"المملكة العربية السعودية مثل شركة Ford للسيارات. إسم العائلة على الباب”. جملة تفتح برقية دبلوماسية أمريكية تعود إلى العام 2006، تناقش قواعد النظام الملكي السعودي المعقدة في ما يتعلق بشؤون الخلافة. ها أن 60 عاماً قد مرّ على وفاة الأب المؤسس للمملكة العربية السعودية الحديثة، الملك عبد العزيز، المعروف غالباً بابن سعود، ولا تزال آليات الخلافة الملكية أمراً مبهماً.
النظام الأساسي للحكم في السعودية، الصادر عام 1992، ودستور المملكة الضمني يحدّدان لائحة مختصرة للمؤهلات التي لا بدّ أن يتمتّع بها من سينصّب ملكاً. على الملك أن يكون "الأصلح" بين أولاد “ابن سعود” وذريتهم، وعليه “أن يُبايع وفقاً لكتاب الله تعالى وسنّة رسوله.” هذه الصيغة تعني أن على الملك أن يحظى باحترام آل سعود، وأن يكون مسلماً تقياً (الأمير محمد، وهو أحد كبار أولاد ابن سعود، لم يحظَ بفرصة أن يكون ملكاً لكونه كان سكيراً، كما يزعم).
سايمون هندرسون Simon Henderson، وهو خبير مخضرم في الشؤون السعودية، يعطي صورةً مفصلة أكثر عن مؤهلات الملك المستقبلي، ويذكر منها العمر، كون الأم من الجنسية السعودية، الخبرة في العمل الحكومي، الفطنة، الشعبية والمقدرة على الحفاظ على الاستقرار.
ما يميّز المملكة العربية السعودية عن الأنظمة الملكية التقليدية هو كون مقاليد الحكم راحت تنتقل، بعد وفاة الملك بن سعود، من أخ إلى آخر، لا من الأب إلى ابنه البكر. هذه السابقة كرسها الملك بن سعود نفسه. عندما عين ابنه البكر، الأمير سعود، ولياً للعهد، كان صريحاً في نيّته إعطاء الولاية التالية لابنه البكر الثاني، الأمير فيصل. ما أن توفي ابن سعود، نُصّب الأمير فيصل، على الفور، ولياً للعهد.
ومنذ ذلك الحين، انتقل العرش تدريجياً بين الأخوة، من سعود، إلى فيصل، إلى خالد، ثم فهد، ثم عبد الله. بالإضافة إلى ولاية العهد نفسها، منصب نائب رئيس الوزراء في المملكة يشغله دوماً ولي العهد القادم.
ولكن هناك عامل آخر يعقّد العملية، وهو هيئة البيعة التي شكلها الملك عبد الله عام 2006 لضمان أن تتم عمليات انتقال السلطة في المملكة، مستقبلاً، بسلاسة. هيئة البيعة مجلس مؤلف من الأمراء، جميعهم من الورثة الذكور لابن سعود. للمجلس القدرة على إزاحة الملك إذا ما كان شديد المرض، وتسمية ولي العهد بالتنسيق معه، أو الحكم بدلاً من الملك وولي عهده، إذا ما كان كلاهما على سرير الموت. على المجلس أن يضمن كذلك أن ملوك المستقبل يحظون بتأييد الأسرة الحاكمة، وأنهم من أولاد ابن سعود.
ليس من المستغرب أن يكون هذا الإجماع أساسياً لاستقرار المملكة العربية السعودية، إذ أنّ لها تاريخاً طويلاً من النزاعات العائلية التي كادت أن تجثي الدولة الحديثة على ركبتيها. عندما توفي ابن سعود، انتقل العرش إلى ابنه الأكبر، سعود، الذي اعتبر غير كفء لتولي المنصب. ترأس الملك سعود فترة من الركود السياسي والاقتصادي، تميّزت بصعود نجم الرئيس المصري جمال عبد الناصر، وفكرة القومية العربية. اتهم سعود في عام 1958 بالتواطؤ في محاولة لاغتيال عبد الناصر، ما دفع العائلة المالكة إلى المطالبة بتسليم القرارات الحكومية الهامة إلى فيصل، الأمر الذي قبله الملك سعود.
