خرجت كرة القدم خلال الآونة الأخيرة من نطاق الرياضة التنافسية الشريفة، لسلعة تنافسية يشوبها الكثير من الشبهات. بات عدد كبير من الأشخاص حول العالم يسعى بشتى الطرق للعمل بها، لجني الكثير من المال في أقصر وقت ممكن.
وباتت الشركات الراعية تتحكم في قرارات الاتحاد الدولي للعبة، وبدأت القنوات الفضائية تحرم نسبة كبيرة من جمهور اللعبة من متابعتها، بسبب موجة حصرية النقل التلفزيوني، التي انتشرت في السنوات القليلة الماضية.
بداية الانحدار
اتجه عدد كبير من رجال الأعمال للاستثمار في كرة القدم، إما لغرض كسب المال أو لتسليط الأضواء عليه، بعدما بات العالم بأسره شغوفاً بمتابعتها. وأدى ذلك إلى تغيير المسار الذي كانت تسلكه، من رياضة يتابعها الجميع للترفيه والمتعة، إلى ساحة للحرب بطلها الرئيسي المال. ومع وجود رغبة لدى ملاك الأندية في حصد أنديتهم للأخضر واليابس، وُلد سوق جديد للاستثمار ينجح فيه مَن يدفع أكثر. وبات اللاعب سلعة يلهث وراءها رؤساء الأندية الكبرى، للظفر بها، لتلميع صورتهم قبل خوض غمار انتخابات الأندية. وحدث ذلك في صفقة انتقال الويلزي غاريث بيل، من صفوف توتنهام هوتسبير الإنكليزي إلى ريال مدريد. حرص حينها فلورنتينو بيريز، رئيس الريال على إنجاز صفقة من العيار الثقيل تدعم موقفه في الانتخابات. عمر البانوبي عضو الفريق الإعلامي لفريق هال سيتي، والناقد الرياضي في موقع مصر العربية، يقول لرصيف22، إن ما أفسد الساحرة المستديرة هم من أدخلوا إليها غسيل الأموال، وليس رجال الأعمال الكبار، الذين استثمروا أموالهم وعظموا قيمة كرة القدم المالية والاقتصادية على مستوى العالم، لتصبح ثالث أكبر استثمار مالي بعد المخدرات والسلاح... ولكنها استثمار شرعي.فتح سوق جديد
تزايُد الطلب على اللاعبين، أصحاب الأسماء اللامعة، جعل عدداً كبيراً من الأشخاص يتجه للعمل كوكيل لاعبين، ما فتح باباً لصراع جديد في اللعبة. فيتصارع وكلاء اللاعبين، ليفوز كل منهم بأحقية تسويق نجمه، الذي يرى أنه يستطيع أن يجني من وراء إعادة بيعه الكثير من الأموال. وبات وكلاء اللاعبين يتحكمون في سوق الانتقالات، وساهموا في الارتفاع الجنوني في بورصة اللاعبين، عبر التلاعب بمسؤولي الأندية وفتح باب المفاوضات مع أكثر من ناد، للوصول إلى أعلى سعر. كما يضغطون على مسؤولي الأندية لدفع سمسرة لإرساء الصفقة لمصلحتهم. [caption id="attachment_71769" align="alignnone" width="700"] نيمار سيلفا[/caption] وتعتبر صفقة البرازيلي نيمار سيلفا، عندما انتقل من صفوف فريق سانتوس البرازيلي إلى صفوف برشلونة الإسباني، دليلاً على ذلك. فتقدم جوردي كاسيس، عضو نادي برشلونة، بدعوى قضائية ضد ساند روسيل، رئيس النادي السابق، بتهمة التلاعب في العقود المبرمة بين النادي واللاعب، من خلال تقديم عقود وهمية، في ما يتعلق بالقيمة المادية للصفقة. وأثبتت التحقيقات في ما بعد، أن دا سيلفا سانتوس، والد نيمار ومدير أعماله، تلقى مبلغ 40 مليون يورو عمولة من النادي الإسباني ليوقع اللاعب له.كرة القدم اليوم ثالث أكبر استثمار مالي بعد المخدرات والسلاح... ولكنها استثمار شرعيكذلك، حصل مينو رايولا، وكيل أعمال لاعب الوسط الفرنسي بول بوغبا، على عمولة خيالية لتسهيل انتقال موكله من نادي يوفنتوس الإيطالي إلى صفوف مانشستر يونايتد الإنكليزي. ووفقاً لما أكدته بعض وسائل الإعلام الإنكليزية، فإن عمولة رايولا تخطت الـ30 مليون يورو، في الصفقة التي بلغت قيمتها المعلن عنها لوسائل الإعلام 100 مليون إسترليني، بخلاف ما سيتقاضاه اللاعب. [caption id="attachment_71770" align="alignnone" width="700"] لاعب الوسط الفرنسي بول بوغبا[/caption] أحمد بلال، لاعب المنتخب المصري والنادي الأهلي سابقاً، والناقد الرياضي في جريدة المصري اليوم، قال لرصيف22: "عدم مهنية الكثيرين من وكلاء اللاعبين يمكن أن يدمر اللعبة. يجب أن يعلم وكيل اللاعب أن دوره مقتصر على تسويقه والالتزام بالقوانين التي وضعها الاتحاد الدولي للعبة".
