كيف نريد أن يعاملنا أطفالنا عندما نكبر؟
الاثنين 3 أكتوبر 201601:39 م
يطلقون عليهم لقب "البركة". ربما تسمع تلك الكلمة عندما تصادف جلسة مع كبار السن فتجد مَن يقول "أنت بركتنا يا حاج"، ولكن واقع حياة كثيرين منهم لا يعكس أن هنالك احتراماً وتقديراً لهم.
حال كبار السن في مجتمعاتنا العربية لا تنطبق عليه مطلقاً "مقولة الحياة تبدأ بعد الستين". فعندما يبلغ الشخص سن الستين وهي السن القانونية للتقاعد في معظم الدول العربية، رجلاً كان أو أنثى، يظن أن الحياة انتهت وأن ما بقي من العمر قليل ولا يتصور أن الحياة يمكن أن تبدأ من جديد.
في الأول من أكتوبر من كل عام يحتفل العالم "باليوم العالمي للمسنين" في خطوة لدمج المسن في المجتمع وتقديم الخدمات المختلفة التي تساعده على الرجوع إلى الحياة، ولكن ما هو حال المسن في بلداننا العربية؟ وسط غياب الدعم الحكومي والاكتفاء فقط بتقديم "المعاش" الذي يكاد لا يسمن ولا يغني من جوع، وهذا فقط ما يتوفّر لقلّة محظوظة، نستعرض خمس مبادرات تطوعية رائدة من خمس دول عربية تحاول المساهمة في تقديم الدعم النفسي والمادي للمسنين.
"ريحة هلي" في قطر... همزة وصل بين الكبار والشباب
يوجد في قطر عدد من المؤسسات الخاصة التي تهتم برعاية كبار السن وتقديم الخدمات لهم. ويعد مركز "إحسان لرعاية كبار السن" المؤسسة الأشهر في هذا المجال. أما على صعيد المبادرات التطوعية البحتة، فقد دشن عدد من الشباب القطريين مبادرة خاصة لرعاية المسنين في دولة قطر تحت اسم "ريحة هلي"، منتصف العام الجاري، ولاقت دعماً اجتماعياً وإعلامياً كبيراً. تعمل هذه المبادرة على خلق حلقة وصل بين كبار السن والشباب لتحسين معنويات كبار السن ليشعروا أنهم جزء من المجتمع وليسوا منعزلين عنه، كما تهدف المبادرة إلى إكساب الشباب الخبرة من كبار السن خاصة في ما يخص التراث القطري. وقال مسؤول العلاقات العامة في المبادرة زكريا السوادي لرصيف22: "حان الوقت لرد الجميل لكبار السن الذين ساعدوا في بناء دولة قطر"، مضيفاً أن المبادرة تسعى إلى إنشاء بيت تراثي خاص بكبار السن يتم فيه عرض أعمالهم اليدوية، ويكون ملتقى ثقافياً واجتماعياً لكل شباب الدوحة وليس لكبار السن فقط. وأشار إلى أن المسنين ما زالوا بحاجة للدعم المعنوي من الأهالي وليس المادي فحسب، لأن الدعم النفسي يحقق الراحة والسعادة لكبار السن ويشعرهم أن هناك مَن يحنو عليهم ويقدرهم مما يساهم في تعزيز تقديرهم لأنفسهم".مصر "معانا" لإنقاذ كبار السن المشردين
بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر، بلغ عدد المسنين في مصر ستة ملايين شخص، العام 2014، أي ما نسبته 6.9% من إجمالي السكان. وتوقّع أن ترتفع هذه النسبة إلى 11.5% في العام 2031. وقد بلغت مؤسسات رعاية المسنين 171 مؤسسة في العام 2014، مقابل 121 مؤسسة العام 2011 بنسبة زيادة تفوق الثلث. دور الرعاية تلك تتطلّب مبالغ طائلة وإن كان يقدم لها بعض الدعم الحكومي. لكن ماذا عن المسنين الذين ينتشرون في الشوارع ويتخذون الأرصفة والجسور بيوتاً لهم؟ هؤلاء هم هدف مبادرة "معانا" الرائدة التي ربما تكون الوحيدة في الشرق الأوسط والعاملة على إيواء كبار السن المشردين في الشوارع. المبادرة أطلقها محمود وحيد وهو مهندس شاب لفت نظره وجودمسن" يفترش الرصيف في أحد شوارع القاهرة، فقرر أن يساعده. فأخذه وطلب له الإسعاف لأنه كان مصاباً بجروح متقيحة. ولم يتوقّف عمل محمود عند هذا الحد، ففكر في الأمر قليلاً ليجد أن هناك عدداً كبيراً من "المسنين المشردين" في الشوارع، سقطوا من ذاكرة الدولة كما سقطوا من ذاكرة أبنائهم. وقال محمود لرصيف22: "في البداية قمت بإنشاء صفحة على فيسبوك للإبلاغ عن هؤلاء وكان هناك فريق من المتطوعين ينزل إلى الشارع ويقدم الدعم لهم، إلى أن تم جمع تبرعات من الأصدقاء والمعارف ونجحنا في إنشاء بيت لكبار السن المشردين، وعلاجهم. وحتى الآن، وعلى الرغم من وعد الدولة متمثلة في وزارة التضامن الاجتماعي بتقديم الدعم المادي لنا، فإن هذا لم يحدث، لكن بمساعدة أهل الخير تم إنشاء بيتين للإيواء". وأضاف مؤسس مبادرة "معانا لإنقاذ إنسان" أن "معظم هؤلاء مرضى نفسيون أو مرضى ألزهايمر وقد تظهر على بعضهم أمارات الغنى، حتى أن منهم مَن يتحدث أكثر من لغة، لكنهم لا يعرفون مَن هم ولا يتعرف عليهم أحد أيضاً ولا نعرف ما هي الظروف التي أودت بهم إلى الشارع".خمس جمعيات عربية تعنى بالمسنين الذين لا يرعاهم أحد... فهل تكفي جهودها؟
يغيب اهتمام الدولة بالمسنين في معظم البلدان العربية وبالنسبة لكثيرين لم يعد المسنّ "بركة البيت"وقال إن عدد متابعي صفحتهم على فيسبوك بلغ 40 ألف شخص، إلا أن المتفاعلين على أرض الواقع ممن يقدمون الدعم الحقيقي لهؤلاء هو قرابة عشرة أفراد فقط. وتمنى محمود أن تنتشر مثل هذه المبادرات في العالم العربي كله للتخفيف من آلام مَن ليس لهم حول ولا قوة، وأن تجد الدعم المالي الكافي لإنجاحها".