القاهرة، هل تظنون أن لها وجهاً واحداً، وأنكم ستلمون بها بنظرة؟ قلبي معكم، ستدوخكم وتلقي بكم في طريق الصدف، التي لن تنتهي في كل خطوة، لحظة، ولفتة. نعرف أنكم تحفظون القفشات المصرية عن ظهر قلب و"ابناء بلد ومدقدقين"، لكن سلوا الذين وفدوا إليها من نواحي الكنانة وأطرافها، كيف كانت أيامهم الأولى، إلا صحبة الحظ وأصحابه، من حاولوا التمعن والتأني حتى تمنح نفسها في يسر ولين.
هنا القاهرة
من المهم أن تعرفوا أن الزحام سمة أساسية للقاهرة، لذا حاولوا أن تكونوا على مقربة من كل شي، أي في "وسط البلد"، تماماً حيث الفنادق الفاخرة والرخيصة، والمواصلات إلى أرجاء مصر. لذا خياركم الأفضل هو الكارلتون، أحد الفنادق العتيقة المطلة على مشهد، والتي طالما فتحت عليه عدسة الكاميرا، حيثما تظهر دار القضاء العالي. وتذكروا كم مرة رأيتم أحمد زكي مثلاً يتمشى هنا. القاهرة الخديوية صباحاً، وجه ثلاثينية في زي إيطالي، تمشط شعرها بالندى، وتفرك جفنيها من السهر. تخيلوا القاهرة في ذلك الوجه، هل تفوتون رؤيته؟ هيا انهضوا وابحثوا عن عربية الفول التي تسر ناظريكم وتوكلوا، أو اتجهوا إلى منطقة المنيل عن طريق كورنيش النيل، تحديداً إلى عربية "مليم". بياع فول "أصلي". اطلبوا واحداً حلواً (أي بزيت الذرة)، وإذا كنتم تثقون بقوة المعدة، فليكن حاراً (زيت بذرة الكتان)، بينما تلتقطون أنتم الفلفل والجرير والعيش. مع لفحة الهواء، ينبهكم النيل إلى برنامج اليوم، على ضفته الشرقية، حيث حي مصر القديمة، قاهرة الفسطاط، التي شهدت الحضارة قبل تحويلها إلى أول عاصمة إسلامية في مصر. وعلى يسار الضفة إلى الجنوب، القاهرة المملوكية، وخلفهما "المحروسة"، القاهرة الفاطمية، حيث سينتهي النهار بنا. [caption id="attachment_81848" align="alignnone" width="700"] النيل[/caption] على مهلكم، لن نغادر المنيل قبل أن نمر على الروضة، حيث سلطانية البليلة الساخنة المزينة بالمكسرات، أو الأرز المعمر لدى "تاجوري". وإذا رغبتم في كوب شاي وحجري شيشة للتأهب لجولة ممتعة، فالمقاهي في الجوار. فقط صباحاً، يجسد الأتوبيس العام حلماً اشتراكياً مثالياً وجميلاً، لكن لا داعي للتيه صباحاً. انطلقوا إلى حديقة الأزهر، الرابية العالية الخضراء، لتطلوا على المشهد الواسع. واسمعوا "هنا القاهرة"، https://soundcloud.com/mory-cat/dpk2si4ypems فالمهرجان العملاق يصحو الآن وينطلق، بينما تلتقطون أنتم سيلفي تذكارية مع العصور جميعها. واعلموا أنكم حتماً ستعودون في المساء إلى الجهة المقابلة، أعلى جبل المقطم، لتتبعوا دهشتكم على الكورنيش، وتشاهدوا كيف أمست القاهرة في ثوبها الليلي. [caption id="attachment_81826" align="alignnone" width="700"] حديقة الأزهر[/caption] [caption id="attachment_81858" align="alignnone" width="700"] حديقة الأزهر[/caption] للآن، أنتم نصف سياح ونصف قاهريين. اتبعونا لتعيشوا قاهرتنا كما نحياها حين نبغي الهدوء. اخرجوا من البوابات الخلفية للأزهر بارك، وانحدروا إلى درب شغلان ومنه إلى منطقة الدرب الأحمر، مروراً بممر الخيامية المسقوف. ستغمركم روائح الكبدة الجملي، والسجق الاسكندراني، ومحال الكشري. احتفظوا بإعجابكم إلى أن تنتهوا من شارع السيوفية، حيث تمرون بقصور المولوية، والأمير طاز حتى سبيل أم عباس المزخرف. سلوا عن بيبو "ألف مين يدلك"، واطلبوا منه "شوية كشري" في السلطانية الزجاجية المميزة، مع كأس الويسكي "السلطة الحارة".