شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
العالم يفقد أكثر الأدوية فعالية واستخداماً: 10 ملايين سيموتون كل عام في 2050

العالم يفقد أكثر الأدوية فعالية واستخداماً: 10 ملايين سيموتون كل عام في 2050

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 20 أكتوبر 201606:52 ص
في مركز "أطباء بلا حدود" في عمّان، يتجمع كثر من ضحايا الحرب في سوريا. هناك لا يخاف الأطباء من شكل رجل مبتورة أو من جرح نازف، ثمة خوف أكبر. في ظاهرة وصفها الأطباء بـ"الخطيرة"، يزداد عدد الأشخاص الذين تقاوم الجراثيم في جروحهم المضادات الحيوية (أدوية الالتهاب)، جميع المضادات الحيوية، حتى أكثرها فعاليّة. الطريقة الوحيدة المتوفرة لمعالجتهم اليوم هي بتر الأطراف وضخها بالرذاذ الأخير، هذا إن كان صاحب الجرح محظوظاً. أما "في حال كانت الإصابة في الصدر أو الرأس فيصبح صاحبها أمام خيار الموت المحتّم... لا مجال للبتر في هذه الأماكن"، بحسب ما قاله لمجلة "نيوزويك" الأمريكية الطبيب الجراح في المركز رشيد فخري. بعد خمس سنوات ونصف على الحرب، أصبح الجسد السوري خريطة لمختلف أنواع الجروح. ينافس بذلك أكثر أفلام الرعب رعباً. ما يخشاه الأطباء والعاملون في الخدمة الإنسانية هو مقاومة الجراثيم للمضادات الحيوية، مقاومة ستصبح قريباً أخطر من "داعش" في فتكها بأرواح الناس. وعليه، والكلام للأطباء مع "نيوزويك"، ستكون سوريا المكان الذي يشهد نهاية المضادات الحيوية، أحد أكبر وسائل الإنقاذ البشري في القرن العشرين، إلى غير رجعة. لا يوجد الكثير من الإحصاءات التي توثق الوفيات الناتجة عن عدم الاستجابة للأدوية المضادة للجراثيم والالتهابات، لكن الحالات التي تكشف عنها العيادات المختلفة بين الأردن ولبنان وسوريا وتركيا، تشير إلى تصاعد مقلق في أعداد من تتغلب جروحهم على أجسادهم الضعيفة. يزداد كذلك عدد الحالات المعقدة التي باتت تتفاعل جروحها مع الدواء بطريقة "مرعبة". إنها "الكارثة"، كما يقول الطبيب فخري، حتى أن مسؤولين في الأمم المتحدة دعوا مؤخراً إلى انعقاد جمعية عامة طارئة بخصوص الجراثيم في نهاية سبتمبر الحالي. لكن تنامي هذه الظاهرة الخطيرة لا ينحصر في سوريا فحسب، المشكلة أصبحت عالمية، وبدأت تشغل بال العلماء في السنوات الأخيرة. يموت حوالي 700 ألف شخص سنوياً جراء مقاومة الجراثيم للدواء، بحسب دراسة حكومية بريطانية تتوقع أن يرتفع العدد إلى 10 ملايين في العام 2050. تتعدّد أسباب هذه الظاهرة، وهي ليست مستجدة. لها جذور ضاربة في عمق ثقافتنا في استسهال التعاطي مع الدواء، في سياسات الدول ومصالحها، وفي الحروب وتفاقم الأمراض التي تنمو على جوانبها. يضيف الباحثون إلى الأسباب تلك المتعلقة بالاستخدام المفرط للدواء في الزراعة، والمضادات الحيوية التي يحقنها المزارعون للحيوانات لتسمينهم. يرد ناشطو حماية البيئة تطور البكتيريا ومقاومتها للدواء إلى هذه الممارسات، في وقت تصر الشركات الزراعية الكبرى على أن الحيوانات تحتاج هذه الأدوية للبقاء بصحة جيدة. وفي كلتا الحالتين، لقد وصل العالم إلى مرحلة تغلبت فيها البكتيريا على المضادات الحيوية، من البنسيلين إلى أكثرها تطوراً، حسب مجموعة بحوث المملكة المتحدة، وهي حملة للتوعية بشأن التعاطي مع المضادات الحيوية. في سوريا، كما في الكثير من دول الشرق الأوسط، يعود جزء من المشكلة إلى استسهال التعاطي مع هذه الأدوية العلاجية. تتوفر هذه الأدوية في مختلف الصيدليات، ويمكن الحصول عليها من دون وصفة طبيّة وينظر إليها كـ"جوكر" دواء، ينفع لمختلف الأمراض من دون آثار جانبيّة. لسنوات طويلة، اعتمده الأطباء كعلاج حتى لأوجاع الرأس والنزلات البردية. سكان الأرياف الذين يجدون صعوبة في الذهاب إلى الأطباء يلجأون إليه من دون استشارة طبيّة. الصيادلة لا يجرؤون على التحذير منه، خوفاً من خسارة الزبائن، ومع تعدّد أنواع المضادات الحيويّة وتوسع رقعة الشركات المنتجة لها أصبحت متدنيّة الكلفة وشبه متاحة للجميع. أتت الحرب في سوريا لتزيد من طين هذه الأزمة بلة، وتخلق بيئة حاضنة للجراثيم. كأن السوريين لم يكفهم استهداف الأطباء والمستشفيات خلال سنوات الحرب، ولا انقطاع العديد من الأدوية من الأسواق، حتى تزداد الجراثيم بسبب انعدام النظافة، ثم يأتيهم الدواء ضعيفاً لتتغلب عليه الجراثيم. الجراثيم "البريئة" تطورت لتصبح "شريرة" بين عامي 2012 و2016، بحسب ما قالت الطبيبة السورية نغم حسين لـ"نيوزويك". الجدير بالذكر أن المحللين لا زالوا عاجزين عن التأكيد ما إذا كانت هذه الظاهرة قد أصبحت عامة تنتشر في الشوارع أو ما زالت تدور وراء جدران العيادات والمستشفيات. يرجّح الأطباء أن الجراثيم تنتشر مع أجزاء الجسد التي تتناثر نتيجة التفجيرات في الهواء، أو يمكن أن تنتشر من خلال عمل المسعفين غير المدربين واضطرارهم للتعامل مع أعداد كبيرة من الضحايا، وما يرافق انعدام خبرتهم من نقلهم للجراثيم دون انتباه. ما تكشفه الدراسات يشير إلى مستقبل رهيب يلوح في الأفق. مستقبل يتحمل مسؤليته الطبيب والصيدلي والمواطن، لا سيما وأن اكتشاف مضادات حيوية جديدة لم يعد بالسرعة التي تطور فيها البكتيريا قدرتها على المقاومة. المستقبل في هذا الإطار قاتم كما يحذر العلماء، وعليه يصبح الخطر كبيراً والحذر في التعاطي مع هذا النوع من الدواء أكثر من مطلوب. فجرح صغير في الحديقة أثناء العمل قد يودي بالحياة.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image