سايترنس كلمة تعبّر عن ثقافة وأسلوب حياة لا عن طائفة ولا عرق... وحدودها بلا حدود. إنها ثقافة العودة إلى الجذور، كما خلقنا الله. كما كنا قبل الرأسمالية وقبل الأنظمة المقنعة بالديمقراطية. أسلوب حياة يحتفي بالطبيعة الأم وكائناتها، ويقدم لها ذبائح من الأرض، على إيقاع موسيقى سايكدليكية Psychedelic. سايترنس يريد أن يكون الواقع البديل للحياة الفوضوية السلبية، التي آلت إليها المجتمعات. هي رؤية تحاول أن تحررنا من العبودية المعاصرة ووجدت أخيراً طريقها لأول مرة إلى العالم العربي، وتحديداً لبنان. خضنا التجربة كي ننقلها إليكم، وإن من الصعب على الكلمات والصور شرح ما عشناه.
قصة سايكدليكية
السايكدليك ترانس Psychedelic Trance هو أسلوب حياة حديث للثقافة المضادة التي تطورت في الستينات مع الهيبيين Hippies، وأخذت بالتبلور يوم شهدت غوا في الهند نزوحاً لجماعات الهيبيين إلى أرضها، ومنهم من عاشوا لأعوامٍ عدة في أحضان طبيعتها. ذلك اللقاء للهيبيين في منطقة تحتفي بالحياة والله والطبيعة، من خلال ممارسات وطقوس عدة، عرّفهم على حركات دينية متنوعة، مثل الهاري كريشنا، وأدخلهم عالم التأمل من خلال ممارسات مختلفة، منها المهاريشي للتأمل التجاوزي. علماً أن حركة الهيبيين في تلك الفترة كانت تبحث عن معنىً أكثر عمقاً للحياة، بعيداً عن طاقة حرب فييتنام السلبية، وأسلوب الحياة الرأسمالي الذي لم يروا فيه أي خير لتطور الإنسان ومجتمعاته. وقد وجدوا في شاطئ غوا مساحة حرة ليبنوا مجتمعاً مصغّراً، بأسلوب عيش يشبههم، وحفلات موسيقية راقصة تحتفي بالحياة بحرية. مع تطور الآلات الموسيقية تحوّل المشهد الموسيقي في الثمانينات إلى أسلوب "ترانس غوا"، الذي استوحت منه إيبيزا، وغيرها من المناطق الشهيرة بحفلاتها الصاخبة، موسيقاها. المهرجانات التي تحتفي اليوم بالسايكدليك ترانس منتشرة في أنحاء العالم، ولو بطريقة غير تجارية. وهي رحلة ممتدة عدة أيام، في حضن الطبيعة، حيث الموسيقى لا تتوقف ليلاً ونهاراً، تحت أيادي دي جيز مجانين بأدائهم، موزعين في مساحات موسيقية مختلفة، تراوح بين دارك ساي Dark Psychedelic Trance وتشيل ساي Chill Psychedelic Trance، للذين يريدون أن يأخذوا قسطاً من الراحة خلال رحلتهم الطويلة إلى القمر. وتتخلل المهرجان ورش عمل فنية وثقافية وندوات حول احترام الطبيعة، ووعي الإنسان ومستقبل المجتمعات العضوي. https://youtu.be/3fzLrgerlCQ مهرجانات السايترنس معروفة بانفجار ألوانٍ حية في قطع فنية عملاقة منتشرة في مساحات مختلفة منها، يستوحيها المنظِمون من ذرات الحياة ويقدمونها بإطارٍ يحث المشاهد على الارتفاع عالياً عن الأرض وجاذبيتها. رواد هذه المهرجانات يعبّرون عن وجودهم باختيار أزياء خيالية تحتفل بالحياة وكائناتها، ويعيشون رحلتهم هذه كتجربة حياتية تزودهم المزيد من النضج في كل مرة، ليعودوا إلى الحياة الاجتماعية السائدة، مفعمين بطاقة متحررة من العبودية التي ترسخها المجتمعات الحديثة.من أشهر مهرجانات السايكدليك ترانس حول العالم:
Boom Festival
ليس مجرد مهرجان كما يعبر عنه منظموه، بل هو حالة ذهنية مستوحاة من مبادئ السلام والاستدامة والإبداع والتفوق، والثقافة البديلة والمشاركة البناءة، والتطور والحب. بدأ عام 1997 في البرتغال، على بحيرةIdanha-a-Nova ، ويقام كل عامين عندما يكتمل القمر في شهر أغسطس. يستقطب أكثر من 30 ألفاً من تلك العائلة الكبيرة المنتشرة في أراضٍ مختلفة من العالم.Burning Man
