عاشت مجموعات من اليهود على أرض فلسطين خلال الحكم العربي الإسلامي، ويعتبر التاريخ العربي أنهم كانوا يعيشون في أمان وسلام، إلا أن بعض الدراسات الإسرائيلية تتحدث عن "مذابح" تعرض لها اليهود والمسيحيون خلال حكم الأمويين والعباسيين والفاطميين الذي استمر أكثر من 400 سنة.
وتتحدث هذه الدراسات أيضاً عن "تدمير" الولاة العرب الزراعة والتجارة التي كان يشتغل بها معظم السكان آنذاك، وفرض ضرائب باهظة على غير المسلمين، ما أدى إلى فرارهم في نهاية المطاف.
وآخر هذه الادعاءات ما ساقته الباحثة الإسرائيلية الدكتورة "ربيكا سبيك ليكس" المتخصصة في تاريخ "شعب إسرائيل"، وصاحبة كتاب "متى وكيف صُفيت الأغلبية اليهودية في أرض إسرائيل؟"، في مقال عنوانه "تراجعت إسرائيل اقتصادياً وأمنياً تحت الاحتلال العربي"، الأحد 28 أغسطس 2016، على موقع "نيوز1".
ولفتح مجال للرد أمام الباحثين والمؤرخين في العالم العربي، لمواجهة هذا الرأي بالأدلة والأسانيد نورد هنا ترجمة النص الحرفية للتعريف بالادعاءات الإسرائيلية.
نص المقال:
وصف باحثون تدهور الأوضاع الاقتصادية والأمنية خلال الحكم العربي الإسلامي: تقلصت الصناعة وخسرت الأسواق الخارجية وتضررت الزراعة بفعل الضرائب الفادحة والحروب. تحولت أرض إسرائيل إلى ميدان قتال وتضرر الأمن الشخصي للسكان. ونتيجة لذلك بدأت عملية نزوح من أرض إسرائيل. لا توجد معطيات حول عدد اليهود والمسيحيين الذين غادروا لأسباب اقتصادية وأمنية، لكن تناقص عدد السكان والبلدات في إسرائيل.
استمر الحكم العربي لإسرائيل من عام 640 إلى عام 1099، أي نحو 400 عام. وباستثناء الفترة الأموية، عانت البلاد خلال باقي فترات الحكم العربي من عدم الاستقرار. لقد انتقل الحكم العربي الإسلامي من يد إلى أخرى.
في البداية حكم الأمويون البلاد. في عام 750 استولى العباسيون على إسرائيل. ثم في عام 942 حكم الفاطميون أرض إسرائيل. حارب السلاجقة، وهم أتراك مسلمون، الفاطميين وفرضوا سيطرتهم على البلاد في عام 1071، ونظراً لأن الصراع بين السلاجقة والفاطميين لم ينته، عادت أرض إسرائيل إلى الفاطميين قبل وقت قصير من الاحتلال الصليبي، فحكم الفاطميون البلاد مجدداً حتى عام 1099.
وكان الجيش العربي الإسلامي الذي غزا أرض إسرائيل مشكلاً من القبائل البدوية التي رافقتها أسرها، وتسلل إلى البلاد عبر جناحين، الجناح الأيمن تسلل إلى غور الأردن والجناج الأيسر تسلل من إيلات وتقدم باتجاه شاطئ البحر. وخاضوا معارك مع الجيش المسيحي-البيزنطي بدءاً من عام 634، وبعد سلسلة انتصارات انتقلت أرض إسرائيل بشكل نهائي في يناير 640 إلى الحكم العربي الإسلامي.
وصاحب الاحتلال العربي الإسلامي ارتكاب مذابح بحق اليهود. فخلال المعارك بين البيزنطيين والعرب اعتاد العرب مداهمة القرى والبلدات. وتُظهر الاكتشافات الأثرية أن الاحتلال العربي الإسلامي استهدف الزراعة اليهودية، وراعي الكنيسة الأب صفرونيوس شهد على الدمار الكبير الذي لحق بالزراعة اليهودية في عيمق يزراعيل (مرج ابن عامر أو سهل زرعين) والجليل وفي الجنوب، وتدمير الكثير من المعابد في البلدات اليهودية في أماكن مختلفة من البلاد. كذلك ارتكب الاحتلال مذابح بحق المسيحيين. في منطقة غزة مثلاً، قتل العرب نحو 4000 يهودي ومسيحي وسامري ودمروا قراهم.