إلا أن المناورة لم تنته عند هذا الحد. سعى الملك سعود لتوسيع دائرة حلفائه، ملمحاً إلى إمكانية إجراء إصلاحات دستورية، في حين راح الأمير فيصل، مستغلاً اعتلال صحة الملك سعود، يملأ مجلس الوزراء بمؤيدين له.
في العام 1964، وبينما راح المصريون يتدخلون في الحرب المشتعلة في اليمن ضد مصالح المملكة العربية السعودية هناك، وجّه الأمير فيصل إنذاراً إلى الملك سعود، عبر مفتي المملكة، مطالباً إياه بالتنحي. رفض سعود، وحشد الحرس الملكي لنصرته، غير أن الأمير فيصل تمكن من تعبئة الحرس الوطني الأكثر كفاءة. استسلم جنود الملك سعود وسمحت فتوى صادرة عن رجال الدين للأمير فيصل بتولي الحكم. بعد بضعة أشهر، انتقل سعود إلى منفاه في اليونان، حيث توفي. جزءٌ كبير من هذا الصراع وثقة هندرسون، في بذرة أبحاثه عن سياسات انتقال الحكم في السعودية.
عين الملك فيصل أخاه، الأمير خالد ولياً للعهد، مكرساً سابقة الملك ابن سعود في تمرير مقاليد الحكم من أخ إلى آخر. عند وفاة الملك خالد في عام 1982، تسلم الملك فهد العرش حتى وفاته عام 2005. تسلم حينها أخاه الملك عبدالله كافة مسؤوليات السلطة، إلى أن نصّب ملكاً رسمياً في العالم 2005.
سياسة انتقال الحكم من أخٍ لأخ تواجه اليوم مشكلة تضاؤل قائمة المرشحين في عمرٍ مناسب لتولي السلطة. لا شيء أقوى دلالة على هشاشة المملكة العربية السعودية اليوم من تداعي اثنين من أولياء العهد في السنوات الأخيرة. توفي الأمير سلطان بن عبد العزيز، شقيق الملك الحالي عبد الله، في عام 2011 بعد صراع طويل مع المرض. ولي العهد، الأمير نايف، توفي كذلك في نوفمبر من العام الماضي، ليحل محله أخ آخر، هو الأمير سلمان.
تم مؤخراً تعيين الأخ الأصغر، الأمير مقرن بن عبد العزيز، الذي كان رئيساً للمخابرات العامة، نائباً لرئيس الوزراء، مما يجعله ولي العهد بعد الأمير سلمان. إن تعيين مقرن، الذي يتمتع بصحة أفضل نسبياً، وهو حاكم سابق للمدينة المنورة وأحد قادة المعركة ضد الإسلاميين المتشددين، قد يشير إلى إمكانية أن يكون الملك عبد الله يستعد لنقل السلطة إلى الجيل الأصغر سناً الذي يضم أحفاد بن سعود. يعتبر البعض أن الأمير مقرن هو الأفضل للإشراف على هذه النقلة.
كثيرون يعتبرون أن المملكة تحتاج إلى نبضٍ جديد وإصلاحات تساعدها على ركوب موجة التغييّرات التي تطرأ على العالم العربي. ولكن لكل الذين يشككون في الميول الإصلاحية للنظام الملكي، أو يتأملون وجود شفافية أكبر في معاملات الديوان الملكي، انتقد ولي العهد الجديد الأمير سلمان، في مقابلة أجرتها معه مؤخراً الخبيرة في الشؤون السعودية كارين هاوس Karen House، الديموقراطية قائلاً " إذا ما تبنت السعودية الديمقراطية، فإن كل قبيلة ستكون حزباً" .
تم نشر هذا المقال على الموقع في 11.11.2013
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...