انتظر العمال المنزليون نحو 10 سنوات على خروج أول قانون ينظم علاقتهم بمشغليهم. فعام 2006 اقترحت الحكومة المغربية مشروع قانون خاص بهذه الفئة، التي لا تعترف بها مدونة الشغل المغربية. وفي نهاية يوليو 2016، صادق البرلمان المغربي على مشروع قانون الرقم 19.12، المحدد لشروط التشغيل والشغل المتعلقة بالعمال المنزليين. عرف القانون، قبل المصادقة البرلمانية عليه، جدلاً واسعاً، من المعارضة السياسية، وبعض الجمعيات الحقوقية، والأخرى المهتمة بالطفولة والمرأة.
وكان مجلس المستشارين، آخر من صادق على هذا القانون، بعدما سبقه مجلس النواب في مايو من العام الجاري. القانون، المكون من 26 مادة موزعة على 5 أبواب، جاء ليوفر إطاراً قانونياً لفئة العمال المنزليين، لحماية حقوقهم ومكتسباتهم وليحدد ما لهم وما عليهم.
غطاء قانوني
يعرّف القانون الجديد العامل المنزلي بـ"العامل الذي يقوم بصفة دائمة واعتيادية مقابل أجر، بإنجاز أشغال مرتبطة بالبيت، كما هي محددة في المادة 2 من هذا القانون، سواء عند صاحب بيت واحد أو أكثر". القانون المذكور، بحسب عدنان بوشان، أستاذ باحث في قانون الشغل والعلاقات المهنية، جاء ليضع غطاءً قانونياً لبعض العمال المنزليين دون السن القانونية للتشغيل، خصوصاً الأطفال الذين تراوح أعمارهم بين 16 و18 سنة، ولا تعترف بهم مدونة التشغيل المغربية. كما يؤكد أن هذا القانون جاء ليفتح بوابة القانون أمام طبقة استثناها المشترع من مدونة التشغيل، وهي عمال البستنة والحراسة وشؤون البيت. ويضيف بوشان أن القانون الجديد، رغم الانتقادات التي واجهته بسبب "تشجيعه" على تشغيل الأطفال، إذ حدد سن العمال المنزليين في 16 سنة كحد أدنى، يعد نقطة "مضيئة" وسط التشريعات المغربية، التي تؤطر علاقة التشغيل. يشمل القانون كل المجالات المتعلقة بالتنظيف، والطبخ، والاعتناء بالأطفال، أو الاعتناء بفرد من أفراد البيت بسبب سنه أو عجزه أو مرضه، أو كونه من ذوي الاحتياجات الخاصة، أو السياقة لأغراض البيت، أو إنجاز أعمال البستنة أو حراسة البيت. وفرض القانون على صاحب البيت بصفته المشغل، إنجاز تصريح للعامل، مع ضمان بعض الحقوق، مثل الراحة الأسبوعية، والعطلة السنوية، وراحة خلال الأعياد الدينية والوطنية، كما يمنح القانون حق التغيب لأسباب عائلية وصحية. ولم ينسَ القانون الأجر النقدي، الذي لا يمكن أن يقل عن نصف الحد الأدنى القانوني للأجر المطبق في قطاعات مهنية أخرى. وهو في القطاع الخاص 2369 درهم (نحو 203 دولارات) شهرياً، وشدد على عدم اعتبار مزايا الإطعام والسكن ضمن الأجر. واعتبر بوشان أن في القانون بعض النواقص، هي عدم منحه للعامل المنزلي المفصول عن العمل بصفة تعسفية التعويض عن الأخطار والضرر، وعدم التزام المشغل بتوفير تأمين صحي للعامل المنزلي، وضرورة إلحاقه من قبل رب البيت بالمدرسة، إذا كان لا يزال في سن الدراسة، مع إحاطته بالحماية الاجتماعية وحمايته من شتى أنواع التعذيب والعنف، الذي قد يمارس عليه من قبل صاحب المنزل.قانون سيحسن من أوضاع العمال المنزليين في المغرب، ولكنه لا يراعي كثيراً القاصرين...وأشار بوشان إلى أن المشرع أغفل أيضاً تحديد ساعات العمل الإضافية، والتعويض عنها. كما لم يتحدث عن إجازة الأمومة والحق في الانتماء النقابي. والعائق الآخر الذي يقف أمام العامل المنزلي، هو إغفاله كيفية إنهاء عقد الشغل وأسباب هذا الانتهاء. وأوضح أن القانون اشترط أن يقضي العامل المنزلي مدة سنة فعلية ليطالب بالتعويض عن الطرد التعسفي.
