شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
هل تعتمد قطر على التجنيس لتكوّن منتخباً وطنياً مناسباً لكأس العالم 2022؟

هل تعتمد قطر على التجنيس لتكوّن منتخباً وطنياً مناسباً لكأس العالم 2022؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأحد 9 يوليو 201710:40 ص

استبق جوزيف بلاتر Blatter المرشح للاستمرار في منصبه رئيساً للفيفا لولاية خامسة، الأحداث مبكراً جداً، وحذر الاتحاد القطري لكرة القدم من تجهيز منتخب "مجنس" للمنافسة على لقب المونديال الذي تستضيفه الدولة الآسيوية العربية الصغيرة عام 2022.

القطريون الذين استغلوا قوانين الاتحاد الدولي لكرة اليد، والتي تسمح بمشاركة أي لاعب مع منتخب وطني آخر إذا ما مضى على مشاركته الأخيرة مع منتخبه الأصلي ثلاث سنوات، جنّسوا نجوماً مخضرمين من فرنسا وسلوفينيا والبوسنة وصربيا وكوبا وسوريا، فيما كان عدد القطريين الأصلاء، أربعة فقط.

ولا يعدّ التجنيس الرياضي أمراً طارئاً في البلد الذي يبلغ عدد سكانه مليونين وربع المليون، 30% منهم فقط حاملون الجنسية القطرية، إذ سبق للقطريين استقدام أسماء أجنبية لتمثيل المنتخب الكروي الأول، وكان أشهرهم الأورغواياني سيبستيان سوريا Soria والبرازيلي فابيو سيزار مورنتيزين César Montezine والغاني محمد كسولا.

جعل هؤلاء اللاعبون من الفريق العنابي منتخباً بأغلبية أجنبية، قبل أن تشهد السنوات الماضية سياسة قطرية جديدة اعتمدت على تنمية المواهب ومضاعفة أعداد المدارس الكروية، ليشارك المنتخب في كأس آسيا الأخيرة بتشكيلة تغلب عليها الأسماء القطرية الأصيلة.

تنقسم الآراء في مسألة السياسة القطرية الرياضية بين رافض للفكرة جملاً وتفصيلاً، وبين مرحب بها ومطالب بتعزيزها.

ويرى الرافضون للفكرة أن التجنيس ألغى فكرة الوطنية وأنهى مفهوم التنافس الرياضي بين الدول، فما الجدوى من إقامة البطولات العالمية إن كانت المنتخبات ستشتري اللاعبين كما تفعل الأندية المحترفة. أما المرحبون، فيجدون أن هذه الخطوة ستمنح بارقة أمل للكثير من المواهب التي تدفن تحت غطاء من انعدام الفرص، أو الانتماء إلى دول لا تمتلك أدنى المقومات الرياضية، سواء من الناحية المادية أو العملية (الإدارة – التخطيط – التطوير)، علماً أن استثمار الموارد البشرية رياضياً عبر التجنيس، سيزيد من حدة المنافسة بين المنتخبات في البطولات العالمية.

قد يغفر لقطر سعيها الدؤوب للارتقاء بصورتها الرياضية عالمياً، قيامها بتجنيس المواهب واللاعبين البارزين، بعد الأخذ في الاعتبار أن عدد سكانها لا يمكنه منطقياً أن يفرز أعداداً كافية من الرياضيين المتفوقين القادرين على إيصال بلادهم إلى المراكز الأولى، لكن الطريقة القطرية "الفجة" في استقطاب المواهب وتجنيسها، ربما هي التي دفعت بلاتر لإطلاق تحذيره.

تتلخص سياسة التجنيس القطرية الرياضية، بتتبع المواهب اليافعة في العالم العربي وإفريقيا على وجه الخصوص، وإغرائها بالحصول على الجنسية إلى جانب أموال طائلة مقابل خدماتها الرياضية، فيما يتم تجنيس النجوم "الجاهزين" عند الحاجة إليهم، بطريقة لا تختلف تفاصيلها عن طريقة إبرام أي عقد احترافي للاعب أجنبي، يضاف إليها منح الجنسية التي تكفل لحاملها حق تمثيل البلاد في المحافل الدولية.

ظهر التجنيس في عالم كرة القدم بشكل "عفوي"، فمع غياب القوانين الناظمة لتمثيل اللاعبين لمنتخباتهم، شاهد عشاق المستديرة ألمع النجوم وهم يرتدون قمصاناً لمنتخبات وقارات مختلفة. 

يعد ألفريدو دي ستيفانو Di Stéfano وفيرينك بوشكاش Puskás وعمر سيفوري Sívori، أشهر عمالقة الكرة الذين مثلوا أكثر من منتخب في منتصف القرن الماضي. فالنجم الأول الذي حقق إنجازات خالدة مع ريال مدريد، مثّل بلاده الأصلية الأرجنتين في ست مباريات، وارتدى القميص الكولومبي مرتين، قبل أن يكمل مشواره العالمي مع المنتخب الإسباني.

