لا تفوت إسرائيل فرصها في الاستثمار، وفي وقت تلاحق الحكومات في معظم دول العالم العربي مزارع الحشيش وتدمرها، من دون البحث في استخدامها بما ينفع، تتساهل الحكومة الإسرائيلية مع البحث العلمي حول الماريجوانا وتشرّع استخدامها الطبي في مجالات عدة. تستثمر الشركات الإسرائيلية في البحوث والزراعة المتعلقة بهذه المادة، وتصدّر أبحاثها لأميركا وأوروبا، حتى غدت واحدة من الدول الرائدة في الحشيش الطبي في العالم.
وعلى الرغم من أن الأرباح الحالية ما تزال في نطاق محدود، فإن هناك توقعات بأن تصل أرباح الاستثمار في هذا المجال إلى مئات الملايين من الدولارات في الأعوام المقبلة، لتصبح الماريجوانا الطبية واحداً من أهم مشاريع الاقتصاد الإسرائيلي.
بدايات الماريجوانا الطبية الإسرائيلية
عقد بين 11 و13 سبتمبر الجاري مؤتمر عالمي للقنب الطبي في تل أبيب. وزار إسرائيل مئات الاختصاصيين والعلماء والتقنيين، للمرة الثانية خلال ستة أشهر، لمناقشة الخصائص الجديدة التي يمكن اكتشافها في البحوث حول نبتة القنب الهندي، من أجل توسيع مجال استخداماتها وفوائدها الطبية. وقام مئات من الباحثين الإسرائيليين، في المقابل، بتقديم المستجدات التي يمكن أن يتوصلوا إليها في استخدام الحشيش الطبي في علاج أمراض جديدة غير تلك التي أثبت نجاحه فيها من قبل. وتشير صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" الإسرائيلية في مقال لها، إلى أن عرّاب البحث العلمي حول الحشيش الطبي في إسرائيل هو البروفيسور رافاييل ميكولام. وقد بدأ البحوث منذ أكثر من 50 سنة، فقام بتعريف مادة تيتراهايدروكانابينول، المعروفة بـTHC عام 1964. وهي المادة المسؤولة عن التأثير النفسي على مدخني الحشيش، وعزلها عن مادة كانابيديول CBD التي تحمل فوائد طبية. ويقول البروفيسور ميكولام، الذي أصبح في الثمانين من عمره، وما زال مداوماً في الجامعة العبرية في عين كرم، إنه رأى هذا المجال يمرّ بطريق طويلة في إسرائيل، منذ بدأ البحث في العقود الأخيرة وحتى اليوم. فالكثير من الباحثين في المجالات الطبية الأخرى، لم يعيروا أي انتباه لنتائج بحوثه في السنوات الأولى، حتى أثبت نجاح وفائدة الحشيش في مرض الصرع، إذ تمت مساعدة ما يصل إلى 60% من الأطفال المصابين بهذا المرض في السنوات الأخيرة. وكان التحدي الأكبر بالنسبة إليه هو الحصول على كميات كافية من الحشيش للتجربة في المرة الأولى، وقد مرّ بمجموعة من التحديات الأخرى مع السلطات الإسرائيلية حينذاك. يقول: "البحث الطبي لاستخدامات الحشيش سيصل إلى مئات الأمراض الأخرى، التي يمكن أن يساعد الحشيش في شفائها أو تخفيف ألمها". هناك آثار لمادة الـCBD لم يتوقعها خلال بحثه، وبالتالي هناك الكثير من المجالات لتكتشف بعد.في الصيدليات؟
يقود وزير الصحة الإسرائيلي، وهو من مذهب يهودي محافظ، برنامجاً شاملاً للوصول بإسرائيل لأن تكون الرائدة في العالم في الحشيش الطبي. واتخذ في الصيف الجاري مجموعة من القرارات التي تسهّل تداول الحشيش الطبي، ورفع المحظورات والإجراءات الشديدة حوله. فزاد عدد الأطباء الذين يسمح لهم وصف القنب الطبي، وتم رفع الحد عن عدد مزارعي الحشيش، وجعل الدواء متوافراً في عدد أكبر من الصيدليات المرخص لها. بالإضافة إلى رفع الإجراءات الرسمية عن مستخدمي الحشيش، فلم يعودوا بحاجة إلى تصريح من وزارة الصحة لشراء المادة الدوائية، بل وصفة طبيب ستكفي. في الوقت الحالي، يستفيد نحو 23 ألف مريض من الحشيش الطبي، أي ضعف عدد المرضى المستفيدين عام 2012. الأمراض التي يستخدم الحشيش في علاجها اليوم هي شلل الأطفال، إذ يساعد في تخفيف أعراض التشنجات الدماغية، والصرع، ومتلازمة توريت، ومرض الباركينسون، والتهاب الأمعاء. ويساعد في أعراض مرض التوحد، كالأرق والعدوانية، كما يستخدم لبعض الأعراض الجانبية لأدوية السرطان. أما الاختبارات المستقبلية، فستتضمن التهاب المفاصل، والتهاب العيون، وأمراض ما بعد الصدمة.أما التصدير والأرقام
تبحث الحكومة الإسرائيلية في الوقت الحالي إمكانية تشريع تصدير الحشيش الطبي المصنع في إسرائيل. ويتوقع خبراء أن الأرباح قد تصل إلى مئات الملايين من الدولارات في الأعوام المقبلة، إذا تمت الموافقة على التصدير، الذي ما زال ممنوعاً حتى الآن، نظراً لكثير من العوامل، منها التحفظ الدولي على تجارة كهذه، والتحفظات الإسرائيلية الداخلية التي يحملها أركان المعارضة، الذين لا يريدون لإسرائيل أن تكون دولة لتصدير السلاح والحشيش. لكن إسرائيل، على الرغم من عدم إمكانية تصدير المنتج نفسه، تقوم بتصدير أبحاثها وتقنياتها في هذا المجال، لزراعة منتجات مشابهة للمنتجات الإسرائيلية في أمكنة أخرى من العالم. وتعتبر الأبحاث اليوم المشاركة الأكبر لإسرائيل في التطوير العالمي للحشيش الطبي. وحسب تقرير سابق لقناة سي إن إن، فإن شركات أمريكية قد تعاقدت بما يقدر بمبلغ خمسين مليون دولار مع شركات إسرائيلية رائدة في هذا المجال عام 2015. ومن المتوقع أن يصل الرقم إلى 100 مليون دولار في العام الجاري. وفي المزارع السرية لشركة تيكون أولام شمال البلاد، يتحدث أحد خبراء التصنيع عن الطريقة التي يتم فيها اختبار كل نوع جديد من الحصاد، لمعرفة كمية توفر كل مادة كيماوية فيه، وتجهيز كل دفعة لأمراض معينة، أو حتى أشخاص معينين. وبهذه الدقة والجودة، وصلت شركة تيكون أولام، التي تعتبر الشركة الأكبر في إسرائيل، إلى اتفاقات مع شركات أمريكية لتصدير الخصائص والتقنيات، لإنبات منتجات متشابهة في أمريكا، ويعتقد أن صناعة الحشيش الطبي، ستصل إلى أرباح تقدر بأكثر من عشرين مليار دولار عام 2020، في مشاريع مشتركة مع أمريكا وحدها.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...