شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
التركيات ونضالهن في سبيل ارتداء الحجاب

التركيات ونضالهن في سبيل ارتداء الحجاب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

السبت 10 سبتمبر 201603:33 م
"من الغريب أن دولة تعداد المسلمين فيها نحو 99%، يُحظر فيها ارتداء الحجاب، علينا التأكيد على أسلمة الدولة دون المساس بعلمانية الدستور". كانت هذه إحدى المقولات الهامة، التي أطلقها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أبريل الماضي. مشيراً إلى استنكاره لاستمرار حظر الحجاب في بعض مؤسسات تركيا. تسعة عقود مضت، عبرتها رحلة مطالبة المرأة في تركيا بالسماح لها بارتداء الحجاب، بداية من عام 1923 وإعلان الجمهورية التركية وتبني النظام الجمهوري العلماني، حتى أغسطس 2016. مروراً بالعديد من مراحل الانكسار والانتصار لهذه المسيرة المطلبية. ومع أنه لم يكن هناك قانون أو بند في الدستور يحظر ارتداء الحجاب في الطرقات، إلا أن التشديد الحكومي العلماني، خصوصاً في عهدي الرئيسين مصطفى كمال أتاتورك وعصمت أينونو، كان يعيق ارتداءه، حتى في الطرقات. ففي ظل حظره في جميع مؤسسات الدولة، كانت المرأة مضطرة إلى خلعه قبل الدخول إليها، أو المدارس والجامعات. فاضطر بعضهن إلى خلعه تماماً. بدأ هذا التشديد الحكومي بالتراجع تدريجياً، عقب تولي نجم الدين أربكان رئاسة الحكومة بين عامي 1996 و1997، ومن بعده، في عهد حكومة العدالة والتنمية. فبدأت النساء في ارتداء الحجاب بالطرقات مع تخفيف الضغوط الحكومية، وبروز التوجه الإسلامي للدولة.

بداية الحظر

سطّر مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس الجمهورية التركية، كلمة البداية في قضية الحجاب بتركيا، عندما فرض مجموعة من القرارات والقوانين الإلزامية بشأن المظهر الحضاري للشعب التركي. فمنع ارتداء الطربوش والحجاب عام 1923، في المؤسسات الرسمية، واستبدلهما بالقبعات الإفرنجية، بزعم نقل الدولة من الهوية العثمانية إلى الأوروبية. وأصدر قراراً إلزامياً بارتداء الزي الأوروبي، واعتبار العلمانية أمراً مقدساً. وبدأت مؤسسات الدولة حظر الحجاب رغم عدم ورود ذلك في الدستور. Ataturk_J-Brew_FlickrAtaturk_J-Brew_Flickr بعد قرار الحظر الحجاب، ارتفعت أصوات المعارضة الرافضة للقرار، مطالبة بحق حرية لباس المرأة. تزعم هذه المعارضة الداعية الإسلامي التركي بديع زمان النورسي، من دون أي نتائج ملموسة، حتى تزايدت أعداد المحجبات في الجامعات التركية، خلال النصف الثاني من الستينيات، وتبعت ذلك محاولات جديدة للمطالبة بحرية ارتداء الحجاب. واستكملت مسيرة نضال المرأة التركية، للحصول على حق حرية ارتداء الحجاب، في عهد رئيس الحكومة التركية السابق ومؤسس حزب "الفضيلة"، ذي التوجهات الإسلامية نجم الدين أربكان. ثم تابعها أردوغان، الذي أصدر حزمة قرارات إصلاحية في أكتوبر 2013، من شأنها رفع حظر ارتداء الحجاب في المؤسسات العامة، بما يعد إحدى المحطات الهامة في المسيرة. وأهم المراحل الداعمة للحظر، المناهضة لمسيرة نضال المرأة التركية خلال العقود السابقة، شهدتها البلاد بين عامي 1980 و1997. صاحبتها التظاهرات النسائية الاحتجاجية، التي واجهتها الشرطة التركية، وقمعتها واعتقلت عدداً من المشاركات فيها.

"حظر مشدد"