أما بوشكاش الذي قاد عمالقة المجر إلى نهائي مونديال 1954 قبل أن يخسر في معجزة بيرن أمام الألمان، لم يكتف بالانتقال إلى النادي الملكي، بل انتقل أيضاً إلى المنتخب الإسباني، وشارك معه في مونديال 1962. ولعب سيفوري مع المنتخب الأرجنتيني 19 مباراة وأحرز معه لقب كوبا أمريكا 57، قبل أن ينتقل إلى إنتر ميلان ومعه إلى الآزوري الذي ارتدى ألوانه في تسع مباريات.

مع توسع موجات الهجرة إلى أوروبا في العقدين الأخيرين من القرن العشرين، شهدت كرة القدم تحولاً نوعياً ظهرت نتائجه الأولى من خلال تتويج المنتخب الفرنسي بلقب بطولة العالم التي استضافها على أرضه. فالمنتخب الذي هزم البرازيل بثلاثية في النهائي، كان نصف نجومه من أصول أجنبيه، إما ولدوا في بلدان أخرى، أو أصولهم أجنبية.

على مدار السنوات الماضية، حاول الاتحاد الدولي لكرة القدم تشديد قوانين التجنيس في محاولة للحفاظ على "الروح الوطنية" للبطولات العالمية، فأصبح موضوع تمثيل منتخبين رسمياً أمراً مستحيلاً، فيما ارتبط التمثيل الأول لبلد ما، بامتلاك اللاعب أصولاً فيه، أو بحصوله على الجنسية بناء على قوانين الإقامة المرعية الإجراء.

يختلف مبدأ "المواطنة​" الذي ضمن للعديد من النجوم تحقيق إنجازات رفيعة مع منتخبات بلادهم على الرغم من أصولهم الأجنبية، فلا يمكن اعتبار أن ألمانيا بطلة العالم قد جنست أوزيل Ozil التركي أو بواتينغ Boateng الغاني، وهما النجمان اللذان ولدا في ألمانيا وتعلما فنون اللعبة في مدارسها.

الأمر ذاته ينطبق على سمير نصري وبن زيمة وبالوتيلي Balotelli وويلباك Welbeck، وغيرهم من الأسماء ذات الأصول المهاجرة، المنتشرة في المنتخبات الأوروبية. وبدرجة أقل، تأتي الإقامة الدائمة كفرصة جديدة للظفر بخدمات نجم لم يستطع أو لم يرغب في تمثيل منتخب بلاده الأم، وهو أمر حصل مع العديد من الأسماء الكبيرة أمثال البرازيليين البرتغاليين ديكو Deco وبيبي Pepe، والبرازيليين الإيطاليين أماوري Amauri وتياغو Thiago، والبرازيليين الإسبانيين سينا Senna وكوستا Costa، علماً أن بعض هذه الأسماء خاضت تجربة اللعب مع المنتخب الأم على صعيد غير رسمي، وهذا ما سمح لها بتمثيل منتخب آخر، بحسب القوانين. اعترف بلاتر في تصريحاته الأخيرة أن عدد سكان قطر يشكل تحدياً أمام تشكيل منتخب كروي مناسب قبل كأس العالم 2022، لكنه في الوقت نفسه، أكد أن هذا الأمر لا يمكن أن يتحقق أيضاً عبر التجنيس السريع.

الاتحاد الدولي لكرة اليد برر قوانينه المتساهلة مع التجنيس بنشر اللعبة عالمياً والعمل على زيادة شعبيتها، لكن بلاتر وصف الأمر بـ "السخافة"، مشيراً إلى أنه يتناقض مع روح تشكيل منتخب قومي. مع تحول كرة القدم إلى صناعة ترفيهية كبرى، وكيان تجاري واقتصادي عملاق، تصبح "الروح القومية" التي تحدث عنها بلاتر أمراً قابلاً للنقاش أمام الإغراءات المقدمة للاعب، ففي الوقت الذي رفض ميسي Messi تمثيل إسبانيا وأكد التزامه بارتداء قميص وطنه الأم، قرر منير الحدادي خوض التجربة الإسبانية بدلاً من العودة إلى جذوره الإفريقية في المغرب.

وفي المستقبل القريب، قد يضطر الاتحاد الدولي إلى تقديم تنازلات فيما يتعلق بالتجنيس وتمثيل المنتخبات الوطنية، بداعي إفساح مجال أكبر للكم الهائل من اللاعبين الذين يتم تطويرهم في المدارس والأكاديميات الكروية المنتشرة في أنحاء العالم.

تنازلات لن تشكل إلا صفقة رابحة جديدة تضمن امتلاء خزائن الفيفا أكثر مما هي ممتلئة في ظل ازدياد حدة التنافس الرياضية- التجارية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image