التلاعب والمراهنات
كثيراً ما وجه مسؤولو بعض الأندية الاتهامات للاتحادين الدولي والأوروبي، مؤكدين أن قرعة دوري الأبطال وكأس العالم، تكون موجهة لمصلحة بعض الأندية والمنتخبات، ما اعترف به السويسري جوزيف بلاتر، الرئيس التاريخي للاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" قبل رحيله عن منصبه. بلاتر أكد في مقابلة مع صحيفة لاناسيون الأرجنتينية، وجود تلاعب بقرعة البطولات الأوروبية، وتحديداً دوري أبطال أوروبا، إذ يتم اعتماد الكرات الساخنة والباردة، بغية اختيار هوية المتنافسين، من خلال وضع كرات القرعة في الثلاجة قبل انطلاق عملية القرعة لتفادي وقوع الأندية الأوروبية الكبيرة في مواجهة بعضها بعضاً في القرعة. كما أدى تورط فريق يوفنتوس الإيطالي في قضية التلاعب بالنتائج عام 2006 إلى هبوطه للدرجة الثانية وحرمانه من المشاركة في كأس الاتحاد الأوروبي، بعدما أثبتت التحقيقات تورطه في التلاعب بنتائج المباريات واختيار حكام يميلون إلى مصلحته. وتعد الفضيحة الأبرز هي تورط رجال جوزيف بلاتر، رئيس الاتحاد الدولي في قضية هزت عرش الفيفا وباتت حديث العالم. إذ وجه مكتب النائب العام السويسري له تهم الفساد في الاتحاد على مدى العقدين الماضيين، وتشمل قضايا الفساد عروض تنظيم كأس العالم لكرة القدم، وكذلك عروض التسويق والبث، بالإضافة إلى تُهم بالاحتيال والابتزاز وغسيل الأموال.سطو الشركات الراعية
تدخلت الشركات الراعية للاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" بقوة، وطالبت مسؤولي الاتحاد برحيل السويسري جوزيف بلاتر، رئيس الفيفا عقب تورطه في الاستيلاء على 80 مليون دولار، بالمشاركة مع مساعديه السابقين الفرنسي جيروم فالكه، والألمانى ماركوس كارتنر، وذلك عبر عقود ومكافآت وتعويضات، خلال الأعوام الخمسة الماضية. بالإضافة إلى حصولهم على مكافآت خاصة عن بطولة كأس العالم، التي أقيمت عام 2010 فى جنوب أفريقيا، قدرها 23 مليون دولار، من دون وجود أي عقد ينص على دفع هذه الأقساط، ورضخ بلاتر والقائمون على الاتحاد لطلبات الشركات. ورأت شركات الرعاية الكبرى أن رعايتها للاتحاد الدولي للعبة في ظل وجود بلاتر يحيط الشبهات بها، ما جعلها تطالب برحيله لتتنصل منه. فرحل القائم على رأس الهرم الأكبر للعبة بعد سنوات طويلة، قضاها على عرش الرئاسة. ترشيحات اللاعب الأفضل في العالم لم تنج هي الأخرى من تدخلات الشركات الراعية. فيتدخل الرعاة في الاختيارات، وإن كان بصورة غير مباشرة، ولعل الموقف الذي تعرض له محمد أبو تريكة، لاعب المنتخب المصري والأهلي السابق، في مونديال الأندية 2006 عندما فاز مع فريقه بالمركز الثالث، وكان هدافاً للبطولة خير دليل على ذلك. إذ أبلغته اللجنة المنظمة أنه تم اختياره ضمن أفضل ثلاثة لاعبين في البطولة، لتتدخل شركة تويوتا المنظمة للبطولة وتتراجع اللجنة المنظمة عن اختياراتها وتستبعد اللاعب المصري. [caption id="attachment_71771" align="alignnone" width="700"] محمد أبو تريكة[/caption] وقد أكد هذه الواقعة الناقد الرياضي في صحيفة الأهرام العربي والصديق المقرب من اللاعب علاء عزت. وقال إن اللجنة المنظمة أبلغت مسؤولي الأهلي واللاعب، أنه تم اختياره ضمن أفضل ثلاثة لاعبين في البطولة، وعندما نزل إلى أرض الملعب، ذهب شخص واعتذر إليه وقال له إن اللاعب الثالث هو رونالدينهو وليس هو. ويقول بلال في هذا الشأن إن الشركات الراعية تقوم أحياناً بتشكيل اللجان الخاصة بالبطولة، وتتدخل بقوة في سحب القرعة واختيار جائزة الأفضل، مستشهداً أيضاً بحادثة أبو تريكة المذكورة. وأكد عمر البانوبي أن تدخل الشركات الراعية في قرارات الاتحادات غير مقبول، لكنه يتم في بعض الأحيان لأسباب تسويقية، ولتحقيق عائدات مالية.مبالغ خيالية لحقوق البث
تحرص الدول في القارة العجوز، وعلى رأسها إنجلترا، على تحقيق أكبر استفادة مالية للاتحاد والأندية من حقوق بث المباريات. ونجح الاتحاد الإنكليزي في بيع حقوق بث مباريات الدوري الممتاز، لمدة ثلاثة مواسم بداية من 2016 حتى 2019 مقابل سبعة مليارات و837 مليون دولار، لشبكة سكاي سبورتس ومحطة بي تي الرياضية. فحصلت سكاي على خمس باقات مقابل 4 مليارات و176 مليون إسترليني، بإجمالي 126 مباراة، مقابل باقتين لمحطة بي.تي، بقيمة نحو مليار استرليني بمجموع 42 مباراة. وبلغت قيمة بيع حقوق بث المباراة الواحدة أكثر من 10 ملايين إسترليني. بدوره يقوم الاتحاد الإنكليزي بإعادة صرف هذا المال العائد من حقوق البث على تطوير اللعبة، وتقسيمه على الأندية المشاركة في البطولة. يحصل النادي صاحب المركز الأخير في الدوري الإنكليزي على 99 مليون إسترليني من حقوق البث التلفزيوني وحدها، كما يحصل البطل على 156 مليون جنيه إسترليني.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...