تحول أمر حظر ارتداء الحجاب في تركيا إلى "قضية سياسية"، بتشديد الحظر عليه، عقب الانقلاب العسكري الذي قام به الجنرال كنعان أيفرين، يوم 12 سبتمبر 1980، فتم منع دخول المحجبات للجامعات وسائر المعاهد والمدارس، والعديد من مؤسسات الدولة، في إطار تعزيز مبادئ العلمانية. وتم إصدار قانون "لوائح اللباس في المؤسسات العامة"، الذي منع الحجاب في مؤسسات الدولة. فلم تتمكن بعض النساء من ممارسة عملهن في المؤسسات العامة بحجابهن. وأدى تشديد الحظر آنذاك، إلى زيادة عدد الطالبات اللواتي اضطررن إلى مغادرة البلاد لاستكمال دارستهن، بما تجاوز أربعين ألف طالبة. توجهن إلى دول مثل الولايات المتحدة وألمانيا وهولندا والمجر وأذربيجان وسوريا ومصر. بينما اضطرت أخريات إلى اعتمار القبعات أو وضع الشعر المستعار للتحايل على قرار منع الحجاب. استمرت مرحلة الحظر في التسعينيات من القرن الماضي، وعادت القضية إلى الواجهة بشكل أكبر، مع تولي نجم الدين أربكان رئاسة الحكومة التركية عامي 1996 و1997. وذلك قبل حظر حزبه "الرفاه"، بتهمة "انتهاك مواثيق علمانية الدولة".
بينما تناضل النساء في المنطقة من أجل حقهن في خلع الحجاب، التركيات يناضلن من أجل الحق في ارتدائه
وفي هذا الإطار، عزل أربكان إثر انقلاب عسكري في 28 فبراير 1997، ضد الحكومة الإسلامية لحزب الرفاه. وبدأ الجيش التركي بالإغلاق التدريجي لمدارس الأئمة والخطباء، والمدارس الدينية. وطُبق نظام التعليم الإلزامي ثماني سنوات، فضلاً عن إصدار مجلس الأمن القومي التركي قراراً يعتبر أن "الحجاب هو تهديد لتركيا". فتم طرد عدد كبير من المحجبات العاملات في المؤسسات العامة، ما أشعل التظاهرات النسائية الاحتجاجية مجدداً ضد الحكومة.
وتزايدت التظاهرات عام 1999، بعد قرار رئيس جامعة إسطنبول بحظر دخول المحجبات إلى قاعات الدراسة، واعتقل عدد من المتظاهرين والمتظاهرات.

مشاهد تاريخية

الطالبة المحجبة جولسن آتاسفن بدأت الدراسة في كلية الطب بجامعة إسطنبول، وخلال حفل تخرجها من الجامعة عام 1964، تم منعها من إلقاء كلمة الحفل كونها محجبة. عام 1965، جرى حبس الكاتبة في صحيفة "الاستقلال الجديد" شولا يوكسل شنلر تسعة أشهر، لنشرها مقالاً معارضاً لقرار الرئيس التركي آنذاك جودت صوناي. كان القرار يقضي بعقوبة أي امرأة تتجول في الشوارع والطرقات العامة بالحجاب. وعام 1968 شهد العديد من الحوادث التاريخية لوقائع قمعية ضد المحجبات في تركيا، ففي فبراير 1968 تم طرد الطالبة خديجة باباجان من قاعة المحاضرات في كلية الإلهيات في جامعة أنقرة لارتدائها الحجاب. وأعلنت نحو 60 طالبة في أبريل، مقاطعة حضور المحاضرات تضامناً مع باباجان. وأعلن عميد الكلية استقالته احتجاجاً على طرد الطالبة. كما قررت اللجنة التأديبية لنقابة المحامين في أنقرة في مارس 1973 سحب عضوية المحامية أمينة أيقانار بسبب حجابها. وفي أكتوبر عام 1977، فتحت النيابة الإدارية في مدرسة إمام خطيب في مدينة إزميت استجواباً مع 215 طالبة، لارتدائهن الحجاب أثناء الدراسة. وعام 2000، تفاقمت أزمة الحجاب في تركيا، بعد أن توفيت طالبة محجبة تدعى خديجة، دهستها إحدى الحافلات أثناء اعتصامها أمام بوابة مدرسة لتأهيل الخطباء والأئمة، احتجاجاً على قرار منع الحجاب.

طرد برلمانية بسبب "الحجاب"

عام 1999، تم منع النائب عن حزب "الفضيلة" مروى قواقجي، من أداء اليمين الدستورية بعد انتخابها، لأنها محجبة. ليبدأ تطور جديد في قضية تشديد حظر الحجاب. وطالب رئيس الوزراء آنذاك بولنت أجاويد الشعب التركي بدعم الحكومة في تعزيز مبادئ العلمانية. وقالت قواقجي في تصريح صحافي آنذاك: "أنا بنت العلمانية ولن أخلع الحجاب". وذلك قبل تجريدها من جنسيتها التركية، لأنها تحمل الجنسية الأميركية، رغم أن القوانين التركية تسمح بتعدد الجنسيات.

