"قام رجل مقيم في السعودية بإضرام النار في منطقة حساسة في جسم زوجته، وضربها بمفتاح فك العجلات حتى توفيت، وذلك بعد عثوره على مذكرة أرقام بحقيبتها اليدوية". خبر نشرته صحيفة سبق السعودية أواخر العام الماضي. مشيرةً إلى أنه قام بذلك بدافع الغيرة انتقاماً منها، علماً أنه لم يتأكد من خيانتها له أو من أصحاب تلك الأرقام.
الغيرة، بحسب علم النفس، تنبع من إرادة الشخص الحفاظ على من يحب والتأكد أنه باق إلى جانبه ليتحقق شعوره بالأمان، وهي نفسها تلك الغيرة التي إن بلغت أقصاها دفعت الشخص إلى إيذاء من يحب عاطفياً، نفسياً أو جسدياً، إذا شعر الشخص أنه لم يعد قادراً على استملاك الشريك. يعرف العالم النفسي فرويد الغيرة أنها مزيج من القلق والألم الذي تسببه فكرة خسارة من نحب، وبالتالي تخدش صورتنا الذاتية، ونشعر بالخسارة وبالخصومة أو العداوة تجاه العدو الذي نجح بإبعاد من نحب عنا. يأتي إضافة إلى ذلك الشعور بالذنب والانتقاد الذاتي لشعورنا أننا لم نستطع الحفاظ على الشريك فنمتلئ بالأسئلة واللوم.
الغيرة إذاً ليست شعوراً محدداً، بل هي خليط من الأحاسيس التي تضج بالشخص، والتي ترافق الحب والتعلق. ولكن الغيرة على الشريك تكون أحياناً مرضية كما عرفتها جورج ساند قائلة: "قليل من الغيرة بناء وكثير منها هدام". فعندما تذهب هذه الأحاسيس إلى أقصاها يصبح الشخص غير قادر على فصل ذاته عن الشريك، فيحاول استملاكه وتحويله إلى شىء يشبه مقتنياته لا يسمح له بالتحرك أو التواجد، إلا من خلاله وله. وفي ذلك إلغاء للآخر وضرر بالعلاقة. لكن مفهوم الغيرة ما زال متشعباً ومغلوطاً في أحيان كثيرة خصوصاً في بعض المجتمعات العربية والإسلامية، حيث ما زالت المرأة تمنع من ارتداء الألوان لأن في ذلك لفت نظر للجنس الآخر، فيغرقها المجتمع بالأسود. هل نبحث فعلاً عن ذلك النوع من الغيرة؟
هو يناديها باسمه... وهي ترد
"بيندهلي باسمه لما نكون في الشارع عشان ما لو كان في رجالة ما يعرفوش إسمي"، تقول فاتن، شابة مصرية، مشيرة إلى أن غيرة زوجها عليها أمر طبيعي وأساسي لتشعر بأنها محبوبة ومرغوبة، ولا يزعجها أن يفرض عليها اللبس والتصرف. وتعتبر أنه عندما يتوقف عن مراقبتها ومساءلتها فذلك يعني أنه لم يعد يحبها. تلك إحدى ممارسات الشارع المصري الذي لم يخل من جرائم قتل وحالات انفصال وطلاق، سببها الغيرة والشك بخيانة الشريك. هذا ما أشارت إليه أحدث دراسة قامت بها جامعة عين شمس، بعد أن بلغت حالات الطلق نحو 72 ألف حالة في العام الماضي وحده، مشيرةً إلى أن 47% من حالات الطلاق سببها الأساسي المشاجرات الناتجة عن انتشار الغيرة والشك بين الزوجين. أما وليد فيعتبر أن حبيبته هي "كل شي بالنسبة إليه"، وإذا نظر إليها رجل آخر فهي مسؤولة عن ذلك، لأنها لفتته وأثارته بلباسها. إذاً، غيرته تلك مشروعة وعلى الشريكة القبول بها.الغيرة مؤشر على قوة الإيمان؟
بالنسبة لها غيرة زوجها عليها تكمن في التفاصيل. وهو يعرف كل تحركاتها اليومية. ترى في الزواج نهاية "الحياة الخاصة” وتعتبر أن غيرة زوجها مظهر من مظاهر الرجولة وغيابها خلل فيه. يعرف موقع إسلام ويب أيضاً الغيرة على أنها مظهر من مظاهر الرجولة الحقيقية، وفيها صيانة للأعراض، وحفظ للحرمات، وتعظيم لشعائر الله وحفظ لحدوده. وهي مؤشر على قوة الإيمان ورسوخه في القلب. ويربط انتشار التحلل والتبرج و التهتك والفجور في أنحاء العالم الغربي، وما يشابهه من المجتمعات بضعف معاني الغيرة أو فقدانها. إذاً، بدافع الغيرة يحق للرجل التحكم بشريكته وإرغامها على إخفاء أنوثتها منعاً لجذب الآخر. ما الفرق إذاً بين الحب والتملك؟ ولماذا يرى البعض في الغيرة دافعاً للتحكم بكينونة الشريك، وفرض شروط عليه ومنعه من الشعور أنه ما زال قادراً على جذب الآخر حتى في إطار علاقة؟ وهل تحتاج ثقافة الغيرة في العالم العربي إلى إعادة بناء؟ أسئلة كثيرة والإجابة واحدة: أشخاص يشكون من الاختناق في العلاقة مع الشريك، ويعتبرون أنها تزيد عن حدها، حتى تغدو الغيرة في واد والحب في واد آخر. أبحاث حديثة أضاءت على تطور أساليب التملك في المجتمعات العربية، بهدف الحفاظ على الشريك، خصوصاً الشريك الجنسي. ليس بالضرورة بدافع الحب وإنما لأن الشريك أصبح ملكية خاصة، والحفاظ عليه متعلق بالكرامة والواجب الديني والاجتماعي. تظهر دراسة حديثة أقيمت في الجامعة الأميركية في بيروت بعنوان "الغيرة في العالم العربي ونتائجها في زمن الـSocial Media"، أنه مع تطور أساليب التواصل أصبح العامل النفسي أكثر وضوحاً في التعبير عن الغيرة، إذ أتت النتائج كالتالي:- الأشخاص الذين يعانون من تعلق مرضي بالآخر هم أكثر تعرضاً للشعور بالغيرة عليه.