أبقى المحتل العربي على التقسيم الإداري البيزنطي وكذلك الموظفين المسيحيين، لأنهم لم يكونوا متعلمين، ولم يمكنهم تبديل الموظفين اليونانيين، كما أبقوا على اليونانية كلغة للإدارة.
وكانت أرض إسرائيل مقسمة في العصر البيزنطي إلى ثلاث مقاطعات:
- مقاطعة فلسطين الأولى (Palaestina Prima) وتضم يهودا والسامرة والساحل وصولاً إلى قيسارية عاصمة الإقليم. ونقل العرب العاصمة إلى الرملة بعد تأسيسها عام 711.
- مقاطعة فلسطين الثانية (Palaestina Secunda) وتضم الجليل، والأودية وجزءاً من جنوب لبنان وعاصمة الإقليم بيسان التي أصبحت سكيثوبوليس. ونقل العرب العاصمة إلى طبريا.
- مقاطعة فلسطين الثالثة (Palaestina Salutaris) وتضم النقب ووادي عربة وجبل سعير، وعاصمة الإقليم البتراء.
غيّر الحكام العرب أسماء الأقاليم إلى العربية: فلسطين الأولى سميت جند فلسطين، وسميت فلسطين الثانية جند الأردن.
وعلاوة على الصراعات بين الأسر العربية، الأمويين والعباسيين والفاطميين، للسيطرة على البلاد، عانت أرض إسرائيل على مدار الحكم العربي من غارات البدو من شبه الجزيرة العربية وسيناء عبر الأردن الشرقي والصحراء السورية بهدف السلب والنهب، ومن غارات الأسطول البيزنطي على المدن الساحلية.
سيطرت القبائل البدوية بالتناوب على أجزاء من البلاد وكان الوضع الأمني للسكان خطيراً. وكانت البلاد ساحة قتال مستمر طوال فترة الحكم العربي. وأضرت الأوضاع الأمنية، إضافة إلى الانعزال عن أوروبا والإهمال من قبل السلطات طوال العصر العربي، بشكل خطير باقتصاد أرض إسرائيل ما أدى إلى حدوث تراجع في المجال الاقتصادي ونقص في عدد السكان الذين، على عكس العصر المسيحي البيزنطي، لم يحصلوا على حماية بل اضطروا إلى دفع الضرائب.
وكانت أرض إسرائيل في العصر العربي الإسلامي تتذيل جدول أولويات الحكام العرب. فكان مقر حكم الدولة الأموية بداية في شبه الجزيرة العربية وفي عام 660 انتقل إلى دمشق. ونقل حكام الدولة العباسية مقر الحكم إلى بغداد، بينما سيطر الفاطميون والسلاجقة على أرض إسرائيل من مصر.
كانت البلاد منطقة محتلة تدر الأرباح بواسطة جباية الضرائب ومصادرة الأراضي لصالح دوائر الحكم. فرض النظام على السكان ضرائب فادحة. في البداية فرض على جميع الكفار ضريبة واحدة، لكن بعد ذلك قسمت الضرائب إلى ضريبة الجزية والأرض (الخراج) وضريبة الكفار (أهل الذمة).
كانت العائدات من ضريبة الكفار مصدر دخل هام للحكام. قدم موشيه جيل (من كبار الباحثين في تاريخ إسرائيل خلال العصر الإسلامي) معطيات حول حصر عائدات الضرائب، وذهب إلى أن أرض إسرائيل كانت "منجم ذهب للمسلمين". بين عامي 670 و985، جبى العرب سنوياً 304.000 دينار (منذ عام 820) و850.000 دينار سنوياً (منذ 860). في المتوسط وصلت الجباية السنوية إلى نحو 400.000 دينار.