مع وضد
فاجأت منظمة هيومن رايتس ووتش المهمتين برأيها، إذ أشارت في بيان إلى أن "القانون من شأنه توفير حماية لآلاف النساء والفتيات من الاستغلال والانتهاكات. وسيحقق تطوراً غير مسبوق لعاملات المنازل في المغرب، بعد أن تعرضت الكثيرات منهن للاستغلال والأذى". ورغم هذا التنويه، انتقدت المنظمة ضعف الفصول المتعلقة بالأجور وساعات العمل، خصوصاً الحد الأدنى لأجر عاملات المنازل، الذي ما زال منخفضاً. وأضافت المنظمة أنه سبق أن فتحت تحقيقاً في ظروف عمل عاملات المنازل القاصرات في المغرب، بين عامي 2005 و2012، وخلص إلى أن هناك فتيات لم يتجاوزن 8 أعوام يشتغلن عاملات، وتعرضن لانتهاكات جسيمة من قبل أرباب العمل. واعتبر وزير التشغيل والشؤون الاجتماعية عبد السلام الصديقي أن القانون جاء بـ4 مكاسب رئيسية. وقال لرصيف22: "هذه المكاسب الأربعة تتلخص في ملء الفراغ القانوني الذي كان يعرفه هذا المجال، وإلزام المشغل أو المشغلة بالتوقيع على عقود عمل مكتوبة، وضمان الحقوق الأساسية للعامل أو العاملة المنزلية. والمكسب الرابع هو ضمان حق العامل أو العاملة المنزلية في الحصول على تعويض في حالة الفصل عن الشغل". في المقابل، عارضت منظمة نساء حزب الأصالة والمعاصرة المشروع، وانتقدت المادة المتعلقة بتشغيل الأطفال القاصرين. واعتبرت أن هذه المبادرة التشريعية بمثابة "جريمة في حق الطفولة المغربية، وتكريس لمبدأ السخرة الذي يعتبر من بقايا أشكال العبودية". من جانب آخر، طلبت الحكومة المغربية، قبل إحالتها مشروع القانون على البرلمان للمصادقة عليه، رأي كل من المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول الموضوع. وأوصى المجلس الوطني لحقوق الإنسان أن يحدد مشروع القانون العمر الأدنى للاستخدام في العمل المنزلي في 18 سنة. كذلك شدد المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي على منع تشغيل الأطفال الذين هم دون 15 سنة في العمل المنزلي المأجور، وربط هذا المنع بتدابير تسمح بانتشال الأطفال من وضعية التشغيل التي يوجدون فيها حالياً. وفي حين عبرت بعض العاملات في البيوت عن سرورهن بهذا القانون الجديد، أبدت نعيمة، التي تعمل خادمة في أحد المنازل، تخوفها من عدم تطبيق القانون، والتزام أصحاب البيوت بمقتضياته، انطلاقاً من تجربتها في هذا المجال، والبطش وسوء المعاملة التي لاقتهما في مسارها كخادمة بيوت، كما تقول. كذلك اعتبر البستاني عمر بندريس أن عدداً كبيراً من أصحاب البيوت والفيلات، سيستغلون ظروف الحاجة والفقر للخادمات لتشغيلهم من دون أي وثيقة، موضحاً أن جزءاً كبيراً سيتم تشغيله خارج القانون. في المقابل الآخر، أحدث القانون انقساماً واضحاً وسط أصحاب المنازل.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...