أجمل ما يمكن القيام به في القاهرة خلال 48 ساعة... لرحلتكم المقبلةبنهاية شارع الصليبة، مسافة نصف كيلومتر من التاريخ، أجمل مساجد مصر على الإطلاق جامع السلطان حسن، الذي يتصدر الوجه الإسلامي للجنيه المصري، وإلى جواره مسجد الرفاعي. أطلبوا العناب أو شاي العصاري المنعنع، على الدكة الخشبية للمقهى، المطل على الجهة الجنوبية من قلعة صلاح الدين الأيوبي، حيث يظهر مسجد محمد علي باشا ذو الطراز العثماني. [caption id="attachment_81846" align="alignnone" width="700"] جامع السلطان حسن[/caption] بعد الراحة، ترجلوا إلى مقهى الحرية، في منطقة باب اللوق، الوحيد الباقي من بين المقاهي التي كانت تقدم البيرة في القاهرة. "ميلاد" ليس سمجاً كما يبدو، سيأتيكم بستلا المصرية "مشبرة"، وحولكم الطلاب الأوروبيون ورفاقهم في الجامعة الأمريكية. أدباء وفنانو الأندرجراوند والمدعون أيضاً، وكل ما تحضنه وسط البلد من عنفوان وطاقة وحيوية. [caption id="attachment_81915" align="alignnone" width="700"] مقهى الحرية[/caption] لا تتأخروا عن حفلة الزار المصري الصاخبة في "مكان الفنون"، حيث العلاج الروحي بالموسيقى. عيشوه على الطريقة المصرية، أو ارقصوا مع فرقة مزاهر، وتمتعوا بالسلطنة مع جملات شيحة، التي تقف في سن، لم تهتم له البتة، وتحييكم بدلع عشرينية، مؤكدة: "بتحييكوا جملات شيحة... كل فنان وله ريحة"، لتذوبوا مع الصوت الدافىء، وحولكم السميعة على البساط الأحمدي. [caption id="attachment_81916" align="alignnone" width="1024"] من حفلة لفرقة مزاهر[/caption] أو ربما تتحركون إلى مسرح الضمة أو المسطبة، على مقربة من قصر عابدين، حيث وقف عرابي ليبدأ ثورته، لتفتحوا لأرواحكم مساحة من البهجة على أنغام السمسمية البورسعيدية مع فرقة الطمبورة، لتنفلتوا من كل شيء، ولن تدركوا كيف شاركتهم في الغناء. الناصرية قريبة منكم الآن، كيف تأتون إلى هنا ولا تجربون مسمط "بحة بتاع الناصرية"، أو بجة أو حبايب السيدة، حيث إكسسوارات البهائم "الكوارع والقشة واللسان والممبار" والفتة المصري. لا يمكنكم طبعاً أن نفوتوا زيارة "الكرنك"، ليس المعبد بالطبع، بل حيث ابتكرت "القنبلة". ليست الذرية أو النووية، هي أقل فتكاً: طبقات من قطع الفواكه مع الكنافة والبسبوسة والقشدة، يتخللها 3 أنواع من العصير على الأقل و... لا لن تتمكنوا من فهم الخليط أو تخيله، لأنكم ستكون مشغولين بما انفتح أمامكم من ألوان. اتركوا للأوكسجين مساحة، فعلى مقربة منكم، منطقة السيدة زينب. أطلبوا من الرحماني كأس سوبيا حلو، أو مزز مع جوز الهند، وربما يحالفكم الحظ وتأتون في موعد "المولد"، حتى