السعودي" من شركة الاتصالات انتقل إلى الإمارات وسلطنة عمان... ونجاح هذه الحملة قد يغير الكثير من المعادلاتوفي تسجيل صوتي، نُسب إلى موظف سابق في "STC"، تكشفت فضائح كثيرة عن أساليب عمل الشركة الملتوية، إذ كان يجبر كل موظف على إضافة 15 عميلاً جديداً يومياً، وهذا كان يتطلب الكثير من وسائل الاحتيال على الزبائن، في وقت كان الموظفون يستخفون بطلبات الزبائن القدامى ويحيلونهم من طرف إلى طرف حتى ييأسوا. فاجأ السعوديون المتابعين لهم، وربما هم أنفسهم فوجئوا بهذا الكم من التفاعل، إذ بعيداً عن أزمة الاتصالات أظهرت الحملة قدرة المواطن على الضغط، والأساليب المتنوعة لدى السعوديين في هذا الإطار. وقد تراوح تهديد الشركة بين الجديّة من قبل مستخدمين تضرروا من "الاستهتار"، وبين السخرية والاقتباس من العديد من الأفلام العربية والأجنبية لتجسيد الصراع بين شعب متحد وخصم يبدو ضعيفاً في المواجهة. على خط مواز، انتشرت تسجيلات مصورة تحث المغردين على التضامن كحرق شرائح هاتف، أو دهس علبة تابعة لشركة الاتصالات بالسيارة. وذهب بعضهم إلى مكاتب "STC" لتصويرها وهي فارغة من الداخل، في مقابل امتلاء مكاتب شركات اتصالات أخرى، وذلك تعزيزاً للضغط النفسي على الشركة الخاسرة. كما شهد حساب الشركة على تويتر انسحابات بالجملة، وتوقع خبراء اقتصاديون أن يكون للحملة تأثير إيجابي واسع على الزبائن في مقابل خسارة حادة للشركة. يعزّز من هذه الفرضية، واقع أن السوق السعودية تشهد اليوم حالاً من التراجع، وسط اتساع حال التذمر من غلاء الأسعار والمعيشة. وهنا يؤكد المغردون أن لا حلّ أمام الشركة سوى الاستجابة للمطالب تفادياً لخسائر ضخمة تقودها للإقفال، لا سيما أن المستخدم السعودي يفكر الآن في الانتقال إلى شركة أخرى. تزامنت هذه الحملة مع حملة أخرى حملت عنوان "مقاطعة شركات الاتصالات"، ودعت إلى المقاطعة الشاملة والتامة تحقيقاً للمطالب في وجه "البقرات الثلاث" (شركات الاتصالات الثلاث العاملة في السعودية). واحتفى مغردون كثر بإحياء ثقافة المقاطعة في السعودية التي "تمنع التاجر من استغلال الزبون"، وتوجه رسالة صارمة إلى كل القطاعات التجارية في المملكة، مفادها أن المستهلك قد استيقظ ولا إمكانية للتحكم به بعد اليوم. وهكذا انضمت "جمعية حماية المستهلك" إلى لائحة داعمي الحملة، وقد وجهت رسالة خلاصتها أن التجارب الدولية أفادت بأن المستهلكين قوة ضاربة متى اجتمعوا لإبداء آرائهم والمطالبة بحقوقهم". ولأن "غضب الشعب" على ضيق مساحته مغر، فقد انتقلت عدوى المقاطعة إلى الإمارات وسلطنة عمان. فانتشر وسما "مقاطعة اتصالات ودو" و"مقاطعة عمانتل أوريدو"، والمشكلة هي نفسها لدى الجميع: غلاء الأسعار وسوء الخدمات. وقد غرّد السعوديون محتفين بهذا الانتشار تحت شعار "خليجنا واحد". وعمد آخرون إلى مقارنة خدمات الانترنت في الدول العربي بخدمات غيرها من دول العالم، وحضرت اليابان في المعادلة إذ استطاعت تقديم الواي فاي من خلال سلال المهملات، فكانت السخرية "هناك الزبالة تقدم الانترنت وهنا الانترنت زبالة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...