موقف المعارضة

كان موقف المعارضة التركية طيلة العقود الماضية ثابتاً إزاء قضية حظر الحجاب في الدولة. كان مؤيداً للحظر، لكنه شهد تحولاً كبيراً عام 2008، بعد تمرير حزب العدالة والتنمية الحاكم مشروع قانون في البرلمان، يسمح بارتداء الحجاب في الجامعات. وذلك قبل إبطاله عبر المحكمة الدستورية العليا، لتتحول إلى قضية سياسية بامتياز، بالتزامن مع إعلان مجلس التعليم العالي بالسماح بارتداء الحجاب في قاعات الدراسة. وشهد موقف المعارضة آنذاك تحولاً تمثل في موقف رئيس حزب "الشعب الجمهوري" المعارض كمال كليجدار أوغلو، ويعتبر ممثل تيار العلمانية الأتاتوركية. فأعلن أوغلو أن لا مانع من ارتداء الحجاب في الجامعات، مؤكداً أنه لن يلجأ إلى المحكمة الدستورية لإبطال مفعول تعميم مجلس التعليم العالي بهذا الخصوص. حزب "الحركة القومية" المعارض العلماني، بزعامة دولت باهتشلي، اعتبر أن تعميم مجلس التعليم العالي غير كاف، لكنه أشار إلى إمكانية حسم القضية من خلال الأطر التشريعية. ولم يختلف الأمر لدى حزب "السلام الديمقراطي" الكردي، بزعامة صلاح الدين دميرطاش. فأبدى موقفاً إيجابياً، داعياً إلى تقديم تشريع يزيل الخلاف القائم بينه وبين قرار المحكمة الدستورية العليا، وقرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بهذا الشأن.

ثمار النضال

بدأت ثمار نضال المرأة التركية المطالبة بحقوقها في ارتداء الحجاب بعد نحو خمس سنوات من حكم "العدالة والتنمية" للبلاد. إذ أقر مجلس التعليم العالي قانوناً إدارياً للسماح بحرية دخول الجامعات وقاعات الدروس بالحجاب، وعمم القرار على الإدارات الجامعية في تركيا. وشهد عام 2010 تعديلاً دستورياً بشأن اتخاذ التدابير حول "الحقوق"، وإزالة أشكال التمييز ضد المرأة، وطُرحت على الاستفتاء الشعبي ليتم قبولها وتصبح سارية المفعول. وكان حظر الحجاب يعد أحد أشكال التمييز ضد المرأة، لعدم حصولها على حرية ارتدائه من عدمه. وأُدخلت تعديلات على اللوائح الخاصة بملابس العاملين في شركة الخطوط الجوية التركية عام 2011، أتاحت للموظفات حرية ارتداء الحجاب من دون أي مشكلة في العمل.

"حزمة الديمقراطية"

استمرت مسيرة رفع الحظر عن الحجاب عبر "حزمة الديمقراطية". وهي مجموعة قرارات تنظيمية رسمية، أصدرها رئيس الوزراء أردوغان في سبتمبر 2013. وتتعلق بالحقوق العامة وحقوق والأقليات والحريات الشخصية والدينية والنظام الانتخابي، وتُطبق على مؤسسات الدولة ومختلف أطياف الشعب. وتضمنت تعديلاً للمادة الخامسة من قانون تنظيم زي موظفي الدولة، الخاص بحرية الملبس. وأقرت رفع الحظر عن الحجاب، وأُتيح للمرة الأولى للمحجبات التركيات بممارسة العمل النيابي، من داخل قبة البرلمان. والعمل في المؤسسات الحكومية، بالإضافة إلى الملتحين، ومرتدي أي لباس ديني. مع الإبقاء على اللباس الرسمي الخاص بمؤسستي الجيش والقضاء. كما استعادت المحاميات حق ارتداء الحجاب أثناء العمل، بعد حكم من محكمة النقض، في العام نفسه، أيد طلب محامية محجبة اعترضت على أحكام سابقة منعت ارتداءه في المحاكم. وقال نائب رئيس الوزراء والمتحدث باسم الحكومة التركية بولنت أرنتش، في سبتمبر 2014، إنه تم اتخاذ قرار السماح لطالبات المرحلة الإعدادية بارتداء الحجاب، وإلغاء قانون المنع الذي كان مطبقاً، في تصريح أدلى به بعد خروجه من اجتماع هيئة الوزراء. وأكد أرنتش أن عبارة "مكشوفة الرأس"، التي كانت موجودة في قانون الزي المدرسي، في فقرتين تتعلقان بلباس الطلاب التابعين لوزارة التعليم التركية، تم إلغاؤها وإبطالها، بالنسبة إلى طالبات المرحلة الإعدادية. وفي أغسطس الماضي، أقرت الحكومة حق ارتداء الحجاب للعاملات بجهاز الشرطة في الدولة. وصدر القرار في الجريدة الرسمية، ونص على حرية ارتداء السيدات العاملات في جهاز الشرطة للحجاب، مع شروط عامة لشكل الحجاب. كأن يتوافق في لونه مع لون الزي الرسمي للعمل، وأن يكون بلا نقوش، ودخل القرار حيز التنفيذ منذ نشره بالجريدة الرسمية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image