لو لم يأت موعده. احرصوا على سماع "الليلة الكبيرة" وأنتم تتجولون هناك،. https://soundcloud.com/mostafa-saad-11/yc5bnccnb88e إلى منطقة الزمالك، حي الباشوات وعظماء مصر من الفنانين، الكثير من المطاعم الراقية، منها ما يطل على النيل من زوايا ساحرة. فرصة لا تعوض عند عم فرحات، بقعة مظلمة في شارع بابا شارو، حيث تجالسون سميعة "أهل الهوى" وآهاتهم المهموسة، لتبحثوا معهم عن أم كلثوم. فقط اصغوا وسيكافئكم عم فرحات بزجاجة استلا الخضراء، لتستمتعوا بما رأيتموه من القاهرة. هي حقاً لا تنام، وإلى ما بعد الفجر، لن تتوقف عن الطهو والشواء، كما لن يتوقف الزهر عن الدوران فوق خشبة الطاولة، ليأتي بالشيش والبيش في ضوء خفيف ونسمة منعشة تحمل رائحة المعسل. وفي حي روض الفرج "ألف مين يدلك" على كابر صبحي، حيث المشويات الشهية، أو طواجن البصل واللسان والبامية من عند "بيبو في الساحل". في الكارتة، وروح الفؤاد تغني "سوق بينا ياسطى على الكورنيش دنجا دنجا". كورنيش النيل، قصة عشق، قبلات مسروقة، وأغانٍ شعبية تصدر من فلايك أو مراكب الجولات النيلية صباح مساء. حفلات صاخبة رخيصة وأخرى باهظة ورقص ورقص ورقص، مطاعم نيلية عائمة، كأس من النبيذ وراقصة شعبية. https://soundcloud.com/omar_tyson/swu4xrtifpi9 بمناسبة الرقص، لا تفوتوا زيارة شارع الهرم، "الأوبرج" سابقاً، وارضوا فضولكم وزوروا الشارع الشهير حيث الملاهي الليلية. وإذا كنتم من هواة الخيل فلا تترددوا في الذهاب إلى نزلة السمان، تحت سفح الأهرامات، لتنطلقوا ليلاً إلى ربوة عالية تحديداً «صحارى سيتي» على ظهر الفرس، ولكن لا تنخدعوا بالـ"رهوان التاني"، كما انخدع أحمد حلمي في فيلم عسل أسود. [caption id="attachment_81841" align="alignnone" width="700"] شارع الهرم[/caption] احذروا أن تفوتوا القاهرة الفاطمية. قاهرة نجيب محفوظ وحسن الإمام وسي السيد وخان الخليلي، ومقهى الفيشاوي، حيث تجمع الحرافيش، الأزهر وسيدنا الحسين والجمالية، و"يا رايحين الغورية بصوت محمد قنديل"، والشيشة في تكية زينب خاتون، إلى جوار بيتي العود الشعر. وعلى الناحية الأخرى، شارع المعز لدين الله الفاطمي، أكبر متحف مفتوح في العالم، الذي يضم مقهى أم كلثوم الشهير وعدداً لا بأس به من البيوت القديمة، التي تحولت لمراكز ثقافية وفنية. [caption id="attachment_81857" align="alignnone" width="700"] الحجرة المخصصة للملك فاروق داخل قهوة الفيشاوى[/caption] في كل خطوة شيء من التاريخ، حتى ينتهي الشارع بباب زويلة، حيث علق المماليك رؤوس التتر، وحيث رؤوس كثيرة تتطلع بشغف لطلباتها من الساندويتشات على الجانب الآخر، خصوصاً ساندويش "السكلانس" الحلو من "زيزو نتانة"، حيث تجتمع الطبقات في أزيائها المختلفة. لا تستعجبوا من الاسم الذي يوحي بالقذارة، فقد أصبحت الأوصاف الساخرة مثل نتانة وتلوث تضاف إلى أسماء محالّ أو فاتيرنات المأكولات الشعبية الشهيرة، التي سوف تقابلونها كثيراً. عودوا إلينا!
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع