باتت الأسر السعودية تراقب سلوك أبنائها خوفاً من مباغتتهم بخبر تورّط أحدهم في أعمال إرهابية، كنتيجة لانضمامه إلى جماعة إرهابية، لا سيما تنظيم داعش، الذي تستهدف ماكينته، بشكل مباشر، صغار السن (ما دون العشرين عاماً)، عبر تحريضهم على قتل ذويهم من باب الولاء والبراء.
وقد دفعت العمليات الإرهابية التي وقعت في بعض المناطق السعودية الكثير من الأهالي إلى تبليغ الجهات الأمنية عن أبنائهم لدى تغيّر سلوكهم أو اختفائهم من المنزل. وهو القرار عينه الذي دفع سيدة سعودية إلى التبليغ عن ابنها المتأثر بالفكر المتطرف، إذ ظهرت السيدة في مقطع فيديو وهي توجّه رسالة شكر لرجال الشرطة، بعد انتهاء مهمة القبض على ابنها، قائلة لهم: "يعطيكم العافية".
لم تكن تلك الظاهرة هي الوحيدة، بل رافقتها ظواهر أخرى تمثّلت في تصريحات أمنية بأن مطلق النار في منطقة سيهات، شرق السعودية، قد بلّغ عنه ذووه منذ تركه المنزل إلى منطقة وادي الدوسري، في خطوة تعكس التعاون بين الأسر السعودية والجهات الأمنية في تعقّب كل من يشتبه في انضمامه إلى تنظيم داعش.
وقد أكّد الأمير سعود بن نايف، أمير المنطقة الشرقية، أن "والد مرتكب العمل الإرهابي في سيهات، الذي راح ضحيته 5 شهداء و7 جرحى، قام بالإبلاغ عن ابنه قبل أسبوعين، إلا أنّ الابن كان في منطقة أخرى واستطاع أن يتوارى عن الأنظار".
مقالات أخرى
من مجاهدين في سبيل "الراب" إلى مجاهدين في سبيل "الربّ"
كيف تقودك المشاركة في تظاهرة إلى الإعدام؟
وولّدت دعوة داعش للمتعاطفين معه في السعودية إلى التبّرؤ من أهلهم وذويهم، حالة فزع وشك لدى الأسر تجاه كل من تشوبه شائبة تطرف فكري من أبنائهم أو ذويهم، خشية تعرضهم للقتل على أيديهم، إذ طلب التنظيم، في إصدار مرئي ظهر أخيراً، بقتل الأقارب والأهل بدعوى "المعروف والنصرة، وتطبيقاً لشريعة الولاء والبراء".
وقد تمثلت حالة الفزع في تبليغ أب عن ابنه، الذي هدّده بالقتل، إذ فوجئ الأب بذهاب الابن سريعاً إلى غرفته ليحضر خنجراً ويصرخ في وجهه بأنه من داعش. فلم يكن من والده إلا أن هرب من البيت، واتصل بالشرطة. فحضرت الدوريات، وطوّقت المكان واقتادت الابن للتحقيق، وتبيّن لاحقاً بأنّه قام بهذا التصرف ليوقف أباه عن ضربه.
وفقاً للاختصاصي الاجتماعي سعيد باعشن: "يبقى التبليغ عن الابن المتطرف أهون الشرور وأقلها، عوضاً عن ارتكابه جريمة بحق أبرياء تهز المجتمع، وتعريض أسرته للمساءلة القانونية في حال علمهم بتطرف ابنهم وجنوحه فكرياً للتنظيمات الإرهابية". ويؤكّد باعشن أن "الجرائم الإرهابية التي يرتكبها شباب صغار السن، أعادت حسابات الكثير من الأسر السعودية حيال سلوك أبنائهم، خوفاً من انضمامهم لتنظيمات إرهابية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهي الأداة التي يستخدمها التنظيم في تجنيدهم".
وأضاف: "وقوع الابن المتطرف في قبضة الشرطة قبل ارتكاب جريمة إرهابية هو أفضل الخيارات التي يمكن أن تلجأ الأسرة إلى اتخاذها، عوضاً عن رؤية أشلاء ابنهم متطايرة عند تفجير نفسه لقتل أبرياء". إلا أن ما يزيد الأمر حيرة وارتباكاً لدى بعض الأسر السعودية، هو عدم تمكّنهم من اكتشاف "الميول الإرهابية" لدى أحد أبنائهم، الذي يتظاهر بأنه شخص طبيعي، مخفياً انتماءاته إلى حين تنفيذ جريمته. فتفاجأ الأسرة بسماع خبر مقتل ابنهم إثر عملية إرهابية.
ويوضح باعشن أن "انضمام الأبناء سراً إلى تنظيمات متطرفة من دون أي مظاهر توحي بذلك، خطوة تبعد عنهم شكوك أسرهم وتحميهم من تعاون أسرهم مع السلطات الأمنية للقبض عليهم، وهي إستراتيجية تعتمد عليها داعش لتمرير عملياتها الإجرامية في السعودية، مستفيدة من تلك الأخطاء التي وقع فيها تنظيم القاعدة في السابق".
وقال المحامي أيمن السدحان، مدير مركز مجتمع مدينة جدة: "أكثر من 60% من البلاغات التي ترد إلى الجهات الأمنية لتسليم أو تبليغ عن متورطين في قضايا أمنية مختلفة، لا سيما جرائم السرقة والمخدرات وغيرها، مصدرها الأسرة، إذ لا تتردّد الأسر في تسليم أحد أعضائها إذا ثبت تورطه في إحدى القضايا الجنائية أو الإرهابية".
وأكد السدحان أن "الكثير من الأسر السعودية تعلم أنها أول من سيدفع ثمن التكتم حول نشاط جنائي أو مشبوه يمارسه أحد أعضائها، والنماذج في ذلك وافرة، إضافة إلى أن الإعلام لعب دوراً كبيراً في زيادة الوعي حول ضرورة التعاون مع الجهات الأمنية". ويشير إلى أن "تعاون الأسر السعودية مع الجهات الأمنية دليل على أن المجتمع السعودي خرج من عباءة القبلية أو الاحتماء بها، إذ يعتقد معظم ممن يتورطون في أنشطة إجرامية أن سمعة ومركز قبليته كفيلان بنجاته من العقوبة".
وقد يكون أفضل مثال على ذلك، قبلية شمر، إحدى أكبر القبائل في منطقة حائل، التي تبرأت من خالد الشمري منفذ الجريمة الإرهابية في جامع الحسين في حي العنود بالدمام العام الجاري.
وفي موقف مشابه ، أعلنت أسرة الظفر في الأحساء براءتها من ابنها مروان إبراهيم الظفر، بعد مشاركته في تنفيذ "جريمة الدالوة"، التي راح ضحيتها 8 شهداء، وأصيب فيها آخرون إثر إطلاق النار على حسينية المصطفى في قرية الدالوة عام 2014. وأتى موقف عائلة الظفر بعد أيام من موقف مماثل أعلنته قبيلة آل مرة، التي تبرأت من تصرف ابنها سالم فراج المري (قطري الجنسية)، الذي أعلنت وزارة الداخلية أيضاً مشاركته في تنفيذ الجريمة.
علماً أن السلطات الأمنية السعودية رفضت الكشف عن أعداد العائلات التي أبلغت عن أبنائها لدواع أمنية، إلا أن الأكيد، في رأي السدحان، يبقى أن "تبليغ الأسرة عن ابنها يُعدّ أمراً في منتهى الصعوبة، وخياراً لا تلجأ إليه الأسرة إلا وهي مدركة أن مستقبله ربما سينتهي لدى القبض عليه، إذ ستكون درجة عقوبته تبعاً لحجم الجرائم التي تورط فيها، فالتبليغ عن الابن هو إنقاذ ما تبقّى من سمعة العائلة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...