- كلما زادت الغيرة زادت ميول الشخص إلى التحكم بالآخر وبمحيطه الاجتماعي، من ضمن ذلك صفحته الخاصة على Facebook.
- الرجل المصاب بالتعلق المرضي أكثر عرضة لقبول التعنيف اللفظي أو الجسدي من الشريكة خوفاً من خسارتها.
- كلما شعر الرجل العربي من خلال مراقبة شريكته بالتهديد لأنها على تواصل مع آخرين (أصدقاء - زملاء) زاد ميله إلى تعنيفها مببرراً ذلك بالشرف والحفاظ على الرجولة.
1- المراقبة الدائمة
يدخل إلى حسابك الخاص، يراقب بريدك الإلكتروني ومكالماتك الهاتفية. يظهر فجأة في مكان عملك أو عندما تكونين مع أصدقائك. احذري! هذه ليست غيرة بل هي خوف وعدم ثقة بالنفس. وتذكري أن الارتباط لا يلغي المساحة الخاصة في حياة كل شخص، ففي الذوبان تهديد لمستقبلك الشخصي والمهني كما لمستقبل العلاقة.2- متطلب عاطفياً ومزاجي!
يشعر بالغبطة عندما تكونين موجودة، وعندما تغيبين، يبدأ بالتعبير عن الحزن ويحاول إشغالك عن محيطك بأي طريقة. يخلق المشاريع ويتظاهر بالمرض ويخترع الأعذار، فمحيطك يشكل له تهديداً لأنه يظن أنه سيبعدك عنه. يحاول بدافع الغيرة سلخك عن محيطك الاجتماعي، وذلك خطر عليك لأنك بعد أي مشكلة ستجدين نفسك وحيدة تابعة له.3- وداعا لهواياتك الخاصة!
لا ضرورة بعد اليوم للذهاب إلى ناد رياضي أو ممارسة هواية الصيد أو الرقص أو مشاهدة السينما! فعندما يكون الشريك متملكاً فإما أن تتشاركا في كل شيء أو لا ضرورة لتلك النشاطات أصلاً. وقتك الكامل ملكه لإرضائه والاهتمام به حصراً وبما يحب.4- غيرته مبالغ بها وغير منطقية
إن تكلمت مع أي رجل/امرأة يريد أن يعرف السبب. إن جاءك اتصال من أي كان ينتظر منك مبرر. إن استحوذت على استلطاف أحد الزملاء في العمل، يصبح عصبياً ويسقط عليك الاتهامات محاولاً إشعارك بالذنب وبأنك خائنة وغير مبالية به وبمشاعره.5- يفرض عليك لباسك
كم من شريكة تأخذ موافقة شريكها والعكس أحياناً قبل الخروج؟ وكم من مرة تصادمت أنت مع الشريك لمحاولته فرض ما تلبسين وطريقة تسريح شعرك ورائحة عطرك؟ في بداية العلاقة يسعد الشخص بذلك ظاناً أن شريكه يغار عليه بدافع الحب، ولكن بعد حين غالباً ما يصبح الأمر مزعجاً، فيدخل الشخص في دوامة يصعب الخروج منها، وقد توصله إلى العنف أو الاستسلام.6- يتحكم بسلطة القرار
للشريك المتسلط طريقة ذكية لإلغائك وتهديم ثقتك بنفسك. فهو دوماً يحاول التدخل في أي تفصيل في حياتك، سواء في العمل أو مع العائلة أوالأصدقاء. فيفرض رأيه ويلزمك به، معتبراً أن هذا دليل اهتمام وحب لكنه في الواقع بعيد كل البعد عن كل سمات الحب.7- حبه على حصان طروادة
غيرته وأوهامه وأفكاره المتسلطة دائماً معللة، وسببها أنه يحبك. شريكك يبرر تصرفاته المشككة بإبراز بطاقة الحب في وجهك لتفادي تحمل المسؤولية والاعتراف بمشكلته النفسية. فالحب يبرر كل شىء بالنسبة إليه، حتى إلغاءك.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...