خلال الحكم العربي أُهمل ودُمر جزء كبير من المناطق الزراعية وتقلصت الرقعة الزراعية. قدر علماء الآثار أنه بعد الاحتلال العربي، أُهملت الأساليب التي كانت تحمي الزراعة. المدرجات التي بُنيت لمنع تآكل التربة لم تلقَ عناية، وتم إهمال السدود التي أقيمت على طول الأنهار لمنع الفياضانات.
نتيجة لذلك، حدثت أضرار جسيمة للتربة التي غمرتها المياه من المدرجات المدمرة ما أدى إلى هجران القرى الجبلية. وفي الجليل رحل السكان عن 460 بلدة. كذلك في تلال نابلس- طولكرم واللد- والرملة وجبال يهودا.
وفي المنطقة الساحلية، هجر السكان 52 قرية لأن تآكل التربة والرياح أديا إلى تكوين المستنقعات وانتشار الكثبان. في منطقة هشارون (بوسط إسرائيل) أخليت 42 من التجمعات السكنية. كذلك في النقب تضررت الزراعة بشكل خطير نتيجة لسياسة الإهمال التي اتبعها الحكم العربي. عمل جزء كبير من اليهود والمسيحيين في الزراعة وساءت أوضاعهم نتيجة إهمال السلطات. بالإضافة إلى ذلك وقعت هزة أرضية في أعوام 856 و859 وتفشت الأوبئة.
تركزت التجارة الخارجية في العصر المسيحي البيزنطي بيد النخبة اليونانية في المدن الساحلية. وعشية الاحتلال العربي بدأ فرار النخبة، وتزايد مع احتلال المدن الساحلية ووقوع المذابح. أدرك الحكام العرب تدريجياً أهمية التجارة الخارجية وأعادوا بناء قيسارية وعكا، لكن الجهود المبذولة لتوطين الناس في المدن لم تكلل بالنجاح. فالعلاقات التجارية مع أوروبا كانت مقطوعة وكانت معظم التجارة داخلية أو مع مصر التي أصبحت المركز التجاري مع الاحتلال الفاطمي.
أضرت الحروب المتزايدة بالتجارة والأعمال الحرفية، وتدهور الاقتصاد، ونتيجة لذلك أصبح سكان البلاد فقراء. في نهاية المطاف دفع الحكام العرب أيضاً الثمن وهو ما تجلى في تراجع عائدات الضرائب.
فترة الحكم الأموي (640-750)
حكم الأمويون أرض إسرائيل بداية من عام 640 حتى عام 750. ونقلوا مقر حكمهم من شبه الجزيرة العربية إلى دمشق، وكانت أرض إسرائيل مجرد قطعة من الإمبراطورية الأموية، ولم تكن على رأس أولوياتهم. وقع الحكام الأمويون على معاهدات سلام مع السكان المسيحيين واليهود وتعهدوا لهم توفير الأمن للأرواح والممتلكات. أبقوا على الموظفين المسيحيين لإدارة المنظومة الإدارية واستمرت اللغة اليونانية كلغة إدارة حتى مطلع القرن الثامن وإلى حد ما خلال القرن التاسع.
كانت الرملة هي المدينة الوحيدة التي أقامها الحكم العربي عام 711 بعد الاحتلال بنحو 100 عام. كانت المدينة مركزاً إدارياً وحلّت محل قيسارية التي كانت عاصمة مقاطعة فلسطين الأولى في ظل الحكم المسيحي البيزنطي.
يؤكد موشيه شارون (أستاذ الدراسات الإسلامية والشرق أوسطية) أن العرب كانوا أقلية ضئيلة من سكان الرملة. وكتب الجغرافي العربي اليعقوبي أن سكان الرملة كانوا مختلطين وأن غالبيتهم كانوا من السامريين واليهود.
وعرض عالم الآثار إيتمار تاكسل، في محاضرة ألقاها عام 2005، مسوحات أثرية كان قد أجراها، وخلص إلى أنه من استعراض أنواع المواقع ومن المعلومات (القليلة وغير المؤكدة) التي تظهرها المسوحات، خلال العقود الأولى بعد الاحتلال الإسلامي وربما حتى نهاية القرن السابع، يتضح أنه لم يحدث تغير كبير في معدل الاستيطان الريفي في أرض إسرائيل. أدت التغيرات المباشرة وغير المباشرة في اقتصاد المنطقة من جهة والضغط المتزايد للحكم الإسلامي من الجهة الأخرى تدريجياً، لا سيما خلال النصف الثاني من العصر الأموي، إلى إضعاف الكثير من المجتمعات الريفية وتقلّص تدريجي في حجمها وأعدادها، وهو التراجع الذي اكتسب زخماً منذ القرن الثامن فصاعداً.
