أصدرت وزارة الداخلية المصرية بياناً تعلن فيه القبض على خلية تنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، بتهمة اصطناع الأزمات وخلق مناخ تشاؤمي في البلاد بدعوى فشل الدولة في تنفيذ خطط التنمية، إلا أن المصريين تركوا تفاصيل القضية، وأبدوا تعجبهم من جملة "خلق مناخ تشاؤمي"!
بالتأكيد، خلق المناخ التشاؤمي ليس تهمة في القانون المصري، ولن يعاقِب المتهمين بها أمام القضاء، ولكن الأمر أثار سخرية المصريين على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ إنه عقب دقائق قليلة من إصدار البيان، تحولت مواقع فيسبوك وتويتر إلى ساحة حملات سخرية من مصطلح "خلق مناخ تشاؤمي".
هناك من أعلن أنه متفائل وكتب إقراراً بذلك خوفاً من القبض عليه بتهمة التشاؤم، وهناك من أعلن تخوفه من القبض على الشعب المصري بدعوى التشاؤم.
والكثير من التعليقات الساخرة أشارت إلى أن معظم المصريين متشائمون، وأصبح هناك خطر أمني عليهم إثر ذلك البيان.
?lang=ar
أظهرت تغريدات وتدوينات مواقع التواصل الاجتماعي، شعوراً بالتشاؤم لدى المصريين، لدرجة وصلت إلى سخريتهم من التفاؤل.
وربط البعض شعوره بالتشاؤم بالظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، والعديد من المصريين استشهد بحادث مركب رشيد الذي راح ضحيته أكثر من 160 مصرياً جراء محاولتهم الهجرة من البلاد بطريقة غير شرعية.
يثير الأمر التساؤل حول تلك الحالة العامة لدى المصريين، وهل المصري متشائم بطبعه أم أنه متأثر فقط بظروف مؤقتة.
التشاؤم بين الماضي والحاضر
"الشخصية المصرية غير متشائمة بطبعها"، قال أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأمريكية الدكتور سعيد صادق لرصيف22، لافتاً إلى أنه في الماضي وحتى عهد الملك فاروق، لم تكن هناك ضغوط قوية على المصريين، إلا أنه منذ عقود بدأ يظهر التشاؤم ويتزايد بسبب الضغوط السياسية والاقتصادية. وأضاف صادق أنه في الفترة الحالية، من الطبيعي الشعور بالتشاؤم بسبب انتشار الفقر والأداء السيئ للحكومة المصرية، ما نتج عنه العديد من الأزمات، آخرها حادث غرق مركب رشيد، مؤكداً أن التشاؤم والخوف من الضياع وعدم وضوح المستقبل، هي التي دفعت المصريين للتضحية بأرواحهم في حوادث الهجرة غير الشرعية. علماً أن العديد من المصريين أصبحوا يشعرون بالقلق من المستقبل بصفة دائمة، ولا يشعرون بالسعادة، فلم تعد "الضحكة من القلب"، وأحياناً تكون للهرب من التشاؤم والخوف. هذا ما يراه صادق مشيراً إلى أن المصري بطبعه لديه ميل إلى القلق لكن لا يصل إلى درجة التشاؤم، ومدللاً على ذلك بأن المصري عندما يضحك، يقول بعدها "ربنا يستر... اللهم اجعله خير".تاريخياً... متفائل
تؤكد أستاذة علم النفس في المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية الدكتورة سوسن فايد أنه من المعلوم تاريخياً أن المصري لديه القدرة على الصبر وإلقاء النكتة الساخرة، مشيرةً إلى أن قوة التحمل والصبر من مؤشرات التفاؤل، فالشخص الذي يصبر هو من يكون لديه أمل في غدٍ أفضل، وهو مَن تُطلَق عليه صفة المتفائل. وتضيف أن الشخصية المصرية نجدها تلقي النكات حتى في أصعب الظروف السياسية والاقتصادية، بل وقد تتحمل الصعوبات لدرجة تصل إلى "البلادة واللامبالاة"، وهو ما يدل على رفض فرضية أن الشعب المصري يتسم بالتشاؤم. وتابعت لرصيف22: "أحياناً يتمكن التشاؤم من إصابة المستويات الأكثر فقراً، أو مَن لديهم ظروف خاصة صعبة، ولكنه يزول بزوال تلك الظروف".تشاؤم ظاهري
برأي الدكتور سعيد صادق، إن جزءاً من التشاؤم في المجتمع المصري هو أمر ظاهري فقط، موضحاً أن العديد من المصريين يخافون من الحسد بشكل كبير، فحينما تقع أحداث سعيدة في حياتهم، يتعمدون إخفاءها والتحدث دائماً في مشكلاتهم والسلبيات فقط، ما يعطي انطباعاً عنهم يوحي بالتشاؤم.التشاؤم الوراثي
وأشارت الدكتورة سوسن فايد إلى أن العديد من المصريين توارثوا الخوف من أشياء خرافية وما زالوا يؤمنون بها بشكل كبير، ما يقودهم إلى التشاؤم. وأوضحت أنه قد يتشاءم المصريون من "الشبشب المقلوب"، وبعض الأرقام مثل 13، والمقص المفتوح، والقطة السوداء، والغراب، والبومة، و"تشبيك" أصابع اليدين خلف الرأس، وقص الأظافر والخياطة والكنس في الليل، ولعبة الأولى أو "الحجالة"، وهي لعبة للبنات تتضمن رسومات لمكعبات ومربعات على الأرض تقفز عليها الفتاة بعد إلقاء قطعة من الزجاج أو المعدن تحدد لها سيرها. وأضافت أنه بالرغم من كون تلك الأشياء تعود إلى أساطير لا أساس لها من الصحة، وتمثل خرافات واضحة، ما زالت تمثل مصدر تشاؤم حقيقي لبعض المصريين، مشيرةً إلى أن ذلك يرجع إلى تدني مستوى التعليم، ما ينتج عنه معتقدات وهمية مستمدة من العادات والتقاليد، ولذلك هناك حاجة إلى ثورة ثقافية لتصحيح المفاهيم المغلوطة لدى بعض المصريين.ماذا يقول الشباب؟
وبعيداً عن مواقع التواصل الاجتماعي، سأل رصيف22 عدداً من الشباب عما إذا كانوا يشعرون بالتفاؤل أم بالتشاؤم. فأجاب عبد السلام: "لما يبقى التشاؤم تهمة في بلدنا، أكيد مش وضع يخليني متفائل". فيما قالت ريهام إن الشعور بالتشاؤم سيطر عليها عقب حادث غرق مركب رشيد. أما هناء فقالت إن التشاؤم أصبح أسلوب حياة المصريين. وقالت منة: "أنا متشائمة جداً عشان دي مش بلد الواحد يتفاءل بيها"، ووافقتها فاطمة وسخرت قائلة: "مقدرش أتشاءم ليلبسوني قضية، وأنا مش حمل ضرب على قفايا". ولكن من جانب آخر، هناك مَن يتسم بالتفاؤل مستنداً إلى دعوة الدين إلى ذلك. فقالت يارا: "يجب أن أتفاءل... إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم". أما ملك فقالت إن التشاؤم حرام لذلك يجب أن نتفاءل، ووافقتها في الأمر هناء مستشهدة بالقول "وعلى نياتكم ترزقون".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...