مدينة نابضة بالحياة التشاركية، أنشأها سكانها عام 1986، في صحراء نيفادا الأميركية، لتستقطب في شهر أغسطس من كل عام أكثر من 50 ألف شخص ليستمتعوا بأضخم مهرجان سايترنس. يقدم المهرجان أعمالاً فنية ضخمة مبنية على شكل مدن مصغرة، تعيش فيها الجماعات أياماً عدة. وهي تعتبر عاصمة السايترنس، لذا إذا أردت أن تخوض تجربتك الأولى في ثقافة السايترنس، يفضل أن تختار مهرجاناً أكثر هدوءاً وحميمية، لتعيش وتفهم وتلمس تلك الفلسفة قبل الانطلاق في مهرجانات صاخبة.OZORA Festival
تجربة لوجودٍ موازٍ من نسيج أحلامنا الملونة، ورؤى لا تشكك بقدرتها، حيث الحب والاحترام المتبادل بين الناس، وأيضاً احترام مخلوقات الأرض. رحلة شفاء للروح والجسد، وأيام عديدة من الرقص الحر. لا ينطبق هذا الوصف على المهرجان الذي يقام كل عام في هونغاريا، بمشاركة نحو 20 ألف شخص، بل يشمل المهرجانات من الفئة نفسها. وهذا ما يدفع أفراد تلك العائلة الكبيرة، للتلاقي خلال أشهر السنة المتتالية، ومن أرضٍ لأخرى يفرشون خيمهم كالبدو الرُحل في رحلة العودة إلى الجذور.Festival Hexaplex
ربما هو ليس الأشهر، لأنه ما زال في تجربته الأولى، ولكنه الأول والوحيد في البلاد العربية، وتحديداً في لبنان. اجتذب نحو 1500 شخص بين 1 و4 من سبتمبر الجاري، من بينهم جنسيات عربية مختلفة، خصوصاً الأردن وفلسطين، ورواد ساحة السايترنس من ألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة وغيرها. دي جيز لامعون من ساحة السايترنس قصدوا لبنان ليشهدوا على انطلاقة تلك الحركة، ومنهم Agni من مقدونيا، Ascent من صربيا،CIMI من بريطانيا،Megalopsy من الأرجنتين، Moon Tripper من دبي،Slate من اليونان،Prisma من الأرجنتين. بالإضافة إلى دي جيز تشيل آوت ترانس من لبنان، أمثال Stardus وKhoum، وقد جعلوا المشاركين يرقصون على مدار الأيام والليالي الطويلة، دون تعب أو ملل. أخذنا أمتعتنا وذهبنا في الجبال نحو منطقة شحتول، لخوض تجربة السايترنس للمرة الأولى، ننقل منها لكم بعض المشاهد. ضباب يتسلل إلى المعبد المكون من أشجار وصخور جبلية، كأن الآلهة تنفخ من طاقتها بيننا، لترفعنا عالياً عن الأرض، بروية، بحنان، لتجعل من الشمس مجرد دائرة بيضاء تلعب دور القمر، بمرح. موسيقى تدخل الأذن ثم خلايا الدماغ، لتفرغها من إرهاقها وروتينها. تتمايل الأجسام تحت قطع قماشٍ ملونة بفرح الحياة، من دون اتباع إيقاعٍ معين، بل وفق الموسيقى التي تتراقص على الرمال، وتعامل الأجسام كأوراق شجر ينتمون للطبيعة. النور يتلاشى، أفرادٌ حولتهم الآلهة إلى كائنات أشبه بالذئاب التي تحوم حول فريستها، الحرية. مصابيح الأشعة فوق البنفسجية، تغير ملامح الوجوه إلى كائنات خارجة من العالم السفلي، تجذبها أقنعة خشبية تنتمي لقبائل الأدغال، عليها رسوم ساحرة تعطيها حياة مختلفة لدى كل نظرة. قد تناديك أصوات وذبذبات من بقعة قريبة، موضوعة تحت إسم تشيل آوت، فتأخذك قدماك اللتان اختارتا مساراً مختلفاً عن مشيئة دماغك، وتمشي في الضباب الكثيف حتى تصادفك رسمة ماندالا تحادثك بألوانها الفاقعة، فتأخذ ألواناً عشوائية وتنضم لجلسة تلوين، أشبه بتنويم مغناطيسي. ويناديك الصوت مجدداً من مكانٍ قريب، فتقف وتكمل طريقك لتقع على أشخاص يمارسون اليوغا والتأمل. تضيع وتجد نفسك ثم تضيع، إلى أن تصل إلى حيث الصوت أصبح الآن يصدر منك. تستلقي على الحصيرة تحت الأشجار. تغمض عينيك لتشعر بكل نقطة مطر تنهمر على بشرتك، نقاط ملونة لمطر هو أيضاً سايكدليكي.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...