فترة الحكم العباسي (من 750 إلى 942)
في عام 750، انتقلت السيطرة على أرض إسرائيل إلى الأسرة العباسية التي حكمت حتى عام 942. اتخذ العباسيون من بغداد عاصمة لهم وتزايدت سياسة الإهمال تجاه إسرائيل، وهي السياسة التي ألحقت ضرراً فادحاً بالاقتصاد والزراعة التي كانت أكثر المجالات تضرراً. أدى الإهمال إلى العزوف عن الزراعة.
مكّن الإهمال ولاة الحكم العباسي من أن يصبحوا مستقلين في مناطق ولايتهم. في عام 868 استولى الوالي أحمد بن طولون على مصر وفي 878 استولى على أرض إسرائيل وسوريا.
أعاد ابن طولون بناء المدن الساحلية التي كانت مهملة منذ الاحتلال العربي. ولكنّه قُتل عام 884. احتلال أرض إسرائيل على يد ابن طولون فاقم الوضع وتحوّلت البلاد إلى ساحة قتال تورط فيه العديد من العناصر بينها القبائل البدوية. وبعد وفاته باتت الأوضاع الأمنية أكثر خطورة، وانتقل حكم إسرائيل من يد إلى أخرى على مدى 30 عاماً حتى سيطر الفاطميون على البلاد عام 942.
فترة الحكم الفاطمي (942-1099)
نقل الفاطميون مقر حكمهم إلى مصر. كانت أرض إسرائيل نظرياً تحت حكم الأسرة الفاطمية، منذ عام 942 حتى عام 1099، لكن عملياً كانت البلاد طوال هذه الفترة ساحة معارك بين الجيش الفاطمي وأطراف مختلفة سيطرت على أجزاء من إسرائيل.
عدم استقرار الحكم سمح بتنفيذ غارات وعمليات احتلال على يد أعداء الأسرة الفاطمية (القرامطة والبيزنطيون والسلاجقة). نفّذ البيزنطيون الذين لم يُسلّموا بالاحتلال العربي غارات متواصلة على المنطقة الساحلية. كان السكان المحليون متورطين أيضاً في الصراعات وانقسموا بين مؤيد ومعارض للأسرة الفاطمية. وكانت هذه الصراعات تنطوي على دوافع سياسية ودينية.
أضرت الحرب المتواصلة في القرنين العاشر والحادي عشر بالأوضاع الاقتصادية بشكل بالغ. انقطعت العلاقات التجارية مع العالم الخارجي، وما عادت الطرق آمنة، ونتيجة لذلك، تضررت سبل عيش المزارعين والحرفيين والتجار. ترك الفلاحون أرضهم، وتهاوت المدن وأضحى السكان أكثر فقراً.
إضافة إلى ذلك وقعت ثلاثة زلازل، في سنوات 1016 و1033 و1068، أضرّت هي الأخرى بالوضع الاقتصادي. وفي عام 1056 ضربت البلاد موجة جفاف شديدة استمرت سبع سنوات، حتى عام 1063. وفي عام 1068 بدأت فترة جفاف جديدة استمرت ست سنوات حتى عام 1074. دُمرت الرملة في زلزال 1068.
وصف حاييم زئيف هيرشبرغ (مؤرخ يهودي معروف) تدهور الوضع الاقتصادي طوال فترة الحكم العربي الإسلامي قائلاً: "تقلصت الصناعة، وفُقدت الأسواق في ما وراء البحر، وتضررت الزراعة بفعل الضرائب الباهظة وكذلك الحالة الأمنية. ونتيجة لهذه الحالة بدأت الهجرة من البلاد". لا توجد معطيات إزاء أعداد اليهود والمسيحيين الذين غادروا انطلاقاً من أسباب اقتصادية وأمنية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...